رغم أن مصر من أقل الدول إسهاما فى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى عالميا، بنسبة 0.6 %، فإنها في صدارة التعرض للمخاطر الناتجة عن انعكاسات وتأثيرات التغيرات المناخية.
موضوعات مقترحة
ووفقًا لدراسة عام 2019 بمشاركة علماء من هيئة الارصاد الجوية والمركز القومى للبحوث وجامعة القاهرة ومعملين فى باريس سجلت درجات الحرارة اليومية فى مصر ارتفاعا بنحو 1.3 درجة مئوية منذ عام 1960 فيما بلغ معدل الزيادة الحالى حوالى 0.4 درجة لكل 10 سنوات. الدراسة تنوه بأنه من المرجح بشدة أن تشهد معظم السواحل الرملية المزيد من الفيضانات وتآكل الشواطئ، وقد تكون المدن الساحلية في مواجهة فيضانات متزايدة نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة هطول الامطار؛ وهذا أمر مقلق للزراعة فى دلتا النيل ولقطاع السياحة فى البحرين الأحمر والمتوسط وخصوصا الاسكندرية التى أصبحت في مهب الرياح العواصف والفيضانات.
حول هذا الملف، تقول الدكتوره منال فوزي رئيس معمل التقنيات الخضراء - كلية العلوم - جامعة الإسكندرية، إن الدولة المصرية تسعى جاهدة لمواجهة آثار التغيرات المناخية، حيث جاء على سبيل المثال القاء 4700 كتلة خرسانية فى المياه حول قلعة قايتباى؛ لحماية ذلك الأثر التاريخى من ارتفاع منسوب المياه، كما حدد جهاز شئون البيئة المخاطر الأساسية للتغيرات المناخية التى تتعرض لها مصر مثل زيادة أو إنخفاض درجات الحرارة عن معدلاتها الطبيعية، كما تتضمن انعكاسات التغيرات المناخية على مصر أيضا زيادة معدلات التصحر وتدهور الانتاج الزراعى ومن ثم تأثر الأمن الغذائى وزيادة معدلات شح المياه حيث تم رصد حساسية منابع النيل لتأثيرات التغيرات المناخية وتؤثر التغيرات المناخية فى انتشار نواقل الامراض مثل الحشرات.
ولفتت فوزي إلى أنه على الرغم من أن مصر تقع فى المنطقة القاحلة فيما عدا الشريط الساحلى الشمالى والذى يقع فى إطار شبه القاحلة الا أنها تمتلك مزيجا فريدا من النباتات والحيوانات نظراً لتنوع الموائل البيئية بها والتى تقارب 20 موئلا وقد تم رصد انخفاض مستمر فى التنوع النباتى فى جنوب وشرق البحر المتوسط فضلا عن 45 نباتا متوطنا بمصر تواجه خطر الانقراض امام آثار التغيرات المناخية كما تتأثر الشعاب المرجانية بسواحل البحر الاحمر نظراً لارتفاع حرارة المياه وحموضتها مما يتسبب فى ابيضاض الشعاب.
آليات التكيف
وأوضحت رئيس معمل التقنيات الخضراء أن مصر أتخذت العديد من السياسات والاجراءات لمواجهة تحدى التغيرات المناخية والتكيف مع تداعيتها انطلاقا من كونها تهديدات تنموية واقتصادية اكثر منها تهديدات بيئية فتم انشاء المجلس الوطنى للتغيرات المناخية كجهة وطنية رئيسية معنية بقضية التغيرات للبحث والتطوير فى مجال البيئة والتغيرات المناخية وتعد الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050 واحده من اهم قرارات المجلس الوطنى للتغيرات المناخية لرفع مستوى التنسيق بين الوزارات والجهات المعنية بشأن مجابهة مخاطر وتهديدات التغيرات المناخية من خلال رسم خارطة طريق لأكثر السياسات والبرامج كفاءة وفاعلية فى التكيف مع تداعيات تلك التهديدات بما يضمن تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، علاوة على التعاون مع مؤسسات التمويل الدولية حيث يعتبر البنك الدولى على رأس قائمة مؤسسات التمويل الدولية التى تتعاون معها مصر فى مواجهة التغيرات المناخية.
وشرحت قائلة: بحث المسئولون بوزارتى التعاون الدولى والبيئة مع ممثلين من البنك الدولى سبل وآليات التعاون لتطوير سياسة مكافحة ازمة تغير المناخ بهدف توفير الدعم المالى لمشروعات التنمية المستدامة التى تمارس دورا مهما فى مواجهة التهديدات المناخية وتتبنى مصر سياسة الاقتصاد الاخضر ووضع القطاع المصرفى البعد البيئى ضمن شروط تمويل المشروعات الحديثة بحيث لا يتم تمويل اى مشروع من شأنه ان يزيد من حدة ومخاطر التغيرات المناخية بهدف التوسع فى المشروعات الصديقة للبيئة فى اطار مساعى مصر لتصبح نموذجاً نحو الاقتصاد الاخضر وترسيخ مفهوم الشركات الخضراء والذى يشير إلى ضرورة التزام الشركات بالمعايير البيئية فى كل ما تقوم به من ممارسات انتاجية وتسويقية للسلع والخدمات ووفق معايير معينة تضمن حماية الموارد البيئية والحد من التلوث.
وتابعت: كما طرحت الحكومة فى 2020 اول سندات خضراء بقيمة 750 مليون دولار لتمويل المشروعات الصديقة للبيئة الطاقة الجديدة والمتجددة الشمسية والرياح الغاز الطبيعى المشروعات المعنية بشئون النقل والمواصلات بهدف تقليل انبعاثات ثانى اكسيد الكربون والغازات المضرة بالغلاف الجوى والمسببة للاحتباس الحراري.
قمة الأطراف
وأشارت د.منال إلى أن غاية طموحات العالم لمؤتمر قمة الاطراف رقم 26 كانت متمثلة فى الإبقاء على هدف انحصار ارتفاع درجة حرارة الارض ضمن حدود 1.5 درجة مئوية وهذا ما فعلة اتفاق جلاسكو بشأن المناخ ولن يصبح ذلك الهدف قابلا للتحقيق الا اذا نفذت كل دولة ما التزمت به من تعهدات والمخرجات الأساسية لمؤتمر قمة الاطراف هى التخفيف لتأمين الوصول بالانبعاثات إلى الصفر تقريبا على مستوى العالم وتعزيز التدابير الرامية إلى تخفيف اثار تغير المناخ مستقبلا والتكيف لتعزيز الجهود لمواجهة أثار تغير المناخ
كما اتفقت الدول على برنامج عمل جلاسجو- شرم الشيخ وهو جديد يتعلق بالتكيف لتقليل تعرض الشعوب لآثار تغير المناخ كما تم تأسيس « تحالف العمل من اجل التكيف « وانطلاق « تحالف البحوث المعنية بالتكيف « لاجل تعزيز صمود البلدان المعرضة للتأثيرات السلبية لتغير المناخ.
وجاء مؤتمر قمة المناخ 27 بمصر ليعد فرصة عظيمة للقارة الافريقية ودول الشرق الاوسط لتوضيح حجم الخسائر الفادحة التى تتكبدها القارة السمراء نتيجة لتغير المناخ والتزام الدول بالدعم والتعاون
سبل كسب العيش
وتشير التقارير والدراسات إلى أن القارة الافريقية هى اكثر القارات تأثرا وتضررا بتغير المناخ ويعد السبب الأساسى بعد موقعها الجغرافي؛ القدرات التكيفية المحدودة لغالبية الدول الواقعة فيها فضلا عن تفاقم وانتشار الفقر حيث يشكل تغير المناخ تهديدا حقيقيا لاستدامة النمو الاقتصادى وسبل كسب العيش.
فى العام 2020 تعرض ما بين 75 و250 مليون شخص فى القارة إلى زيادة الاجهاد المائى بسبب تغير المناخ وانخفضت عوائد الزراعة المعتمدة على الامطار بنسبة تصل إلى 50 % ويمكن ان يعرض الاحترار العالمى اكثر من 50 % من سكان القارة لخطر نقص الغذاء وتشير التقديرات إلى ان تغير المناخ سيؤدى إلى خسارة سنوية تتراوح بين 2 - 4 % فى الناتج المحلى الاجمالى بحلول عام 2040 وعلى افتراض ان الجهود الدولية ستبقى على الاحترار العالمى دون درجتين مئويتين فقد تواجه القارة تكاليف التكيف مع تغير المناخ بما يعادل 50 مليار دولار سنويا فى 2050
وتوقعت فوزي أن يكون البحر المتوسط أحد أبرز النقاط الساخنه وأكثرها عرضه للتأثر بتغير المناخ فالزيادة المتوقعة فى درجات الحرارة خلال الصيف بمنطقة البحر المتوسط ستكون اكبر من المتوسط العالمى بنسبة يمكن ان تصل إلى 50 % ولقد شهد الحوض فى اغسطس 2021 حرائق مدمرة خاصة فى الجزائر، تونس،ايطاليا، اليونان، حيث استعرت النيران لايام زاد من وطأتها موجه ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوقة
التقنيات الخضراء
وأكدت د.منال أن فى الوقت الحالى نحن كمجموعة التقنيات الخضراء بكلية العلوم - جامعة الإسكندرية نقوم بتنفيذ مشروع تعاون مصري، أمريكى (جامعة الإسكندرية وجامعة يوتا الأمريكية) بدعم من صندوق العلوم والتنمية التكنولوجية المصرى STDF ولمدة سنتين قادمة؛ والمستهدف مجال معالجة مياه الصرف الصحى بطرق مبتكرة، آمنة بيئيًا وخضراء من أجل إعادة استخدامها مره اخرى فى الزراعة، علاوة على دراسة تأثير الرى بالمياه المعالجة على صحة التربة من ناحية محتواها من الكائنات الدقيقة.
كما أشارت إلى المشاركة فى مشروع الموسوعة المصرية للنباتات البرية بالتعاون مع أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا؛ بهدف توثيق الأصول الوراثية للفلورا المصرية من خلال تحديد البصمة الوراثية لكل نوع نباتى ( Barcoding)؛ وذلك توطئة لتقنين النفاذ على تلك الموارد الطبيعية الهامة.
وشددت على أن المعمل يمتلك العديد من الأبحاث المميزة فى مجال التصنيع الأخضر للمواد النانومترية، وأستخدامها فى معالجة المياه الملوثة بالصبغات العضوية السامة والمعادن الثقيلة، بالإضافة لإستخداماتها الطبية فى علاج الأورام السرطانية
المنظومة البحثية
استكملت منال حديثها بالتنوية إلى أن البحث العلمى فى مصر يتقدم بخطى حثيثة، ويساعد فى ذلك الدعم الذى تقدمه الدوله للباحثين من خلال المشاريع البحثية المدعمة والموجهه لجميع الباحثين على مختلف المستويات بداية من تمويل مشاريع التخرج المبتكرة لطلاب البكالوريوس وصولا لتمويل مشاريع محلية، بالإضافة لمشاريع التعاون المشترك ونقل التكنولوجيا بين باحثين واعضاء هيئة تدريس من مصر وخارجها، وكذا الدور الذى تلعبه المراكز البحثية المتخصصة وحضانات التكنولوجيا تحت رعاية أكاديمية البحث العلمى وعلى سبيل المثال « جامعة الطفل» التى تنمى قدرات أطفالنا ليصبحوا باحثين وعلماء متميزين فى المستقبل
وأوصت شباب الباحثين بضرورة الجدية فى العمل والمثابرة للوصول إلى الهدف فى الاداء، وكذلك أهمية الإطلاع على الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات العلمية المرموقة وقراءة امهات الكتب فى مجالاتهم البحثية،وأشارت فى هذا الإطار إلى جهود الدولة من خلال إنشاء بنك المعرفة المصرى الذى يوفر خدمة الوصول والحصول على المراجع والابحاث اللازمة لكل باحث فى المجالات المختلفة.