Close ad

مطالب شعبية ومحاولات أممية لإنقاذ الأوضاع.. الحرب الأهلية تدمر العملية التعليمية في اليمن

30-1-2023 | 17:48
مطالب شعبية ومحاولات أممية لإنقاذ الأوضاع الحرب الأهلية تدمر العملية التعليمية في اليمنصورة أرشيفية
تقرير ـ على عبد الجواد
الأهرام العربي نقلاً عن

اليمن لم يشيد أى مدرسة جديدة منذ العام 2011

موضوعات مقترحة

تعليق دفع الرواتب وتعرض المدارس للهجوم اضطر كثير من المعلمين إلى إيجاد مصادر بديلة للدخل

وجود الأطفال خارج العملية التعليمية يعرضهم للتجنيد فى الجماعات المتطرفة

 

باتت التقارير المرعبة، التى تصدرها كل عام منظمات دولية، أبرزها منظمتى «يونسكو» و«يونيسيف» التابعتان للأمم المتحدة، بشأن تفاقم نسب الأمية فى اليمن، وأعداد الأطفال المحرومين من حقوق التعليم، تنذر بمهدد شديد الخطورة لمستقبل اليمن، يضرب عقول الأجيال المقبلة، ويعيق إمكانية تنمية البلاد لعقود، فقطاع التعليم فى قلب القطاعات التى طالتها الآثار المدمرة للحرب الأهلية فى اليمن، خصوصاً فى مراحله الأساسية.

تشير التقارير عن وضع التعليم فى اليمن، خلال الثلاثة أعوام الأخيرة، إلى أن مؤشر التعليم أخذ اتجاهه التنازلى منذ العام 2014، كنتيجة حتمية للحروب الأهلية المستمرة، حتى وصل إلى مستوى مقلق، فالقطاع الأكثر تضررًا فى البلاد خلف نسبًا عالية من الأمية، بلغت فى الأرياف نحو ٪70، مقابل ٪40 فى المدن الحضرية، وأدى إلى بلوغ عدد الطلاب المتسربين من المدارس بالمراحل التعليمية المختلفة نحو المليونى طالب، إضافة إلى 4 ملايين متضررين من الحرب، ليصبح العدد الإجمالى 6 ملايين طالب ما بين متسربين ومتضررين، وبات التعليم حلمًا صعب المنال داخل الأسر اليمنية، مع الحرب التى أدت إلى إغلاق المعامل وندرة الكتب والأدوات المدرسية، وإغلاق دور التعليم، وأجبرت آلاف المعلمين على الانصراف عن التعليم والبحث عن مصادر أخرى للعيش.

وتفاقمت الأمور على نحو أسوأ، إثر الانقسام فى إدارة العملية التربوية، بين الحكومة الشرعية والجماعة الحوثية، حتى أغلقت بعض المدارس الحكومية فى مناطق أبوابها فى وجه الطلاب، بسبب النقص الشديد فى الكادر التعليمى، فيما أقدمت مدارس فى مناطق أخرى على إغلاق الأقسام الثانوية، والاكتفاء بالمرحلتين الأساسية والابتدائية، للسبب ذاته، ومع كل فصل يغلق تزداد احتمالات تسرُّب الأطفال من المدارس، وانضمامهم إلى الجبهات، أو سوق العمل فى أحسن الأحوال.

مهددات العملية التعليمية
تواجه العملية التعليمية فى اليمن، أزمات مستمرة منذ اندلاع النزاع الداخلى فى البلاد، وكثير من الصعوبات والتحديات المتفرعة والمتفرقة، التى أصبحت ملازمة  لأمانى الحكومة اليمنية، جراء تداعيات الحرب الأهلية المستمرة فى البلاد، التى تنذر بكارثة مستقبلية تهدد مسار التعليم فى اليمن، ونرصد منها ما يأتى:

ندرة الكتب الدراسية، بسبب نقص التمويل، إضافة إلى تعليق منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف»، لفترة طويلة دعمها طباعة الكتب المدرسية بألف طن من الورق سنويًا، عقب اتهامها بدعم عملية تغيير المناهج التى قامت بها وزارة التربية والتعليم بصنعاء، حيث باتت المدارس توزع على الطلاب كتبًا متهالكة من السنوات السابقة، وقد يحصل كلُّ طالبين على كتاب واحد يتبادلونه بينهما.
ويعد من الأسباب التى أدت أيضًا إلى ندرة الكتب المدرسية، توقف أموال المانحين، والتى كانت تقدر بملايين الدولارات، التى تنفق على طباعة هذه الكتب حتى العام 2015، لكن  النزاع المسلح فى البلاد أدى فى النهاية إلى الاعتماد فى الطباعة على الموازنة الضئيلة، التى ترصدها الحكومة اليمنية، بنسب محددة لا تغطى كل مدارس المحافظات، التى استمرت فى التلاشى حتى تفاقمت الأوضاع فى العام 2020، حتى وقتنا الحالى، حتى أن بعض المدارس باتت تشترط على الطلبة تسليم كتبهم السابقة لاستلام شهادات النجاح .
أيضا تناقص الكادر التعليمى، جاء نتيجة لعدة أسباب، أبرزها: إيقاف عملية التوظيف الرسمى للمعلمين فى جميع المحافظات اليمنية، منذ العام 2011، وأيضًا بسبب تداعيات الحرب الدائرة فى البلاد منذ العام 2014، التى أدت بدورها إلى تسرب الكثير من المعلمين، وبحثهم عن أعمال أخرى بسبب عدم كفاية ما يتلقونه من رواتب، حيث اتجه معظمهم إلى الانخراط فى تشكيلات عسكرية وأمنية، فيما اتجه قاطنو المدن الساحلية إلى امتهان الصيد بالشواطئ لتأمين قوت يومهم.
وقد أضحى التمسك بمهنة التدريس بمثابة تضحية كبرى، فى ظل الظروف الاستثنائية التى باتت تعيشها البلاد، وفى الوقت التى جففت فيه منابع التوظيف مع استمرار قانون التقاعد، الذى شكل أحد المعضلات الخطيرة والتحديات التى تهدد استمرارية العملية التعليمية فى البلاد.
وتعد الإضرابات والوقفات الاحتجاجية، أحد أبرز المؤثرات التى عرقلت العملية التعليمية، ففى عدد من المحافظات اليمنية أبرزها أبين ولحج والضالع وعدن، باتت مظاهر الإضرابات والوقفات الاحتجاجات من جانب الكادر التعليمى لا تكاد تغيب عن المشهد فى كل عام دراسى، التى دائمًا ما تتمثل مطالبها  فى زيادة الرواتب، فى ظل تدهور العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع والخدمات.
مع استمرار الحرب الأهلية لم يشهد اليمن تطورات فى عملية تشييد دور العلم، بل لم تتمكن الحكومة من إقامة المبانى التى تحطمت جراء الحرب، فوفقًا للبيانات الدولية، فإن اليمن لم يشيد أى مدرسة جديدة منذ العام 2011، ولعل ذلك مرجعه إلى ما تخصصه الدولة من موازنة ضعيفة لقطاع التعليم، التى لا تغطى الاحتياجات اللازمة لتشييد المدارس، بما يتناسب مع طلبات الالتحاق بالتعليم المتزايدة  كل عام بشكل مستمر.
أيضا ضعف خدمات الإنترنت، والذى يمثل فى وقتنا الحالى أحد أهم مصادر التعليم، لكن معظم سكان اليمن يعانون بشكل مستمر من انقطاع هذه الخدمة وارتفاع أسعارها بشكل جنونى، وهو ما أزم الوضع فى المجال التعليمى بمراحله المختلفة، فبالنظر إلى حال التعليم فى أغلب الدول نجد أنه لم تعد هناك جامعة أو مدرسة، أو أى مؤسسة تعليمية إلا وباتت تعتمد على خدمات الإنترنت، إلى جانب الكتب المدرسية، لدوره المهم فى عملية التعلم واعتماد الطالب على نفسه.

مطالب يمنية
وبعد مناقشات ضمت العديد من خبراء التعليم فى اليمن، تلخصت مطالبهم، فى الآتى:
1ـ صرف منح للكادر التعليمى وفقًا لإجراءات استثنائية نظرًا لظروف الحرب، حتى لا يضطر إلى التوجه إلى المهن الأخرى لكسب رزقه، للحفاظ على استمرارية التعليم.
2ـ  تجميد العمل بقانون التقاعد (إلى أجل مسمى)، للمعلمين خصوصا فى المناطق ذات الفجوة الكبيرة فى الكادر التعليمى، حفاظا على استمرارية العملية التعليمية فى هذه المناطق.
3ـ التعاقد مع المؤهلين للتدريس، من حاملى شهادات الثانوية العامة، والدبلوم، إلى جانب الشهادات الجامعة،  لتغطية نقص الكادر التعليمى وفقًا للاحتياج كلما لزم الأمر.
4ـ تشجيع رجال الأعمال العاملين فى مجال التعليم الخاص على الاستثمار فى بناء المدارس الخاصة، مع تخفيض رسوم الالتحاق بتلك المدارس، وتوسع المنح المجانية لغير القادرين من الطلاب.
5ـ تشجيع خريجى طلبة الجامعات على التطوع بالتدريس لطلاب المراحل التعليمية الأولى، لسد العجز فى الكادر التعليمى.

تحركات أممية
ونظراً لتفاقم الأزمة وخطورتها، وعدم مقدرة الحكومة الشرعية أو جماعة الحوثى على حلها، تحركت المنظمات الدولية لإنهاء الأزمة، وعقدت فى أكتوبر الماضى بالقاهرة مؤتمرًا جامعًا تناول الأزمة، ووضع لها مقترحات بالحلول، وشارك فيه:منظمة الشراكة العالمية للتعليم والبنك الدولى، واليونسكو، ومنظمات اليونيسف، ورعاية الأطفال، والوكالة الأمريكية للتنمية، والوكالة الألمانية للتعاون الدولى، ومعهد اليونسكو الدولى للتخطيط التربوى فى باريس، والصندوق الاجتماعى للتنمية، وممثلين عن الائتلاف اليمنى للتعليم للجميع، إضافة إلى نائب وزير التربية فى الحكومة اليمنية على العباب.
واتفق الأطراف على إعداد خطة لتطوير التعليم فى اليمن خلال الفترة من (2024-2030)، وتنفيذ مسح تربوى شامل للفترة من (2024-2025)، كما التزمت اليونسكو بالمضى قدما فى إطلاق خطة 2025 فى اليمن ضمن المجموعة الخامسة، ودعم وزارة التربية والتعليم اليمنية فى عملية إعداد ميثاق الشراكة لدعم نظام التعليم فى اليمن.
وكانت المنظمات الدولية، قد أكدت فى وقت سابق أن تعليق دفع الرواتب وتعرض المدارس للهجوم باستمرار، اضطر كثيراً من المعلمين إلى إيجاد مصادر بديلة للدخل لإعالة أسرهم، حيث دعت المنظمات اليمن إلى استئناف دفع رواتب ما يقرب من نصف المعلمين اليمنيين، والموظفين فى المدارس، الذين يقدّر عددهم بأكثر من 16 ألف معلم لم يتقاضوا رواتبهم بشكل منتظم منذ العام 2016.
وحذرت المنظمات من أن انهيار العملية التعليمة فى اليمن، سيؤدى إلى تسرب ملايين الأطفال من التعليم، خصوصاً الفئات الأكثر تهميشاً، وكذلك الفتيات، وأضافت أن ترك الأطفال خارج العملية التعليمية يمكن أن يعرضهم إلى الاستغلال فى عمالة الأطفال، والتجنيد فى الجماعات المتطرفة، وزواج القاصرات، والاتجار بالبشر، وغيرها من أشكال الاستغلال والإساءة.
ويبدو أن خطة المجتمع الدولى ومنظماته، لن يكتب لها النجاح بشكل كامل، فإذا توقفت الحرب الأهلية فى البلاد، حيث لا تستطيع تلك المنظمات العمل تحت حراب النزاع الأهلى، خصوصا أن ما تقوم بتشييده الحكومة الشرعية والمنظمات الدولية من مدارس، يتم تدميره فى النزاع بشكل يومى، بحجة أن هذه المدارس يحتمى بها مسلحون.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: