تواصل "بوابة الأهرام" طرح الموازنة العامة الجديدة للنقاش مع الخبراء في محاولة للوصول على أفكار ورؤى ومقترحات تدعم الحكومة وصناع القرار في إعداد هذه الموازنة التي تأتي في ظروف استثنائية وتحديات جسيمة تواجه الاقتصاد المصري وهو من المؤكد تحديات في معظمها وافدة من الخارج بفعل المتغيرات التي يشهدها العالم سواء تداعيات حرب روسيا وأوكرانيا أو من ارتفاعات غير مسبوقة في معدلات التضخم العالمية.
موضوعات مقترحة
ولعل تكليفات الرئيس السيسى قبل أيام للحكومة بطرح الموازنة الجديد التي يبدأ تنفيذها في يوليوالمقبل للحوار المجتمعي وتاكيده على توسيع مظلة الحماية الاجتماعية للفئات المستحقة يجسد حرص القيادة السياسية على مساندة هذه الفئات وعدم تحملها أعباء إضافية.
في التحقيق التالي نتناول محور الضرائب الذي يعد أحد المحاور الرئيسية في ايرادات الدولة والذي تتمكن من خلاله في زيادة الإنفاق على بنود الموازنة ولما كانت قضية الضرائب أحد القضايا التي غالبا ما تخضع للجدل بين الممولين إلا أن الوصول إلى نظام ضريبى كفء وعادل سوف يفتح الطريق أمام زيادة الحصيلة الضريبية في الموازنة الجديدة ويدعم قدرة الدولة في القيام بدورها تجاه الموطنين في توفير الخدمات اللازمة لهم.
الضريبة حق دستوري للدولة تجاه الممولين الذي تنطبق عليهم شروط آداء الضريبة لكن كلما كانت الدولة تمتلك نظاما ضريبيا فعالا وعادلا يمنع التهرب ويقيم العدالة الضريبية ويشجع على آدائها كلما كانت الحصيلة وفيرة وقادرة على سد الاحتياجات.
الموارد الرئيسية
المصدران الرئيسيان للموارد هما الضرائب، والموارد السيادية التي تتحصل عليها الدولة مثل فائض قطاع البترول وقناة السويس وموارد المناجم والمحاجر وفائض الهيئات والقطاع العام وقطاع الأعمال العام وإيرادات الخدمات التي تقدمها الدولة.
الضرائب
وتشغل الضرائب النصيب الأكبر من الإيرادات المتوقعة جمعها في موازنة العام المالي الجديد، لتبلغ نسبته 76.8% من إجمالي الإيرادات.
ويُفترض أن ميزانية الدولة تمثل نحو ثلث الناتج المحلي، تتحصل عليها الدولة من مختلف المصادر لكي تنفقها على الاحتياجات العامة للمجتمع.
أوجه الإنفاق
وتتمثل هذه الاحتياجات، والمرافق العامة من كهرباء ومياه شرب وصرف صحي وطرق ومواصلات واتصالات، وفي الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة وغيرها من خدمات.
والمفروض أن تتناسب تلك الإيرادات مع المصروفات العمومية، ولكن، بيان مشروع الموازنة الذي ألقاه وزير المالية محمد معيط أ، كشف عن عجز بين حجم الإيرادات وحجم المصروفات (لا تحتسب ضمنها أقساط الديون) نحو 30.18 مليار دولار، وهو ما يشكل 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي، ليأتي السؤال: من أين تتدبر الحكومة هذا الفرق الضخم ؟ بالطبع بالاستدانة، الداخلية والخارجية!
أقساط الديون
يقول الدكتور محمد حسن خليل، عضو الحوار الوطني، يبلغ إجمالي الاستدانة في مشروع الموازنة لهذا العام نحو تريليون ونصف ترليون جنيه، وهو ما يمثل عجزًا صارخًا في الموازنة.
ويتابع، نظريًا، لو استمر الحال على هذا المنوال نستطيع تسديد كامل ديوننا (6.1% من إجمالي الناتج المحلي) على 61 عامًا! ولكن، نظرًا لأنه ليس هناك من دائنين يستطيعون الانتظار طويلًا هكذا (!) فلا بد من وسيلة أخرى للسداد.
منظومة الضرائب
ويضيف عضو الحوار الوطني، آن الأوان لفتح ملف التهرب الضريبي وإحكام هذه المنظومة بوسائل وآليات تضمن عدم التسرب أو التحايل على حق الدولة، إذ تُوجه الدولة الضرائب التي تتحصل عليها من مختلف المصادر، للإنفاق على الاحتياجات العامة للمجتمع.
وتتمثل هذه الاحتياجات المرافق العامة من كهرباء ومياه شرب وصرف صحي وطرق ومواصلات واتصالات، وفي الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة.
الدكتور محمد حسن خليل، عضو الحوار الوطني
التهرب الضريبي
يقول الدكتور كريم العمدة، أستاذ الاقتصاد، إن حجم الإيرادات المُقدّر بـ تريليون ونصف، وحجم الضرائب المُقدّر بـ تريليون و 168 مليار جنيه، يعكس عجزًا صارخًا في إيرادات الضرائب التي تمثل 76.8% من إجمالي الإيرادات، وهو ما يعني أن نسبة التهرب الضريبي كبيرة.
ويعيد ذلك إلى عدم وجود نظام ضريبي كفء ومنظومة مُحكمَة تستطيع أن تُحكم هذا التسرب الحاصل الذي يُفقِد الدولة مليارات الجنيهات ويُفقِد المواطنين تحسين جودة الحياة حيث توجه الدولة هذه المليارات بعد تحصيلها، لخدمة ذلك.
الدكتور كريم العمدة، أستاذ الاقتصاد
لماذا يحصل التهرب الضريبي؟
يقول عصام الفقي، مسئول بالجهاز المركزي للمحاسبات، تعاني مصلحة الضرائب من عجز صارخ في عدد مأموري الضرائب، ما يستلزم سد هذا العجز: "80% من إيرادات الدولة ضرائب، كيف يتسنى لها تحصيل هذا الحق في ظل هذا العجز في القوي البشرية"؟
الرقابة ومأمورو الضرائب
ويضيف أن منظومة الضرائب بحاجة إلى تشديد الرقابة واختيار الكوادر وتغييرها بصفة دورية حتى لا يجد الفساد لنفسه مكانًا بين "دفاترها".
ويقترح سد عجز القوى البشرية بالاستعانة بـ أوائل الطلبة من خريجي كليات التجارة، على مستوى محافظات الجمهورية، مشددًا على ضرورة إحكام الرقابة على هذه المنظومة.
عصام الفقي، عضو لجنة الخطة والموازنة السابق
الاقتصاد غير الرسمي
ويقول الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، يمثل الاقتصاد غير الرسمي، إهدارًا كبيرًا لحق الدولة في الضرائب، وبالتالي حق المواطنين في تحسين جودة حياتهم.
ويتمثل الاقتصاد الرسمي في كل نشاط اقتصادي غير مُسجّل لدى الحكومة ويشير هذا النوع من الاقتصاد إلى قطاع الدخل العام والذي تكون فيه أنواع معينة من الدخل ووسائل إدرارها غير مضبوطة من قِبَل مؤسسات المجتمع، في بيئة قانونية واجتماعية، وكيف يتم ضبطها وصاحبها لم يُسجلّها من الأساس !.

"الفيزيتا"
وعلى سبيل المثال، وليس الحصر، يشير رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، إلى عدة مَهن، فيقول نرى كثير من الأطباء ممن لديهم عيادتهم الخاصة وتتجاوز قيمة الكشف الطبي لديهم 500 جنيهً، وحتى إن قلت القيمة عن ذلك، نجدهم خارج منظومة الضرائب، حيث لا يُقدمون فاتورة بهذا العمل وقد تتجاوز أعداد المرضى، في اليوم الواحد، 50 مريضا، أي 25 ألف جنيه، ليبلغ العائد السنوي، 300 ألف جنيه.
الدروس الخصوصية
ونجد كثيرا من المعلمين يقدمون دروسًا خصوصية للطلبة الذين تصل أعدادهم إلى 100 طالب في اليوم الواحد، وأكثر، بل إن هناك من يتعامل مع نحو 500 طالب ويستأجر لهم قاعة كبيرة لتتسع لهذا العدد، وعلى سبيل المثال إذا كان الطالب الواحد يدفع 100 جنيه نجد المُعلم يحصل على 50 ألف جنيه، في الجلسة الواحدة، وملايين الجنيهات سنويًا، ولا يُقدم فاتورة لهذا العمل.
المستشفيات الخاصة
ونجد كثير من المستشفيات الخاصة تجري جراحات بمئات الألوف من الجنيهات ولا تعطي المريض فاتورة بذلك أو إنها تعطيه فاتورة برقم أقل بكثير من الرقم الحقيقي، وهذا للتحايل على حق الدولة في الضرائب.
ويعتبر كل النشاطات الاقتصادية والتي لا تخضع للضرائب ولا تراقَب من قبل الحكومة ولا تدخل ضمن الناتج القومي الإجمالي، على العكس من الاقتصادي النظامي أو الرسمي.
المحامون والفنانون ولاعبو الكرة
ويضيف رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، إلى ذلك، كثير من المحامين، والفنانين، والرياضيين، ومهَن أخرى عديدة، ممن يتعاقدون على عمل بعشرات الملايين من الجنيهات ولكنهم يُحررون عقودًا بمبالغ أقل بكثير، للتهرب من حق الدولة في الضريبة.
الدكتور شريف الدمرداش، أستاذ الاقتصاد الدولي
كيف يدخل الاقتصاد غير الرسمي منظومة الضرائب؟
وعلى الرغم من أن الاقتصاد غير الرسمي مرتبط مع الدول النامية إلا أن كل الأنظمة الاقتصادية تحتوي على اقتصاد غير رسمي، ولكن تتساءل "بوابة الأهرام"، كيف يمكن دمج هذا الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي المُسجّل لدى الدولة حتى يتسنى لها الحصول على حقها في الضرائب ؟
الممول والمنظومة
يقول الدكتور شريف الدمرداش، أستاذ الاقتصاد الدولي، نحتاج إلى إعادة جسور الثقة بين الممول ومنظومة الضرائب، والتعامل معه على أنه صادق ونزيه، وليس هاربًا من العدالة، على أن يعلم الممول أن الضريبة ليست أداة جباية وإنما أداة لتعظيم موارد الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهو ما يتطلب مزيد من الوعي عبر وسائل الإعلام المختلفة.
"ميزانية زائفة"
ويقول إن هذا الاقتصاد غير الرسمي، رغم تهربه الضريبي من حق الدولة، إلا أنه يتكلف أيضًا رسومًا غير شرعية ليتمكن من هذا التهرب الذي يجري للأسف عبر بعض مكاتب المحاسبة التي تصنع له "ميزانية زائفة"، تشير إلى انخفاض دخله أو ربحه أو ربما تظهره متكبدًا خسائر، حتى يفلت من حق الدولة في الضرائب، بالإضافة إلى "مصاريف غض الطرف"، لبعض المسئولين عن التحصيل، من ضعاف النفوس.
حوافز ضريبية
ويقترح أستاذ الاقتصاد الدولي، تحفيز أصحاب الاقتصاد غير الرسمي، بفرض ضريبة أقل من الآخرين، ولتكن على سبيل المثال 5% على دخلهم غير المسجل، لمدة 5 سنوات، ثم تتصاعد الضريبة بعد ذلك وتصل للنسبة المفروضة على الجميع.
ويقول أستاذ الاقتصاد الدولي، إن هؤلاء يدفعون نفس القيمة ولكن للإفلات من حق الدولة، وبهذه الطريقة سيدفعونها ولكن سيكونون تحت المظلة الرسمية :" تكلفة إخفاء التهرب الضريبي لا تقل عن 10% من دخله غير الرسمي".
ضريبة تصاعدية
ويقترح إلى جانب ذلك، أن تكون الضريبة تصاعدية، كما هو في المجتمعات الرأسمالية في العالم الأوروبي، مع ثبات التشريعات، قائلًا: "بالنسبة لرجال الاقتصاد، من كان دخله، على سبيل المثال، مليون جنيه، تكون الضريبة المستحقة 20%، وإن كان فوق المليون، تكون الضريبة المستحقة 25%، وهكذا".
الإعفاء الضريبي للبسطاء
ويلفت أستاذ الاقتصاد الدولي إلى الطبقات الوسطى، وما دونها، حيث محدودي الدخل والأكثر احتياجًا، ويقول، هؤلاء المواطنون باتوا بحاجة إلى تخفيف العبء الضريبي عليهم، في ظل الأزمة الاقصتدية والتضخم الحالي، مقترحًا اعتماد المصروفات الشرعية المثبتة بفواتير رسمية معتمدة واستبعادها من الوعاء الخاضع للضريبة العامة على الدخل، لافتًا في هذه المصروفات إلى مصروفات التعليم والصحة.
تنشيط الأسواق
ويؤكد الدكتور شريف الدمرداش، أستاذ الاقتصاد الدولي، إن هذا التخفيف لهؤلاء المواطنين لن يمثل عبئًا على الدولة، لأن المصروفات التي ستتوفر لهم من الإعفاء الضريبي ستدور داخل السوق المحلي عبر عملية الشراء والبيع التي ستنشط بها الحركة التجارية ومن ثم تنشط الضرائب على التجار".
طلعت عبد السلام، رئيس المكتب الفني لمصلحة الضرائب، السابق
الفاتورة الإلكترونية
ويقول الدكتور كريم العمدة، أستاذ الاقتصاد، تحتاج المنظومة الضريبية، حتى لا يستمر التهرب الضريبي، إلى تطبيق وتفعيل الفاتورة الإلكترونية، التي ستضمن دخول الأجور الوعاء الضريبي، مقترحًا أيضًا تنشيط حركة العمل عبر دمج شركات قطاع الأعمال، بدلًا من أعدادها الزائدة دون جدوى.
الحماية الاجتماعية
ويقول طلعت عبد السلام، رئيس المكتب الفني لمصلحة الضرائب، السابق، حتى يمكن الوصول إلى نظام ضريبي كفء نحتاج أن يكون النظام الضريبي قادرا على تحقيق التوازن بين الأهداف المالية بتوفير الموارد المطلوبة للدولة والأهداف الاجتماعية بتوفير الحماية الاجتماعية للفئات الأقل دخلًا.
الحصيلة الضريبية
يضاف إلى ذلك، زيادة فعالية الأدوات المطبقة لحصر الاقتصاد غير الرسمي لأنه السبيل الوحيد لزيادة الحصيلة الضريبية دون فرض أعباء ضريبية جديدة على المجتمع.
العمالة والقوة الفنية
وأيضًا، توفير العمالة والقوة الفنية اللازمة لفحص الملفات داخل المصلحة خاصة أنها مصلحة تمثل المصدر الأساسي لإيرادات الدولة وبالتالي كل عنصر جديد يضاف إلى المصلحة يعني فحص ملفات جديدة داخل المصلحة بما يحقق استقرار المراكز الضريبية للممولين بفحصهم وتحديد الضريبية المستحقة عليهم أول بأول وفي نفس الوقت تحقيق حصيلة أفضل.
التدريب والتطوير
ويشير رئيس المكتب الفني لمصلحة الضرائب، السابق، إلى الاهتمام بتدريب العاملين بالمصلحة وتغيير أفكارهم والدور المطلوب منهم وهو تحقيق العدالة الضريبية بما لا يخل بالتوازن بين حقوق الممول وحقوق المصلحة.
الضريبة القطعية
بالإضافة إلى نقل الأحكام المتعلقة بالضريبية القطعية والضريبة النسبية من قانون المشروعات الصغيرة 152 لسنة 2020 إلى قانون ضريبة الدخل مع عدم ربطها بالتسجيل لدى جهاز تنمية المشروعات الصغيرة مع إعادة النظر في الحد الأدنى للضريبة القطعية وهو ألف جنيه حيث إن العديد من المشروعات الصغيرة الضريبة المستحقة عليها اقل من هذه القيمة وبالتالي ليس لديها حافز لطلب هذه المعاملة الضريبية.