حلقة غير مشروعة في منظومة التداول.. وخطر يهدد سلامة المنتجات وصحة المستهلك
موضوعات مقترحة
مصدر غير آمن لتوفير الألبان من «بير السلم».. وسبب رئيسي في تفشي الغش بالأسواق
«الزراعة» ترد : الوزارة تقدم الدعم الكامل لأصحاب المراكز وتنسق مع البنك الزراعي لتسهيل التمويل
مطالب بتأجيل سداد الأقساط .. واقتصار شراء الألبان على المراكز المعتمدة
الإجراءات البنكية تعجيزية.. ينقصها منح القروض بفائدة تناسب نوعية النشاط
أصحاب المراكز يطالبون الدولة بتشديد الرقابة وتغليظ العقوبة على المخالفين
حملات للقضاء على التداول العشوائي للألبان.. والنماذج الرائدة بالمشروع دليل نجاح
هنا في قرية «علم المرقب» التابعة لمركز أبو المطامير بالبحيرة، يعاني العديد من أصحاب مراكز الألبان أزمة حقيقية تواجه المشروع القومي الذي سبق وأن أطلقته الدولة منذ سنوات لتطوير وتأهيل مراكز تجميع الألبان، أحد أهم المشروعات الكبرى التي وجه بتنفيذها الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الفترة الأخيرة، لإحياء الصناعة في مصر، وتحقيق قيمة اقتصادية ومضافة من هذه الثروة الكبيرة، والأهم توفير كوب لبن نظيف للمستهلك في مصر.
الأزمة تطل برأسين، الرأس الأول مجموعة من الإجراءات البنكية التعجيزية، والرأس الأخطر انتشار ظاهرة «السريح» بمناطق مراكز تجميع الألبان النموذجية المنتشرة بعدد من محافظات الجمهورية، والمطورة بأحدث التقنيات والتجهيزات ومعدات التبريد الحديثة، والتي تستهدف رفع جودة وكفاءة منتجات الألبان. ولعل أزمة «السريح» التي يعاني منها القائمون على مراكز التجميع لم تكن تمثل خطرًا فقط على أصحاب تلك المراكز، وإن كان البعض يرى أن هذه الغضب هو نتاج طبيعي من المنافسة بين طرفين تجمعهما التجارة في منتج واحد، وإنما الخطورة الأكبر تقع أيضًا على المستهلك النهائي، باعتبار أن افتقاد هذا التاجر أو السريح لأدنى معايير تداول الألبان يمثل تهديدا حقيقيا على صحة المستهلك، ومستقبل صناعة وطنية كبيرة، والتي يمكنها أن تدر مليارات الجنيهات للاقتصاد الوطني.
لا شك أن مواجهة هذه الظاهرة والاستماع إلى مشكلات القائمين على المنظومة، يرسمان نقطة نظام لسوق كبير في مصر يوفر الآلاف من فرص العمل للشباب، ويدعم منظومة تصنيع مشتقات الألبان وتصديرها، والأهم تحقيق الهدف الأسمى والمطلوب من المشروع القومي وهو النهوض بهذه الثروة.
«الأهرام التعاوني» رصدت مطالب مجموعة من القائمين على هذا المشروع، فبادأنا عماد أبوحسين أحد المستفيدين بمشروع تطوير مراكز تجميع الألبان بقرية علم المرقب التابعة لمركز أبو المطامير بالبحيرة، مؤكدًا أن ظاهرة «السريح» أزمة كبرى تواجه أصحاب مراكز تطوير وتجميع الألبان، وتهدد مستقبل صناعة كبيرة بحجم صناعة الألبان، حيث إن «السريح» حلقة غير مشروعة في منظومة التداول ساهمت الفترة الأخيرة في تفشي ظاهرة الغش وعمليات الخلط، في وقت ارتفعت فيه أسعار الألبان بالسوق، وتجاوز فيه سعر الكيلو الواحد لأكثر من 20 جنيهًا بالسوق، وبالتالي فإن غياب جودة الألبان يرجع سببه لعدم الالتزام بالمعايير وضوابط التداول الآمن لمنتجات الألبان، وعدم الاعتماد على التقنيات الحديثة بالمراكز المطورة بل التداول بالطرق التقليدية التي جعلت المنتجات أكثر عرضة للتلوث، مضيفًا أن استمرار أزمة السريح يعرض أصحاب مراكز تجميع الألبان للسجن بسبب عدم القدرة على الوفاء بسداد أقساط البنك الزراعي الذي مولهم لشراء الأجهزة والمعدات المطلوبة.
وقال أبوحسين: «منذ الإعلان عن إطلاق المشروع القومي لتطوير وتأهيل مراكز تجميع الألبان تقدمنا إلى وزارة الزراعة لإنهاء إجراءات المشاركة في المبادرة، وقد التزمنا بكل الضوابط والمعايير التي حددتها وزارة الزراعة، وتقدمنا للبنك الزراعي للاقتراض بهدف تجهيز مقر مركز التجميع، إضافة إلى شراء المعدات وأجهزة التبريد والتعقيم من وزارة الإنتاج الحربي، والتزمنا بسداد المبالغ مبالغ الأقساط المطلوبة على مدى ما يقرب من عام ونصف العام منذ إطلاق المبادرة، إلا أن العديد ممن التزموا بهذه الأقساط أصبحوا غير قادرين على السداد خلال هذه الفترة، خاصة مع غياب وزارة الزراعة عن مراقبة المنظومة، وتنفيذ الضوابط والمعايير التي أقرتها خلال الفترة الأخيرة، مضيفا أن تكلفة المبنى وتجهيزه تجاوزت أكثر من 4 ملايين جنيه تشمل ثمن الأرض والمعدات والقروض، وهو بالطبع مبلغ كبير لمشروع نموذجي يستحق كل الاهتمام والمتابعة من الجهات المعنية.
وأشار إلى أن ظاهرة «السريح» أصبحت أزمة تعرقل نجاح هذا المشروع العملاق، رغم وعود وزارة الزراعة بمتابعة ومراقبة عمل المشروع، والاستماع إلى مشكلات القائمين على هذه المراكز لتلاشي أي أزمة والعمل بسرعة على حلها، بالتنسيق مع مديريات الطب البيطري والمسئول عن المشروع لمتابعة المنظومة، وتشديد الرقابة على السريح خاصة وأن الكثير منهم يبيعون الألبان بأسعار أقل بكثير عن مراكز التجميع ويلاقوا رواجًا كبيرًا في بيع منتجاتهم للشركات والمصانع، والتي تعتمد اعتماد كليا على السريح في جمع الكميات المطلوبة، ناهيك عن أن السريح يعمل بدون ضوابط وبدون تكلفة سواء في عمليات الجمع أو التوزيع أو التداول، وبالتالي كانت أسعارها أقل بكثير من مراكز التجميع.
«شهادة معتمدة»
على صعيد متصل، أكد جابر فتح الله، أحد القائمين على مراكز تجميع الألبان بمحافظة بالدقهلية أن وزارة الزراعة سبق وأكدت في بداية إطلاق مشروع تطوير مراكز الألبان عن التزامها بمنظومة تسويق الألبان من المراكز للشركات والمصانع، بموجب شهادة معتمدة يتم توجيهها للجهة المراد التسويق، ويتضمن معايير وضوابط تداول الألبان، ودرجة النقاء والجودة ومصدر إنتاجها، للحفاظ على جودة المنتج وتوفير كوب لبن «نظيف» للمستهلك، إلا أن الوزارة لم تنفذ هذه الالتزامات على الأرض، وتركت المربين وأصحاب مراكز تجميع الألبان فريسة للفوضى والعشوائية في منظومة تداول وتجميع الألبان، في وقت أنفق القائمون على هذه المركز مبالغ طائلة لتجهيز هذه الأماكن بأحدث التقنيات ومعامل التعقيم والتحليل، مطالبًا بضرورة تكثيف حملات التفتيش على مصانع إنتاج مشتقات الألبان والعصائر والجبن، ومراجعة جودة المنتجات بها وإلزامها بشراء المنتجات من مراكز التجميع النموذجية التي أنفقت الدولة عليها ملايين الجنيهات، وتعمل وفق منظومة صحية حديثة تحمى الألبان من التلوث، وتوفر منتج صحي وآمن للمستهلك.
وقال فتح الله: «وزارة الزراعة لم توفر للمربين والقائمين على مراكز تجميع الألبان سوى طبيب بيطري يتابع عمل المنظومة، ويراقب جودة مراكز تجميع الألبان بالقرى والمحافظات، في حين أن حملات المراقبة والتفتيش التي تشنها وزارات الصحة والتموين والزراعة والداخلية غائبة تمامًا عن المشهد، إضافة إلى ضعف التشريعات التي تنظم تداول الألبان في الأسواق، وهو ما ساهم في انتشار ظاهرة غش وخلط الألبان بمواد كيماوية شديدة الخطورة على صحة الإنسان، وتراجع جودة الألبان المصرية في الأسواق المحلية، مطالبًا بضرورة تفعيل مركز الزراعة التعاقدية في دعم منظومة تسويق الألبان إلى الشركات والكيانات التي تعمل في تصنيع مشتقات الألبان مع خلف حوافز جديدة للقائمين عليها تلزمهم بشراء المنتجات من أصحاب المراكز المطورة، باعتبار أن الألبان في مصر صناعة ضخمة وتحتاج لمزيد من إجراءات الحماية والتنظيم.
«شروط تعجيزية»
أما محمد ثابت صاحب مركز تجميع ألبان بقرية «كفر سالم» البحيرة، فأفاد بأنه توجه ومجموعة منى أصحاب مراكز تجميع الألبان إلى مقر وزارة الزراعة أكثر من مرة لعرض مجموعة من التحديات والمطالب، كان على رأسها إصرار البنك الزراعي على فرض شروط تعجيزية أمام القائمين على هذه المراكز لاستكمال باقي الدفعات المتفق عليها، خاصة وأن البنك كان قد وعد بمنح المستفيد الدفعة الأولى من قسط التشغيل دون فرض أي غرامات تأخير، إلا أنه لم يلتزم بهذه الشروط، كما أنه يصر على وجود ضامنين للتوقيع على شيكات بمبالغ ضخمة، قائلًا: «البنك الزراعي منذ إصداره الموافقة على إقراض المستفيد بالمشروع القومي راجع كل إجراءات المعاينة ومراحل تجهيز المقر، وأشرف على توفير كل المستلزمات من الأجهزة والمعدات بالمراكز، لكن فوجئنا بعد ذلك بمطالب جديدة للموافقة على استكمال باقي الدفعات المستحقة.
وأضاف: «وزارة الزراعة بالتنسيق مع البنك الزراعي ووزارة الإنتاج الحربي نجحت في توفير كل المستلزمات المطلوبة والتي بالطبع يتحمل تكاليفها المستفيد أو القائم على مركز التجميع، ثم وفرت في بداية إطلاق المشروع كل التوصيات الفنية ولجان المتابعة والمراقبة في جميع المراكز التي تم تطويرها، لكن بعدها لاحظ المستفيدين ضعف هذه المتابعة، ليس فقط على مستوى العمل داخل مراكز التجميع إنما أيضًا على السوق بشكل عام وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الألبان وانعدام الجودة بها، في وقت أبدى كل المستفيدين استعدادهم في تنفيذ هذا المشروع بكل الضوابط والشروط التي حددتها الوزارة لإصدار ترخيص مركز التجميع، على رأسها توجه المستفيد لمديرية الزراعة أو الإدارة الزراعية التابع لها موقع مركز تجميع الألبان لتقديم طلب تشغيل؛ تمهيدًا لمعاينة المقر المحدد لمزاولة النشاط على أرض الواقع.
وأضاف للشروط التزام وزارة الزراعة بمتابعة أعمال الرسم الكروكي لمركز التجميع تمهيدًا لإصدار الموافقة الأولية المقدمة من صاحب الطلب، وتشكيل لجنة مختصة تكون مسئولة عن مراجعة كل أعمال المعاينة والرسم التنفيذي، والموافقة على منظومة الأمان الحيوي بمركز التجميع، إضافة إلى الموافقة على التقدم لدفع المصروفات بعد استيفاء كل إجراءات المعاينة وفقًا لتقرير من المديرية أو القطاع التابع له، والتوجيه بإصدار أصل الترخيص ومنحه لصاحب الطلب في مدة لا تتعدى 15 يومًا من تاريخ تقديم الطلب بتوافر كل الشروط، إضافة إلى توافر بيئة العمل النظيفة والمناسبة داخل المقر.
وأوضح ثابت، أن أسعار المعدات والأجهزة التي تم توفيرها مبالغ فيها، فعلي سبيل المثال سعر المولد الكهربائي بلغ حوالي 550 ألف جنيه منذ سنة ونصف وقت أن كان سعر الدولار لا يتعدى الـ17 جنيهًا، في حين أن سعر هذا المولد بالسوق وفي وقت سعر الدولار وصل لحوالي 30 جنيهًا لم يتعدى الـ 300 ألف جنيه، ورغم ذلك التزم المستفيدين بالمشروع بسداد الأقساط المطلوبة، واشتراطات التراخيص التي أقرتها الجهات المعنية، إلا أن العديد منهم أصبح يواجه مشكلات عديدة ويطالبون بالدعم والمساندة للقدرة على تجاوز هذه المشكلات، وإنجاح المشروع القومي الكبير الذي أعاد إحياء ثروة كبيرة من الألبان في مصر، قائلًا: توجهنا أكثر من مرة إلى وزارة الزراعة لعرض مطالبنا، وقد التقينا أكثر من مرة بنائب وزير الزراعة لشئون الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية المهندس مصطفى الصياد، والدكتور طارق سليمان رئيس قطاع الثروة الحيوانية بوزارة الزراعة، وقد أخذنا وعودا كثيرة لدراسة هذه المطالب، وتوفير كل سبل الدعم للقائمين على مراكز تجميع الألبان، لكن الأزمة ما زالت قائمة.
«تأجيل الأقساط»
وأوضح قائلًا: «مطالبنا تتضمن أيضًا مخاطبة البنك الزراعي للسماح لنا بتأجيل سداد الأقساط المستحقة، ومنح القائمين على مراكز التجميع مهلة إضافية يستطيعون من خلالها إعادة ترتيب الأوضاع بالمنظومة، والقضاء على التحديات التي تواجه هذا المشروع، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهها العالم والتي أثرت بالطبع على حركة التداول وبيع السلع بكل أنواعها داخل الأسواق، إضافة إلى ضرورة معاملة أصحاب مراكز تجميع الألبان معاملة أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، والتي تقدم لهم الدولة كل التسهيلات المطلوبة لاستكمال أعمالهم ومشروعات، ومنحهم القروض البنكية المدعمة بفائدة تناسب نوعية النشاط، والأهم تبني إستراتيجية مهمة لمواجهة ظاهرة «السريح»، وإلزام الشركات والمصانع والمنافذ المعنية باستلام كميات الألبان المطلوبة من مراكز التجميع، وذلك بموجب شهادات معتمدة من هذه المراكز، لضمان توفير منتج صحي آمن للمستهلك في مصر والنهوض بثروة مصر من الألبان.
وزارة الزراعة المعنية بالرد والاستجابة لهذه المشكلات التي طرحها القائمين على مراكز تجميع الألبان، أوضحها الدكتور طارق سليمان رئيس قطاع الثروة الحيوانية بوزارة الزراعة، حيث أكد أن المشكلات التي طرحها المستفيدين بمشروع تطوير مراكز تجميع الألبان تمثل فئة قليلة منها، وقد سبق وأن حضروا لوزارة الزراعة وعرضوا مشكلاتهم أكثر من مرة، لكن بعد البحث والدراسة اكتشفنا أن الأزمة تتلخص في إجراءات بنكية وتعاملات مالية ليست من اختصاصات وزارة الزراعة، ورغم ذلك سبق وأن خاطب السيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضي البنك لتسهيل هذه الإجراءات، وتذليل العقبات أمام المستفيدين بهذا المشروع القومي العملاق، والحقيقة البنك المركزي يوجه دائمًا بمساندة أصحاب المشروعات وعلى رأسهم مراكز تجميع الألبان، ودعم المبادرة الرئاسية التي ساهمت في دعم صناعة الألبان وتوفير المنتجات في الأسواق بأعلى المواصفات، مؤكدًا أن العديد من مراكز تجميع الألبان على مستوى الجمهورية حققت نجاحات كبيرة خلال الفترة الأخيرة.
وعن أزمة انتشار ظاهرة «السريح»، أشار الدكتور سليمان، أن وزارة الزراعة بالتنسيق مع وزارة الداخلية وهيئة سلامة الغذاء والطب البيطري تشن باستمرار حملات التفتيش على منظومة تداول الألبان بالمناطق والقرى على مستوى الجمهورية، وقد سبق أن حررت العديد من المحاضر ضد المخالفين، وأعدمت كميات كبيرة من الألبان غير الفاسدة، كما أنها حصلت منهم على إقرارات بعدم التداول العشوائي، كما أن مباحثات الوزارة مع البنك الزراعي نجحت في تحويل المبالغ المستحقة على المستفيدين من جارية مدينة لأقساط على فترات، لتقليل حدة الأزمة الاقتصادية على المستفيد، مضيفًا أن وزارة الزراعة تشكل لجانا دائمة بالتنسيق مع المشرف العام على تنفيذ المشروع الرئاسى لتطوير مراكز تجميع الألبان لمتابعة عمل هذه المراكز، وتوفير كل سبل الدعم للقائمين عليها، وإنجاز المشروع القومي لتجميع الألبان.