هل أكون مخطئًا إذا قلت إن التعامل بين الإخوة له طبيعة خاصة، ومذاق خاص، رأيي أن الأخ ليس له شبيه أو مثيل، الزوج والزوجة والأبناء يمكن تعويضهم، أما الأخ فلا يعوض.
إذا كنت تحرص على التعامل مع زملائك بمرونة ولباقة، حبًا وودًا، أو ربما للمحافظة على علاقات جيدة معهم، فما بالك بالأخ والأخت؟ أليسوا أحق بهذا الحب والود والحرص على تلك العلاقة الجيدة، بالطبع هناك من الأخوات والأبناء والأزواج من هم عدو يجب أن نحذره، هو تحذير إلهي، وأمر لا مفر منه، ظاهرة موجودة في كل زمان ومكان منذ خلق الله الإنسان، رغم ذلك تبقى خصوصية العلاقة بين الإخوة ذات قدسية لا ينكرها إلا جاحد.
شاء الله أن أكون وإخوتي من هذا الصنف الذي يراعي الله في إخوته، أدركنا ذلك وفهمناه ووضعناه أمام أعيننا، لذلك كنا دومًا نحمد الله ونترحم على أبينا وأمنا وندعو لهما قدر استطاعتنا كما أحسنوا تربيتنا، ولجعلنا نحافظ على هذا الرباط الوثيق، وشاء الله أن أكون الكبير، يصغرني أخي بعامين فقط، ثم أختنا الصغيرة، وشاء الله أيضًا وقدر أن تتوفى أمي في عز شبابها، ثم لحق بها أبي بعد فترة، لأتحول بقدرة قادر من أخ كبير إلى أب صغير لإخوتي، وتتحول الأخت إلى أم، وخاصة بالنسبة لأخي، ويصبح أخي إبنًا لنا.
كان أخي وأختي مرتبطين إلى حد كبير منذ نعومة الأظافر وظل هذا الارتباط قائمًا حتى بعد زواجها، حيث سافر زوجها للعمل في الخارج، وبقي أخوها إلى جوارها وجوار صغارها يرعاهم إكرامًا لأخته حبيبته رفيقة عمره، ولزوجها الذي اعتبرناه أخًا لنا بكل ما تحمله الكلمة من معاني الحب والاحترام، كان أخي أبًا لأخته ولأولادها، وهي الأم له بعد فقد أمه.
وأصبحت أنا أبًا لكليهما، وكعادة الأب لا ينال نفس القرب الذي تناله الأم من الأبناء، إلا أنهم جميعًا على ثقة أنه موجود دائمًا وسوف يظهر في أي وقت يحتاجون إليه فيه، كان إخوتي قريبين من بعضهما إلى أقصى درجة، وكنت أنا أعمل من وراء الكواليس كما يعمل كل أب.
اعتاد أخي منذ الصغر أن يدعوني "المعلى جانون" على غرار اسم الفنان نبيل الحلفاوي في مسلسل "غوايش"، اعتدت في نقاشنا - عندما يجد لي رأيًا سليمًا في أمر ما - أن يقول لي "خلاص يا جماعة المعلى جانون قال كلمته.. اسمع كلام أخوك الكبير يا ولدي"، ونضحك كثيرًا.
من المستحيل حصر ذكرياتنا مع إخوتنا، عليك إذن أن تتذكر كل لحظة في حياتك، نعم لأنه كان ملازمًا لك في كل اللحظات، لكنني أتذكر له شقاوته الرهيبة، وبحيث أصبح مثالًا ونموذجًا يقاس عليه شقاوة أطفال الأسرة، وأكثرهم تميزًا في شقاوته هو من يفوز باللقب ويطلقون عليه اسم أخي، وكنت هادئًا جدًا على عكسه تمامًا، لكنني أحيانًا – ككل النماذج الهادئة – كنت أتصور نفسي أو ربما أتمنى أن أمارس بعض شقاوته، ثم أفيق بسرعة إلى نفسي وأقول لا مستحيل.. لكنه لم يكن يتردد أبدًا في فعل كل ما يحب ويريد، لم يكن يفكر في النتائج أبدًا، كان تلك هي سعادته.
علاقتنا كان يسودها الحب والود والاحترام بفضل الله، أكبره بعامين فقط، كنا أصحاب وأصدقاء، لكن فكرة احترام الأخ الأكبر التي تربينا عليها كانت تصنع دومًا تلك الشعرة التي لا يجب تجاوزها، كنت أراهن عليه دومًا عندما أتحدث مع أبنائي عن احترام الكبير، كنت أقول لهم هل ترون عمكم؟ لا يصغرني إلا بعامين فقط، ورغم ذلك يكن لي كل الاحترام، ولو أنني فقدت أعصابي في لحظة وعلا صوتي عليه، أو حتى ضربته أمام أحد فلن يرد لي ذلك، رغم قدرته على الرد، لا لشيء إلا الاحترام والحب لأخيه الكبير.
مات أخوك.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. ويصل الأخ الكبير ويزيح الغطاء عن وجه أخيه الصغير الذي عجز قلبه عن مقاومة تلك الجلطة اللعينة، ينظر إليه ويحدثه: إلى أين تذهب يا حبيبى!! هل هان عليك أن تتركني وحيدًا!! ماذا أفعل دون وجودك، هل تتذكر حين مرضت وطلبتك لتذهب بي إلى الطبيب، من سوف يطلبني ليطمئن على أحوالي!! ينظر إليه ويقول لنفسه، ربما كان نائمًا، لكنهم بالخارج يبكون، الطبيب قال كلمته، مات أخوك.
حسنًا ماذا تريدون مني!! أن أقف على غسل أخي أقلبه يمينًا ويسارًا، ثم أضعه في قطع القماش الواحدة تلو الأخرى.. حاضر.. أن أحمله على كتفي وأقف لأصلي عليه صلاة الجنازة.. حاضر.. أن أذهب به إلى القبر وأضعه بجوار أمه، ثم أغلق عليه الباب وأقف لأدعو له.. حاضر.. أن أذهب في اليوم التالي لاستخراج شهادة الوفاة ويقولون لي ما اسم المتوفى!! أي متوفى؟ هل يقصدون أخي؟ صغيري؟ حاضر.. أن أذهب إلى عمله ليفتحوا أدراج مكتبه لإعطائي متعلقاته الشخصية وأرى زملاء عمره في العمل تنهمر دموعهم!! ومديره يقول لي المكتب لم يعد له صوت منذ رحيله.. حاضر.. ماذا تريدون منى ايضًا؟
لكن اعلموا أن قلبي ضعيف لا يحتمل كل ذلك!!