Close ad

«قاهرة المماليك».. رحلة تتبع الأثر المعماري والفني الأخير للمماليك في مصر بمعرض الكتاب |خاص

24-1-2023 | 15:47
;قاهرة المماليك; رحلة تتبع الأثر المعماري والفني الأخير للمماليك في مصر بمعرض الكتاب |خاصرضوي زكي
مصطفى طاهر

تشارك الكاتبة والباحثة رضوى زكي بكتاب جديد بعنوان "قاهرة المماليك: من العمارة الإسلامية إلى البحث عن هوية وطنية مصرية"، وهو من إصدار دار نهضة مصر للنشر في الدورة الـ 54 من معرض القاهرة الدولي.

موضوعات مقترحة

ويعد "قاهرة المماليك" الإصدار الخامس الذي تستكمل به رضوى زكي مشروعها البحثي والذي تضع فيه دراسة تاريخ عمارة القاهرة على قائمة اهتماماتها، وبخاصة العمارة التي تحمل ملامح العصر المملوكي، وتصف هذا الكتاب بأنه: "كتابٌ عن العِمَارَة المَمْلُوكِيَّة في القَاهِرَة بعد انقضاء حُكم المَمَالِيك".

"بوابة الأهرام" تحدثت مع رضوى زكي عن سبب اختيارها لهذا الموضوع تحديدًا، وأوضحت أنها بدأت العمل على فكرة الكتاب منذ عام 2018، وقرأت كثيرًا في مجال تاريخ العمارة في مصر خلال تلك الفترة، وقامت بالرجوع كذلك إلى مؤلفات كبار المعماريين من أمثال دكتور نزار الصياد ودكتور علاء الحبشي والمستشرق المجري استيفان أوروموس. وترى أن القارئ العربي لم يتعرف بعد على الأثر المعماري والفني الطويل والمؤثر للماليك بعد انتهاء طائفتهم في مصر الذي كان له دور رئيسي في تشكيل الهوية البصرية لمدينة القاهرة التي نعرفها اليوم وتشكل جزءًا من وجدان المصريين.

إذ لم تؤثر طائفة حاكمة لمصر بعد عهد مصر القديمة بقدر حُكم المماليك؛ فتاريخ المماليك في مصر طويل للغاية، ولم يبدأ حكمهم لها في القرن الثالث عشر؛ بل كانت علاقة المماليك بمصر تعود إلى عصور أقدم، وكان من أوائل المماليك ممن حكموا مصر أحمد بن طولون التركي الأصل الذي بعثه الخليفة العباسي لمصر، فأصبح واليًا عليها (254-270ه/ 868-883م)، وقد استعان الأيوبيون كذلك بالمماليك في مصر والشام فتعمقت جذورهم قبل أن يبدأ حكمهم الفعلي لمصر على مدار ما يقرب من ثلاثة قرون، حتى جاءت اللحظة التي قامت فيها الدولة المملوكية في مصر (648-923ه/ 1250-1517م) والتي تعد مرحلة هامة من مراحل التاريخ الإسلامي وتطور الحضارة الإسلامية في مصر.

وتضيف د.رضوى زكي:  "كما كان للمماليك كذلك دور هام في تاريخ الثقافة العربية الإسلامية، فكانت مصر تحت حكمهم معقل الفنون والآداب والتاريخ الأبرز بعد القضاء على بغداد على يد المغول. وكان لرعايتهم للمؤسسات الدينية تأثير هائل على العمارة والحضارة المصرية والسورية في فترة حكمهم وخلال القرون اللاحقة،  من جانب آخر فوجود المماليك في مصر يحمل كثيرًا من التناقضات، فعلى الرغم من جورهم وتعسفهم وتجاوزاتهم في حق المصريين في كثير من الأحيان الذي تذكره المصادر التاريخية؛ إلا أنهم كانوا رعاة للفنون لم تشهد مصر لها مثيلاً منذ عهد البطالمة؛ فإليهم يرجع الفضل في حشد سماء القاهرة بالمئات من المآذن الرشيقة والقباب البديعة.

وقد حار المؤرخون في سبب ازدهار الفنون والعمارة على أيدي طائفة عاشت للقتال وفنون الخداع والسياسة!

سبب آخر كان داعيًا لرضوى زكي في الخوض في هذا الكتاب هو الاشتباك مع الآراء السائدة التي ترى أن ظهور العمارة المملوكية من جديد خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين هو مظهر من مظاهر الهوية الوطنية والتيار القومي الذي ساد مصر في تلك الفترة؛ بينما تعرض في كتابها أن هذه الفكرة زرعها المعماريين الأجانب الذين فُتنوا بالعمارة الإسلامية المملوكية باعتبارها ضدًا ونقيضًا للطراز العثماني، وعلى النقيض اعتبر المثقفون والمعماريون المصريون أن البناء بطرز كلاسيكية قديمة مثل الطراز المملوكي هو علامة على التخلف والانحدار!.. فيما كان لأهل السلطة من الأسرة العلوية أسباب أخرى لدعم ظهور العمارة الإسلامية المملوكية على المشهد المعماري في مصر من جديد... وهو ما سنعرفه من خلال هذا الكتاب. 

يقتفي هذا الكتاب خلال إحدى عشر فصلاً أثر عِمَارَة المَمَالِيك في مصر عبر مئات السنين، والدور الذي اكتسبته في التاريخ المِصْرِي القومي؛ بدءًا من تكوين هوِيَّة معْمَارِيَّة اِسْلَامِيَّة في مِصْر على يد المَمَالِيك، حكم المماليك عاصمةً ذات تاريخ في الفن والعمارة في العالم الإسلامي؛ القاهرة وأصبحت في عهدهم (648-923ه/ 1250-1517م) أهم مدينة إسلامِيَّة وأكبرها. ازدهرت القاهرة تحت حُكم سلاطين المماليك الذين أقاموا بها عددًا غير مسبوق من المنشآت المعمارِيَّة على اختلاف أنواعها، ووصلت العمارة في تلك الفترة إلى ذروة الإبداع في الزخارف الفنِيَّة والمعمارِيَّة. 

تبدل الحال بظهور الدولة العثمانِيَّة التي أصبحت القوة الضاربة في المنطقة والتي حكمت مصر ثلاثة قرون، ومع ذلك استمر حضور العِمَارَة المَمْلُوكِيَّة منذ دخول سَلِيم الأَوَّل للبلاد في عام 1517 حتى نهاية حُكم العثمانيين في مطلع القرن التاسع عشر، مرورًا بمرحلة القضاء نهائيًا على المَمَالِيك واستبعاد عمارتهم خلال حُكم مُحَمَّد عَلِي بَاشَا (1805-1848م) عرش مصر، وبدأ عهده بالقضاء نهائيًا على طائفة المماليك في مذبحة وقعت بالقلعة عام 1811م. 

من هنا تراجعت الهيئة المملوكية للعمارة الإسلامِيَّة في مصر لصالح الطراز العثماني-التركي، وخلال نفس الفترة، ومع تنامي الاستشراق ودارسة الفن العربي - الإسلامي في أوروبا؛ ظهرت ملامح العمارة المملوكية من جديد، في طيات مشروع إِسْمَاعِيل للقَاهِرَة لتكون "باريس الشرق"، وليس فقط في مصر وإنما كذلك في عددًا من المنشآت في أوروبا.

وعرفت أوروبا الطراز المملوكي لأول مرة في القاهرة، وذلك حين أرسل محمد علي وخلفائه في طلب المعماريون الأوروبيون لتنفيذ مشروعات معمارية وعمرانية في مصر، فوقع بعض المعماريين الأوربيين أسرى لفن العمارة المملوكية، فشيدوا البيوت الخاصة على الطراز العربي الملوكي في القاهرة، كما قاموا باستلهام عناصر من العمارة المملوكِيَّة في أوروبا، سواءً في المعارض الدولية أو في عمائر شُيدت خلال القرنين التاسع عشر، وما زالت باقية إلى يومنا هذا.

وعقب الازدهار يأتي الخفوت والتراجع، فيتتبع هذا الكتاب رحلة العمارة المملوكية إلى محطتها الأخيرة في عهد الملك فؤاد وظهور محاولات لتعميم الطِّرَاز المِعْمَارِي الإِسْلَامِي كطِرَاز موحد للعمائر في مِصْر عُرف باسم "طِرَاز فؤاد الأول".

هكذا ظهرت العِمَارَة المَمْلُوكِيَّة في مِصْر منذ منتصف القرن الثالث عشر، واستمرت حتى منتصف القرن العشرين في صور وهيئات مختلفة، مرت خلالها العِمَارَة المَمْلُوكِيَّة بالعديد من المراحل بين الازدهار والانحسار، لكنها ظلت تمثل التعبير الخالص عن فن العِمَارَة الإِسْلَامِيَّة في مِصْر، ثم تحولت إِلَى مظهر من مظاهر الهوِيَّة الوطنِيَّة المِصْرِيَّة، فقد برزت في سياق تاريخي يموج بالمتغيرات السياسِيَّة والاقتصادِيَّة والاجتماعِيَّة خلال عهد أسرة مُحَمَّد عَلِي بَاشَا التي استمرت على عرش مِصْر، خلال ما يقرب من قرن ونصف القرن.

وفيما بين تاريخي انقضاء حكم المماليك 1517م على يد العثمانيين، إلى نهاية عهد الملك فؤاد الأَوَّل عام 1936م، أي ما يزيد عن أربعة قرون، مرحلة اشتملت على تغيرات جوهرِيَّة متعاقبة شهدتها مصر، ومن خلال هذا الكتاب نحاول أن نفهم ماذا جرى في تلك العصور من أحداث غيرت مجرى الأمور في مِصْر بعمق، وأثرت على العِمَارَة الإِسْلَامِيَّة بوجه عام، والمَمْلُوكِيَّة منها بوجه خاص. 

يذكر أن د. رضوى زكي هي باحثة متخصصة في الحضارة والآثار الإسلامية، تشغل وظيفة كبير باحثين بمركز دراسات الحضارة الإسلامية بمكتبة الإسكندرية، وحاصلة على درجة الدكتوراه في الآثار الإسلامية من جامعة الإسكندرية. تلقت تدريبًا في مجال التراث الثقافي من جامعة Sapienza والمركز البحوث الوطني CNR بروما – إيطاليا، وفي التراث الإسلامي من معهد الدراسات العربية بغرناطة بإسبانيا، وكذلك من مركز دراسات الشرق الأدنى والأوسط بجامعة ماربورج بألمانيا. صدر لها عدة مؤلفات وبحوث مُحّكمة ومقالات، كما حصلت على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية - فرع التاريخ لعام 2021 عن كتاب "مصريات عربية: حكايات وملامح من تراث مصر العربية"، كما فاز كتابها إرث الحجر - سيرة الآثار لمنقولة في عمارة القاهرة الإسلامية بجائزة أفضل كتاب في مجال الفنون في معرض القاهرة الدولي للكتاب في عام 2020، وكذلك رُشح كتابها «إحياء علوم الإسكندرية» في القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد – فرع المؤلف الشاب لعام 2018.


كتاب قاهرة المماليككتاب قاهرة المماليك
كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة