Close ad

تحريك رقعة الشطرنج العظمى (1)

25-1-2023 | 10:49
الأهرام العربي نقلاً عن

ظهرت نظرية رقعة الشطرنج الكبرى قبل ربع قرن. ستة أعوام على سقوط الاتحاد السوفيتى عام 1991، كانت كافية للمفكر السياسى الأمريكى زبيجنيو بريجينسكى لصياغة هذه النظرية، واعتبارها حقيقة واقعة لا تقبل الجدل.

حظى بريجينسكي، المولود عام 1928 والمتوفى عام 2017 بمكانة قريبة من كل الإدارات الأمريكية منذ الستينيات، من جون كيندى إلى نيكسون، وكارتر، وريجان، وبوش الأب، وكلينتون، وبوش الابن إلى باراك أوباما عدا دونالد ترامب.

اقترب وعمل وصاغ سياسة خارجية أمريكية فى عهد جيمى كارتر كمستشار للأمن القومى الأمريكي، ومن خلال صلاته العميقة، بات صاحب رأى مسموع فى السياسة الإستراتيجية الأمريكية، من خلال اقترابه الوظيفى ومحاضراته فى الجامعات، ومؤلفاته شديدة الإحكام.

 تمثلت ذروة أعماله فى سحب الاتحاد السوفيتى إلى المستنقع الأفغاني، ودوره المعروف فى تكوين الجماعات الإرهابية المقاتلة على الأراضى الأفغانية، وقد اعترف بأنه كان الأب الروحى لفكرة صناعة فيتنام أفغانية للروس.

نجحت فكرته، وسقط المعسكر الشرقى بالكامل، ويعترف فى كتابه بأن حدود روسيا تآكلت مع هذا السقوط، ويجب ألا تفكر مرة أخرى فى استعادة الإمبراطورية الروسية القديمة.

قدم هذا البولندى الأصل لأمريكا، ما لم يقدمه مفكر آخر بمن فيهم هنرى كيسنجر، يبدو أنه تأثر بأبيه السفير البولندى فى كندا، ذلك الأب الذى قرر الهجرة إلى أرض الفرص والأحلام، رافضا العودة إلى بولندا مع نهاية الحرب العالمية الثانية، بعد أن تحولت بلاده إلى الشيوعية.

جاء من بعيد ليقرأ أفكار بونابرت، وماكندر، وهتلر، وستالين، ويضع نظرية رقعة الشطرنج العظمى، ويعنى بها الأوراسيا، وتضم قارتى أوروبا وآسيا، مستندا إلى الجغرافى البريطانى ماكندر، ونظريته قلب العالم، والتى جاء فيها أن من يحكم أوروبا الشرقية يحكم الأوراسيا، ومن يحكم الأوراسيا يحكم العالم، وتتمدد الأوراسيا على مساحة 54 مليون كيلو متر، وتشمل فى الهوامش منطقة الشرق الأوسط.

فى كتابه المعنون بـ”رقعة الشطرنج العظمى” يشير بريجينسكى إلى الإمبراطوريات القديمة خفيفا: الرومانية، والصينية بشقيها شين وهان، ثم إلى المغولية، وبدرجة أقل إلى الروسية القديمة، والأسبانية والبرتغالية والفرنسية والإنجليزية، ليصل إلى لب القصيد، بأن الإمبراطورية الجديرة بالاستعادة والاستفادة من أسباب انهيارها، هى الرومانية، وعلى هذا يجب أن تكون أمريكا هى تلك الإمبراطورية دون الأخطاء الرومانية، وكما يشير، فإن المواطن الرومانى كان يقول: أنا روماني، كهيبة وجواز مرور، كذلك يحدث حين يقول المواطن الأمريكى فى العصر الحالي: أنا أمريكي.

بربجينسكى وضع النظرية من أجل بلاده الجديدة الولايات المتحدة الأمريكية، واعتبرها الوحيدة الجديرة بأن تكون كونية بلا منازع، وأن عالما بلا قيادة أمريكية، هو عالم من الاضطراب والصراع والحروب!

فى هذا الكتاب النظرية، طالب أمريكا بالإسراع لملء الفراغ الناتج عن انهيار الاتحاد السوفيتي، ثم منع روسيا من التفكير فى استعادة الإمبراطورية الروسية القديمة.

فى سبيل تحفيز أمريكا، يشير إلى أن 60 فى المائة من ثروات العالم تكمن فى أراضى الأوراسيا، وتضم أكبر نسبة سكان، وفيها أكثر من ست دول نووية معلنة على الأقل، وذلك قبل ربع قرن حيث ظهر كتابه عام 1997، وأن الإمبراطوريات القديمة التى مرت عليها، كانت جامدة ومستبدة وسلطوية ومركزية، لذا سقطت دون أثر، بينما أمريكا مرنة ثقافيا، واجتماعيا، وسياسيا، ثم إنها ديمقراطية وحيوية، وبذلك تصبح الوحيدة المؤهلة لتكون صاحبة السيادة الكونية المطلقة، على أن تمنع روسيا من التفكير فى أوكرانيا، سلة الخبز العالمية، كما وصفها بريجينسكى قبل ربع قرن.

إذن، أوكرانيا كانت ولا تزال مربط الفرس منذ ربع قرن، ولا تزال، لكن السؤال هنا هو هل أوراسيا ماكندر - بريجنسكي، قدر محتوم، أم أنه يمكن تحريك هذه الرقعة إلى مكان آخر؟ هذا ما سنراه فى الأيام المقبلة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة