Close ad
19-1-2023 | 15:32
الأهرام المسائي نقلاً عن

لكل مهنة زعماء أو شيوخ، نستطيع أن نطلق عليهم مصطلح "كهنة المهنة" فهم الأكثر دراية بدروب تلك المهنة، والأكثر خبرة فى مجالهم، البعض من هؤلاء يتمتعون بالعلم والدراية عن حق، وللأسف البعض الآخر قد لا يرتقى لمثل تلك المكانة، ففى حالة كون أهل الخبرة يتمتعون بالعلم والدراية والخبرة عن حق فحتما سينصلح حال مهنتهم، فسيكونون خير داعم لكل مبتدئ، خير عون لكل من يرغب فى امتهان مهنتهم، وخير دليل لكل فرد قد يفكر أن يسلك دربهم. فهم أهل الخبرة فى شئون مهنتهم، ويرغبون لها دوام التجديد والابتكار ومن ثم الارتقاء، وهم النوع الأول من شيوخ أو كهنة المهنة.

وعلى النقيض، إذا ما كان أهل الخبرة صيتهم أكبر من واقعهم وقدرتهم، فسيكونون نكبة على مهنتهم، تجدهم يميلون إلى الدوائر المغلقة المحيطة، والتى نجحوا فى تكوينها، ولا يرغبون لأحد أن يخترقها بأى شكل من الأشكال، ليحافظوا جميعهم على أسرار المهنة، التى يتوجون أنفسهم شيوخًا عليها، ليتكاتفوا جميعًا فى محاربة أى مبتدئ وإن أظهروا العكس بل ودعوا إليه علانية، ليكون ما يظهرون مخالف لما يبطنون، فالويل كل الويل لمن يقترب من سور معبدهم الذي شيدوا أعمدته، وفرضوا قيود الصلاة بداخله لتكون لكل موالٍ وكل موالٍ فقط، وهم النوع الثانى من شيوخ أو كهنة المهنة.

وإذا ما نظرنا إلى الدول المتقدمة فسنجد شيوخ المهنة فى كل مجال يميلون كل الميل إلى النوع الأول، فالوازع لديهم هو الارتقاء ودوام النجاح، فيرحبون بكل طارق على أبواب معبدهم، المتاح دائمًا أمام كل راغب فى الصلاة، ليقدموا له يد العون ويضيئون له الطريق، فعقيدتهم هى أن نجاح الفرد حتمًا سينعكس على ارتقاء المجال الذى يمتهنونه ككل، فهم قوم قلوبهم متسعة لكل ما هو جديد وإضافة أو ابتكار، قد يساهم صاحبها فى تميز مجالهم.

وعلى النقيض تمامًا، إذا ما كان كهنة المعبد نجحوا فى تشييد معبدهم فى دولة نامية، فسنجدهم يميلون كل الميل إلى النوع الثانى من شيوخ أو كهنة المهنة، ليحيطوا مهنتهم بنوع من الغموض، لتبدوا مبهمة أمام أى محاولاً للاقتراب، محاربين كل ما هو جديد ومخالف لعقيدتهم سرًا وعلانية.

وإذا ما نظرنا إلى الأمثلة الواقعية، فسنجد أن المجالات متعددة، بدءًا من مجال الفن ومروراً بكرة القدم ومختلف الألعاب الرياضية، ووصولاً إلى التخصصات العلمية الدقيقة، ففى مجال الفن، أتذكر بداية ظهور مطربى الأغنية الشبابية، وكيف واجهت حروب مضادة هادمة لكلماتها وألحانها، ليمر الوقت وتسيطر الأغنية الشبابية على الساحة الغنائية ويصبح مطربوها هم مطربو العصر، مخالفين توقعات كل من حاربوهم.

وإذا ما نظرنا إلى مجال كرة القدم فسنجد أن أهم اللاعبين على الساحة قد تمت محاربة موهبتهم، وخير مثال أسطورة كرة القدم محمد صلاح، ورفضه فى أندية القاهرة، ليتوج على قمة لاعبي العالم، متحدياً لكل الصعاب التى واجهها ليحولها إلى درجات سلم أسفل قدمه يسردها أمام العالم ليجذب الضحكات بعض الوقت، ويستأثر على القلوب كل الوقت.

وفى مجال العلم والعلماء فحدث بلا حرج، والأمثلة لدينا كثيرة، لكن الأشهر هم الدكتور/ أحمد زويل، والدكتور/ مجدى يعقوب، والدكتور/ فاروق الباز، والدكتور/ مصطفى السيد، والمهندس/ هانى عازر، فكل منهم يحتاج إلى مجلدات تسرد رحلة صعودهم وإنجازاتهم.

وبالإشارة إلى تلك النماذج الحية التى سيخلدها التاريخ، نكون أمام العديد من الدراسات التطبيقية، المعبرة عن شخصيات واجهت تحديات فى محيط مهنتها، ولكن بوجودهم فى البيئة المقدرة لقدراتهم استطاعوا أن يحققوا الكثير من الإنجازات.

ليكون تساؤلنا بصورة عامة ماذا سيكون الحال فى الدول النامية إذا ما قوبلت المواهب والأفكار المبتكرة بشيء من الترحاب من جانب كهنة كل مهنة، مع إتاحة التقويم والتجويد والتنمية دون الهدم، فهل ستظل دولاً نامية أم أن الحال سيتبدل؟ لتكون الإجابة عند كهنة كل مهنة فى كل دولة نامية، فما يدفع درجة تقبلهم لآية أفكار أو توجهات هو أن يظلوا هم المسيطرون على بقاء الوضع على ما هو عليه.

* خبيرة اقتصادية 

[email protected] 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: