الشرطة المصرية هي العمود الفقري للدولة وقلبها النابض، لأن الوطن لا يعرف الأمن والاستقرار أو السلام والطمأنينة، إلا في ظل وجود جهاز أمني قوى، يكون سندًا وحماية للدولة، لكي تتبوأ مكانتها السياسية والاقتصادية وسط الأمم، وحتى تكون في مصافِّ الدول العظمى.
من هنا يستتب الأمن ويشعر به الناس، وتقوى وتتماسك دولة العدل والحق، وتعيش الأمة فى سلام ووئام، ويبلغ الأمن فيها نهاية الكمال، تنجح الدولة من خلاله في إدارة شئونها الداخلية بالتطلع إلى مستقبل أفضل دائم، يبشر بحلم جميل عظيم، وأمن شامل ونظام كامل متكامل، تنعم فيه بالرخاء والازدهار وسوف يذكر التاريخ الحافل، والمشرف للشرطة المصرية ذات الأمجاد والانتصارات، وعزائم قوية لرجال ظفروا بالمجد والتضحية بكفاح الأبطال الأشداء، عندما تحركت همم عزائمهم، وضروب شجاعتهم، مخلصين لوطنهم وعقائدهم الراسخة، مؤمنين بالدفاع عن عرين وطنهم ومحل ثكناتهم.
فكانت طباشير الصباح لفجر يوم 25 يناير من سنة 1952، كان التاريخ يحيى ذكرى العظماء من قادة شرطة مصر الأبطال، ومنذ تاريخ هذا اليوم صار فيه عيدا للشرطة المصرية، لأنها لعبت دورا مجيدا في ذلك اليوم في الدفاع عن مبنى محافظة الإسماعيلية، ومحل ثكنات بلوكات النظام، تحاصرهم حشود ضخمة من جحافل قوات الجيش المستعمر البريطاني، تعززهم قوات كبيرة من الأسلحة الثقيلة، تشملها الدبابات والعربات المصفحات ومدافع الميدان، وكان الطلب المستحيل من قائد القوات البريطانية، بأن تقوم قوات الشرطة بتسليم أسلحتها وجلائها عن دار مبنى مديرية الإسماعيلية وعن الثكنات، فعندما أبلغ هذا الأمر وزير داخلية حكومة الوفد، فؤاد سراج الدين باشا فأمر برفضه، دون خضوع أو انكسار ترهبهم من قوة بطش قوات الاحتلال، فقد رفض البوليس المصرى بإباء وشمم، تسليم أسلحتهم أو مغادرة أماكنهم، تدركهم غريزتهم الوطنية الحرة، فى الدفاع والتصدى عن هذا المكان، وعلى الرغم من كل ما يعانيه، من نقص في الأسلحة، وليس لديهم منها إلا البنادق، دون مقارنة بقوة الاحتلال الإنجليزي، التى تتحصن بأحدث الأسلحة والدبابات، تشاركهم قطع عسكرية من البوارج الحربية وتؤازرهم بالطائرات، فقد نشبت معركة رهيبة بين قوة عسكرية محتلة بغيضة، تزيد عدد قواتها العددية على 8000 جندى، وفى المقابل لم يزد عدد رجال الشرطة المصرية على 300 فرد موزعين على درك الثكنات، إلى جانب 800 فرد بمبني المحافظة، بالطبع ليس هناك مقارنة تذكر بين قوة عدد وتسليح جيش الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس، أقوى دول الأرض في ذلك الوقت، لأنها كانت تسيطر على 25% من مساحة الكرة الأرضية أى ربعها تقريبا، مقارنة بقوة عدد رجال البوليس المصري، وإن كانتا غير متكافئتين لأن القوة العسكرية والعددية لصالح قوات الاحتلال البريطاني، إلا أن هذا لم يرهب رجال مصر الأبرار الأخيار من ضباط وجنود البوليس الأطهار، فقد تحلو بالشجاعة والتضحية، وقدرتهم في الدفاع عن وطنهم، فهم أقوياء بالحق وشهداء في سبيل الله، فقد تصدوا لهذه القوة الباغية ونفوذها الطاغي، رافضين التسليم أو التوقف عن القتال رغم التهديد من قبل الإنجليز بتدمير مبنى المحافظة فوق رؤوسهم، ولكن كان رد الأبطال من رجال البوليس إذا أرادت القوات البريطانية أن تأخذنا فلن يتسلمونا إلا جثثا هامدة.
وقد نفدت آخر طلقة ذخيرة لدي هؤلاء الأبطال، بعد معركة استمرت ما يقرب من ساعتين مع وجه قبيح مجرم، من قوات مصاصي دماء الشعوب الوجه القذر الذى يكشف عن جرائم قوات الاحتلال البريطانى لمصر، وبعد أن اقتحمت هذه القوات المبنى والثكنات قامت بأسر من تبقى منهم على قيد الحياة، وقد ظفر بالشهادة فى ميدان المعركة من رجال البوليس 50 شهيدًا، وأصيب 80 آخرون، وأُسر ما تبقى من الأحياء.
هؤلاء هم رجالات مصر الوطنيون، الموت والتنكيل يحيط بهم محاصرين من كل جانب، وإذا أرادوا الخروج الآمن اشترطت عليهم غوائل الأنانية الاستسلام والرحيل، ولكن كان صوت الحق يعلو على إنذار أهل الباطل، بكفاح وجهاد وصمود ومقاومة رجال البوليس المصرى، من أجل أهدافهم فى ردع قوات العدوان للحصول على الحرية والاستقلال، مرفوعة هاماتهم رافضين الذل والاستعباد أو مهانة الاستسلام، دون ضعف أو يأس يتسلل إلى قلوبهم، فقد عزموا على مواجهة الصعاب والتضحية بالنفس رافضين المساومة مقابل حياتهم، ولكن استمروا في الجهاد والمقاومة ببذل كل ما هو رخيص وغالٍ، بالدفاع عن وطنهم، ويرون أمتهم أحرارا.
وإذا كان لنا أن نحتفل بعيد نصر السادس من أكتوبر من كل عام، فإن عيد الشرطة المصرية هو الخامس والعشرون من يناير من كل عام، لأن هذا اليوم منذ 71 عامًا جلبت فيه الشرطة المصرية الخزى والعار على قوات الاحتلال، وأيقظت الضمير العالمي على جرائمها التى ترتكبها في حق رجال البوليس الأطهار، فكان السخط الشعبي على قوات الاحتلال، التي كانت نهايته فى الجلاء والرحيل عن وطننا الحبيب عام 1954، فيكون تاريخ 25 يناير من كل عام هو حق عيد الشرطة، ولا يصح أن نستبدل بهذا الحق لكى نختار أحداث فوضى سياسية حدثت أيضا بتاريخ 25 يناير عام 2011 عيداً لها، وتلك هى غاية كل من يريد الانتقام من الشرطة المصرية، وكل حاقد لذلك يريد أن ينحرف عن هذا الحق، لأن فى أحداث يناير من عام 2011، انحرفت فئة من الشعب وانزلقت إلى الهاوية بعد أن وجدت فى نفسها أنها فى حرب مع الدولة والمجتمع، بعد أن أصبحت عبدا وأسيرا لدول خارجية، تريد الفوضى والخراب وتدمير الأوطان، لقد انغمسوا فى وحل الخيانة الوطنية، وانحرفوا عن المبادئ الأخلاقية، وأصبحت أفعالهم دون رؤى أو تعقل وتدبر، فقد تحكمت فيهم مخابرات دول غربية تسيطر عليهم وتتحكم فيهم، حتى يتحقق حلمهم الشيطانى بتقسيم الشعوب وتفكيك الجيوش، عن طريق قيام أحداث غضب حادة بنشر الفوضى والانفلات وخلق الفتن والكذب والشائعات، وارتكاب الأعمال الخسيسة بالاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، وحرق أقسام الشرطة ومقرات أمن الدولة، من أجل تمهيد الطريق إلى انفلات أمني، تصحبه تدخل قوى أجنبية دولية لاحتلال مصر، وهذا كان هو المراد من أحداث 25 يناير عام 2011، فإن تاريخ 25 يناير هو عيد للشرطة، ولن يتأتى الاحتفال بتاريخ لغيره إلا للشرطة المصرية.