لاحظنا خطأ انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الفضائيات "ويفعله" كثيرون في الواقع؛ يتلخص بأن من يتصرف بتلقائية زائدة لا يحتاج لتفسير ما يقوله وما يفعله؛ فمن يريد رؤيته مخطئًا فسيراه كذلك حتى لو لم يخطئ، ومن يريد رؤيته جيدًا فسيراه كذلك حتى لو أخطأ؛ وهذا كلام يتنافى مع المنطق والعقل ويخاصمه الواقع أيضًا.
فمن النضج أن نجيد التصرف وألا نستهين بالآخرين، ثم "نتوقع" أن يجيدون التعامل معنا، والسؤال الأهم هل "سنتقبل" من الآخرين ما يضايقنا بدعوى اختيارهم التلقائية أم "سنرفضها" ونطالبهم بالمعاملة الأفضل؟ والإجابة معروفة بالطبع فسنرفض ما يزعجنا؛ فكيف "نتوقع" ونطالب غيرنا بما لا نحبه؟!
الأذكى أن يحسن كل منا تقديم نفسه للآخرين بدلا من فعل ما "يتناقض" مع جوهره، ثم بذل "الجهد" لتصحيحه أو الانفجار في وجوه الناس؛ لأنهم لم يتقبلوا ما فعله، أو تحمل "مشاكل" لا داعي لها، وكأن الحياة ليس بها ما يكفي من المشاكل "لنزيدها" لأنفسنا ولمن حولنا بأيدينا!!
يتجاهل الكثيرون الفرق بين التلقائية والاندفاع ويخلطان بينهما كثيرًا؛ ومعظم من يدافعون عن أخطائهم ويصفونها بالتلقائية يتصفون بالاندفاع؛ وهو التسرع وعدم التمهل لمنح النفس بالتفكير "ولو" لثوانٍ قبل الكلام أو التصرف؛ وغالبًا ما يتسمون بالعصبية أو بتفسير أي شيء لا يحبونه بالتعدي على الكرامة ويندمون لاحقًا أو يتشبثون بالعناد ويضاعفون خسائرهم.
التلقائية تعني البساطة والابتعاد تمامًا عن التصنع في نبرة الصوت أو الكلام أو التصرفات، أما الاندفاع فيجعل من "يقرر" اختياره يقول كل ما يفكر به؛ وهو خطأ في حق نفسه وليس ميزة بأي حال من الأحوال؛ والمندفع دائمًا يهزم نفسه.
التلقائية "الزائدة" كالاندفاع استجابة بلا تفكير وبلا إرادة وبعيدًا عن سيطرة الإنسان؛ قد يكون بالكلام أو بطريقة الجلوس، وعيبه الكبير عندما يكون رد فعل على كلام أو تصرف لا يعجبه مما يعرضه للاستغلال؛ فأحيانًا يتعمد البعض استفزاز التلقائي لعلمهم أنه لا يفكر قبل رد الفعل، ويتم إيقاعه في المشاكل بسبب ذلك، والمؤسف أن غالبية من يتصرفون بتلقائية "زائدة" لا يفكرون في مراجعة أنفسهم، ويلقون باللوم "كله" على الآخرين وبعضهم يفتخر بالقول: "سأعيش مرة واحدة وسأقول وأفعل كل شيء بتلقائية ولا يهمني أحد؛ أما عن المشاكل التي قد تحدث فسأتصدى لها، ولن أغير تلقائيتي ولن أصبح منافقًا أو متكلفًا!!".
النفاق هو إظهار عكس ما نعتقد للحصول على مكاسب؛ وهو مرفوض دينيًا واجتماعيًا، ولا علاقة له بالتلقائية الزائدة.. ولا علاقة بين "التحكم" في التلقائية والتكلف، وبالطبع لا تقترب بأي حال من ضعف الشخصية..
المؤكد أن من قوة الشخصية "السيطرة" ما استطعنا على كلامنا وتصرفاتنا وإبداء مشاعرنا؛ خاصة في العمل ومع الغرباء، ومع من لا يستحقون ثقتنا؛ ولمن يرفض ذلك نهديهم بكل الود والاحترام قول حكيم: "قال: لدي عقل يخرجني من المشاكل، فرد عليه حكيم آخر: لدي عقل يدفعني بعيدًا عن المشاكل".
التكلف؛ هو التصنع والظهور بما يخالف حقيقة الإنسان ونعتبره نوعًا من الكذب والخداع لإيهام الناس بعكس حقيقة الشخص، وقد يظهر من خلال الكلام أو المظهر وأسلوب الكلام وإظهار المشاعر..
من يتصنع "سينكشف" ولو بعد حين؛ ويحمل نفسه أعباءً نفسية بلا مبرر، ويظهر أيضا للناس أنه غير راض عن نفسه وعن شخصيته الحقيقية، ويراها غير جديرة باهتمام الآخرين لذا يحاول وضع نفسه في إطار أفضل من حقيقته، ولو أنصف نفسه وسعى بتدرج وبمثابرة وبلطف مع النفس لتحسين ما لا يحب في نفسه، واقتنع ألا أحد منا كامل، وعزز ثقته بنفسه لأصبح أفضل بلا تصنع..
يقول البعض أنا "حر" أقول وأفعل ما أريده، ولن يقوم أحد "بالحجر" علي!! لأفكر في انطباعاته عني!! والحرية "الذكية" تعمل لصالحنا وليس ضدنا؛ فعندما نطرد التلقائية الزائدة؛ فهذا لصالحنا وليس للآخرين؛ فلا نضع أنفسنا في إطار لا يناسبنا لا يتناسب مع جوهرنا وحقيقية شخصياتنا، ثم نحاول إثبات العكس والدفاع عن النفس، وكأننا "نصطاد" المطبات في الطرق ونتجاهل تفاديها، ولا نستخدم المكابح "الفرامل" أثناء قيادة السيارات..
من الذكاء الانتباه في التعاملات مع الناس؛ فتوجد دائمًا أتربة ومطبات يجب تجنبها؛ وهذا ليس ضعفًا أو خوفًا من الناس بل حماية لأنفسنا، وادخار طاقاتنا للأهم، وكما ننظر في المرآة قبل مغادرة المنزل للتأكد أن كل شيء على ما يرام فلنفكر قبل الكلام؛ فهو أهم من المظهر، ونتجنب الضحك بصوت عالٍ، والمزاح الزائد أو الجلوس باسترخاء زائد في الأماكن العامة، أو في العمل، وخارج منازلنا، ولنتذكر كل ما زاد على الحد تحول للضد.
كلما تمتعنا بالنضج حرصنا على الثبات الانفعالي – ما استطعنا - وترتيب أولويات، ومنها تقدير النفس جيدًا، ولا نسمح لمشاعرنا بالتقليل منا وتقدمنا بصورة سيئة، وكلما حرصنا على وضع مسافات مع الناس على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الواقع سنحظى باحترام وتقدير أكبر، والعكس صحيح، "ولندخر" تلقائيتنا مع المقربين منا فقط.