بدون أعلاف أو ضياع للوقت.. ثورة استزراع اللحوم معمليًا تشتعل.. ما رأي الدين والطب في تناولها؟

29-1-2023 | 13:14
بدون أعلاف أو ضياع للوقت ثورة استزراع اللحوم معمليًا تشتعل ما رأي الدين والطب في تناولها؟استزراع اللحوم في المعامل
إيمان البدري

جدل كبير وسوء فهم دار خلال الساعات الماضية حول حقيقة زراعة اللحوم خاصة في الوقت الذي تشهد فيه الأسواق ارتفاعًا مسبوقًا في أسعارها، فما هي قصة استزراع اللحوم.. القضية التي شغلت الجميع متسائلين عن كيفية زراعة اللحوم في المنازل؟!

موضوعات مقترحة

 بداية نوضح أن الأمر لا يسمى زراعة اللحوم بل يسمى استزراع اللحوم وهي عملية تتم في المعامل العلمية وليس المزارع أو المنازل.

 وبحسب الخبراء يعتبر إنتاج اللحوم المستنبتة أو المزروعة عملية تتم من لحوم حيوانية أصلية يتم إنتاجها عن طريق زراعة الخلايا الجذعية العضلية الحيوانية مباشرةً، وطريقة إنتاج هذه اللحوم تلغي الحاجة إلى تربية الحيوانات من أجل الغذاء، وتُصنع اللحوم المزروعة من نفس أنواع الخلايا مرتبة في بنية متشابهة مثل الأنسجة الحيوانية.

وقد بدأ العالم يفكر في موضوع استزراع اللحوم المستنبتة بداية من 1931 حتى 1934، حيث قال وينستون تشرشيل رئيس الوزراء البريطاني السابق في عام 1931 "أنه من العبث أن نقيم مزرعة من الدجاج لكي نحصل على قطعة من لحم الصدور أو الأوراك، ولكن سيأتي وقت ونزرع هذه القطعة في المعامل، وقد تم بناء نظريات كثيرة على هذه المقولة، وبالفعل بعد مرور الخمسين عامًا على المقولة، بدأ العالم الهولندي "ويليام فان إلين" يفكر في طريقة بديلة للحصول علي اللحوم بالاستغناء عن الطرق التقليدية في تربية وتغذية الحيوان وسجل العديد من براءات الاختراع في ذلك الأمر.

وفي عام 2013 ظهر أول برجر لحم مزروع على التلفزيون المباشر، وبعد ذلك بعامين تم تأسيس أول أربع شركات لحوم مزروعة، وزادت إلى أكثر من 60 شركة في 6 قارات، مدعومة باستثمارات تزيد على 450 مليون دولار، ويهدف كل منها إلى إنتاج منتجات اللحوم المزروعة، وتم تشكيل عشرات الشركات الأخرى لإنشاء حلول تقنية، هذا ما أشار إليه الخبراء في الحديث مع " بوابة الأهرام".

استزراع اللحوم المستنبتة باستخدام التقنيات الحديثة في المعامل لخدمة 9 مليارات من سكان الأرض

يقول الدكتور أحمد جلال عميد كلية الزراعة جامعة عين شمس، إن الحديث حول استزراع اللحوم بدأ منذ ما يقرب من 91 عاما، وتم الحديث عنه في مصر في عام 2019، وهنا يأتي دور الجامعات المصرية في أن توضح للمجتمع كل ما هو جديد في العلم.


الدكتور احمد جلال

وقد بدأ العالم يفكر في استخدام التقنيات الحديثة في الغذاء، نظرا لأن تعداد سكان العالم الآن حوالي 7.1 مليار نسمة ويوجد من بينهم حوالي 1.2 مليار يعانون من سوء التغذية وسيرتفع العد إلى 2.3 مليار، ومنهم 800 مليون يعانون من الجوع وسيرتفع عددهم إلى 1.2 مليار، وذلك وفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة، وبالتالي في 2050 من المتوقع أن تعداد سكان العالم يصل إلى حوالي 9 مليارات نسمة، رغم ثبات نفس مساحة الأرض ونفس كميات المياه ونفس كميات الإنتاج.

ويشير إلى أنه، مع هذه الزيادات الكبيرة في سكان الأرض سيواجه العالم كارثة كبيرة في الجوع وسوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي مما سيؤثر على استقرار العالم،  ومن هنا كان يجب وجود تفكير خارج الصندوق، لتغطية احتياجات هذا الكم الهائل من البشر، من خلال استخدام التقنيات الحديثة والتي منها استزراع اللحوم، خاصة في ظل تغير المناخ الذي سيحدث على مستوى العالم مما يؤثر بصورة أكبر على انعدام الأمن الغذائي.

وتعتبر الزراعة هي المسئولة عن انعدام الأمن الغذائي، حيث إن الزراعة على مستوى العالم تتسبب في 23% من غازات الاحتباس الحراري وتستهلك أكثر من 80% من المياه العذبة على سطح الكورة الأرضية.

"لذلك جاء التفكير في الاستزراع من خلال استزراع الخلايا والأنسجة في مجال الزراعة والنباتات، والآن يتم الاتجاه في مجال الاستزراع في الحيوانات، لأنه لكي نحصل على قطع من اللحوم الحمراء أو البيضاء أو لحوم أسماك معتاد أننا ننشئ مزارع ونربي بها القطعان لكي تحصل على رعاية وبتكلفة كبيرة، ولذلك العالم بدأ يفكر في حلول أخرى من خلال ما يسمى بالخلايا الجذعية.

طريقة استزراع اللحوم في المعامل

ويضيف الدكتور أحمد جلال، أنه يتم الحصول على الخلايا الجذعية من الخلايا الجنينية، ثم تتم عملية استنبات أو تكوين قطعة من اللحم من خلال المرور بأربع مراحل بداية من أخذ هذه الخلايا ووضعها في بنك الخلايا، ثم يتم أخذ جزء من الخلايا الجذعية التي بدأت تتكون ونصنع لها عملية إنماء وتنميتها في بيئة معينة في ظروف معقمة معينة، وتبدأ في النمو فتتحول ملايين من هذه الخلايا إلى تريليونات الخلايا وعندما تتضاعف وتنمو هذه الخلايا إما بتحول مرة أخرى إلى خلايا جذعية أو تتحول لشيء يسمى الخلايا الوليدة".

وتعتبرهذه الخلايا الوليدة المكون لجميع الأنسجة والأعضاء والعضلات ومن خلال معاملات معينة تؤخذ هذه الخلايا الوليدة، وتجرى لها عملية دقيقة تحت ظروف معينة في الإنماء ومن ثم تبدأ في تكوين هذه الخلايا وتكون أنسجة وتتلاحم هذه الأنسجة مع بعضها وتكون قطعة من اللحم .

تباع في المطاعم تحت مسمى اللحوم المستزرعة بالخلايا

ويستطرد عميد زراعة عين شمس، أن هيئة سلامة الغذاء والدواء الأمريكية أعلنت عن إعطاء تصريح لشركة ناشئة لإنتاج استزراع اللحوم، كما توجد شركة في سنغافورة تعمل في موضوع إنتاج اللحوم مستزرعة معمليا وتباع المنتجات في الأسواق والمطاعم للجميع، أيضا توجد نفس التجربة في الولايات المتحدة الأمريكية، ويتحدث الإعلام عن هذا الإنجاز في توفير الغذاء خاصة في ظل الكوارث التي تواجه العالم، وإبراز ما يقدمه العلم في مواجهة الكوارث والأزمات كما يوجد كثير من الشركات في دول أخرى بدأت العمل في استزراع اللحوم مخبريا بأنواعها وتسمى اللحوم المستزرعة بالخلايا.

ما هي متطلبات استزراع اللحوم في مصر

ويشير الدكتور أحمد جلال عميد زراعة عين شمس، إلى أن تنفيذ  استزراع اللحوم في مصر يتطلب وجود ثلاثة أشياء أولها الشق التقني والفني من خلال توفير أجهزة فنية وتوفير معامل على أعلى مستوى، كما يتطلب الحصول على موافقة من السلطات التنفيذية والتشريعية للدول، أما الشق التشريعي يكون مسؤولا عنه الوزارات والهيئات داخل الدول، ثم الشق الديني المتمثل في موافقة الأزهر الشريف الذي يجب أن يعرض عليه كل هذه الأمور للحصول على الموافقة.

وأضاف: إذا تم تنفيذ استزراع اللحوم فهي عملية تحتاج إلى إمكانات كبيرة في البداية ولكن مع الاستمرار ستنخفض التكلفة، مما يتيح استخدام اللحوم المستزرعة ويتم تداولها بين الجميع، وهذا دور العلم في توفيرها بهدف خدمة البشرية.

ويضيف، أن اللحوم المستزرعة لن تكون بطعم اللحوم العادية، وكذلك ستختلف الخصائص الحسية، ولكن توجد الآن محاولات معملية لإعطاء اللحوم المستزرعة نفس الخصائص ونفس الطعم، وذلك بناء على تجارب تمت على أفراد نباتين وأفراد أخرى من أكلي اللحوم.

بعد ارتفاع أسعار غذاء الحيوانات يتجه العلم لزراعة الخلايا الجذعية البديلة

 يقول الدكتور سيد بكري عبد اللطيف عميد كلية العلوم بنين جامعة الأزهر، واستشاري بحوث الخلايا الجذعية والميتوكوندريا جامعة الأزهر، إن معظم المنتجات التي يتزايد الطلب عليها هي من أصل حيواني، وقد قدرت منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" أنه من المتوقع أن يصل الطلب العالمي على اللحوم إلى 455 مليون طن بحلول عام 2050، وهذا الاتجاه ينطبق أيضًا على تربية الأسماك، وقد زادت تربية الأحياء المائية من 4.7 إلى 66.6 مليون طن في 32 عامًا فقط ، وعالمياً من المتوقع أن يصل الطلب إلى 140 مليونا بحلول عام 2054.


الدكتور سيد بكري

"كل هذا يعتمد بشكل قوي جداً على إنتاج الأعلاف الحيوانية والتي تأتي من مصدر نباتي بنسبة كبيرة جداً لكن مع الآثار المترتبة على تغيُّر المناخ سوف يحدث تأثير كبير على تربية الحيوانات وعلى إنتاج الأغذية الحيوانية المصدر، مما يجعل من الضروري وجود الاتجاه لوجود البدائل من خلال زراعة الخلايا وبيولوجيا الخلايا الجذعية وهندسة الأنسجة والتخمر والهندسة الكيميائية والمعالجات الحيوية وتوجيهها إلى مجال اللحوم المزروعة.

اللحوم المستزرعة تتم من أنواع جيدة من الحيوانات

ويضيف عميد كلية العلوم بنين جامعة الأزهر، إنه نتيجة  تلبية الطلب المتزايد على البروتين الحيواني، فكر العلماء لإيجاد بديل جيد للحوم من خلال اختيار اللحوم المستنبتة المستزرعة في المعامل، وهي تعتبر جزءًا من الزراعة الخلوية ولا تتضمن أي حيوانات لإنتاج اللحوم، حيث إن الحيوانات تكون مصدراً للحصول على الخلايا الأولية فقط.

وعليه فإن الفائدة الأكبر من تناول اللحم المصنع معمليا، تكمن في معالجة الحاجة العالمية والتحديات العالمية للأمن الغذائي والتصدي للتغير المناخي.

إنتاج لحوم دون حيوان

وينوه الدكتور سيد بكري، إلى تبسيط عملية إنتاج اللحوم المستزرعة بالخلايا باستخدام تقنيات هندسة الأنسجة، أنها تتم دون ذبح الحيوان، ثم يتم الحصول على خلايا أولية من أنسجة الحيوان أو من المزارع النسيجية للخلايا الجذعية الجنينية أو الخلايا الجذعية المحفزة متعددة القدرات، المستخلصة من الحيوان وهو حي أو تشريحه بعد الوفاة.

 "وبعد فترة زمنية معينة من زرع الخلايا وإكثارها يتم تجهيز الشكل النهائي الذي سوف يظهر به اللحم على شكل مكعبات أو شرائح، باستخدام ما يعرف بالاسكافوللد أو السقالات ويتم زرع الخلايا عليها، وتوضع بعدها في المفاعل الحيوي الذي يهيئ لها وسط غذائي ومناخ وبيئة مناسبة لاكتمال النمو وحتى الإنتاج، ويمكن أن تتكاثر أنسجة العضلات هذه لتشكل أكثر من تريليون خصلة.

علاقة اللحوم المستزرعة بالتنمية المستدامة

ويضيف، أن إنتاج اللحوم المستنبتة معملياً يساعد في الحصول على لحم ذي قيمة غذائية أعلى، ويقلل خطر الإصابة بالأمراض التى تنقلها الأغذية التقليدية، كما أن عملية إنتاج اللحوم المستزرعة في المعامل تعتبر سريعة بالمقارنة بالطرق التقليدية وتقدم حلولاً واعدة للتنمية المستدامة في مجابهة التغيرات المناخية.

غذاء اللحوم المستزرعة في المعامل مكلف ويثير قضية دينية 

 ويؤكد الدكتور سيد بكري، إن من ضمن المغذيات التي تتغذي عليها الخلايا الجذعية والتي تستنبت فيها تغذى على "مصل دماء العجول الميتة" وهذا يخالف التقاليد الدينية، التي لا تسمح بابتلاع الدم أو مشتقاته وهنا تعتبر (ميتة ودم)، كذلك فإن استخدام هذا المصل مكلف ويزيد تكلفة إنتاج اللحوم المستنبتة.

مضيفا: "كما أن استزراع الحوم تتم فيه تعطل شعيرة من الشعائر الدينية في الإسلام وهي الأضحية والذبائح، التي دائماً هي طقس من طقوس الاحتفال في المناسبات طوال العام، وبذلك لا يزال قبول اللحوم المستنبتة من قِبل بعض المؤسسات الدينية موضع تساؤل".  

اللحوم المستزرعة ليست طبيعية ولها تأثير على التغيرات المناخية

 ويشير، أنه وفق إطار بحثي أظهرت دراسة حديثة أن 35٪ من مستهلكي اللحوم و55٪ من النباتيين شعروا بالاشمئزاز من اللحوم المستنبتة، حيث يُنظر إليها على أنها ليست طبيعية.

"وكذلك ورد في بعض البحوث المتعلقة باستدامة وأمن تقنيات زراعة اللحوم ، أن الآلات المستخدمة في استنبات اللحوم تُنتج غازات احتباس حراري شأنها شأن تربية الماشية والخنازير والدجاج ، بل إنه في عام 2019 توقع باحثون من جامعة أكسفورد أن يكون إنتاج اللحوم في المفاعلات الحيوية ، باستخدام مصادر الطاقة غير المتجددة ، له تأثير على المناخ أكبر، على المدى الطويل من إنتاج اللحوم طبيعيًا .

هل اللحوم المستزرعة أمنه على صحة الإنسان

ويختتم الدكتور سيد بكري عميد كلية العلوم بنين جامعة الأزهر، أنه وفق دراسة تحليلية أجراها معهد "غود فود انستتيوت" وهو مؤسسة دولية غير ربحية تروج للبروتينات البديلة، ذكرت أنه "لا يظهر أن ثورة اللحوم المستنبتة وشيكة، لكنها ستظل منتجات نخبوية أو مجرد ترف، حيث إن توفير 10٪ فقط منها في سوق اللحوم فإنه يتطلب بناء آلاف المصانع وتشغيل مئات المفاعلات الحيوية على وتيرة واحدة، الأمر الذي سوف يكون له تأثير مناخي كبيرعلى المدى الطويل، أي أنه أنه سيكون من الصعب خفض التكاليف وجعل اللحوم المستنبتة بديلاً تجاريًا.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: