Close ad

الحرب ما بعد العولمة

18-1-2023 | 14:11

الحرب المشتعلة فى منطقتنا لم تتوقف منذ عقدين، مسرحها سوريا تحديدًا، تداخلات على أكثر من صعيد من القوى الإقليمية، والكبرى مثل أمريكا وروسيا.

مدت أمريكا وجودها فى العراق إلى إسرائيل، وأصبحت منطقة الشام كلها منطقة أزمة وحرب مستمرة، امتدت إلى تجميد الحياة السياسية والاقتصادية فى لبنان، مسارح الحرب الجزئية، امتدت إلى اليمن، فسقط فى بئر العجز الاقتصادى والمجاعة.

آثار ما بعد، ما عرف بعصر الإضرابات عربيًا، أو «الربيع العربي» الاسم الغربي، مازالت لم تلتئم في الشمال الإفريقي، عندما انفجرت تونس وأعقبها ضرب الناتو فى ليبيا، ثم التغيير فى مصر ما بعد 2011، أى إن المغرب العربي، والشمال الإفريقي يحتاج إلى مرحلة علاج طويلة من الأزمات التى ألمت به، لم يعالج العالم تلك الأحداث بالكامل، بل ظلت تداعياتها مستمرة، حتى انتقلت هذه الحرب إلى أوروبا بعد حرب روسيا وأوكرانيا، انظروا ودققوا فى حروب عصر العولمة، عندما استقر العالم، وامتدت المبادلات التجارية بين القارات جميعًا، طبقًا للأسعار والتكلفة، ظهر ما يسمى الاعتماد المباشر، أسعار الحبوب والأسمدة، تحديدًا فى هذه المنطقة، كانت الأرخص فتخصصت هذه المنطقة فى إنتاجها للعالم، فهم ينتجون فى أوكرانيا وروسيا، ربع الإنتاج العالمى من الحبوب والأسمدة، وتوقفت دول كثيرة عن إنتاج القمح، واكتفت بالاستيراد من المنطقة الأرخص.

هكذا، عندما اشتعلت الحرب، تضرر العالم كله، خصوصًا فى سلعتين إستراتيجيتين لحياة الإنسان المعاصر، الغذاء والطاقة، لأن أوروبا تأخذ طاقتها من روسيا بأسعار أرخص.

وكان العالم منذ أكثر من 10 أشهر على موعد مع الحرب التى أعقبت عالم العولمة، لكى يستيقظ الكثيرون على الأزمة، أصبحنا جميعًا فى خط النار أو على مسرح الحرب، كشفت العولمة عن وجهها القبيح، وأنه من الضرورى أن تكون كل دولة لديها ما يكفيها من احتياجاتها الأساسية، غذاء وطاقة، وهذا لم يكن موجودا عشية الحرب، ولم يسع العالم، عبر قواه الكبرى، أو مؤسساته الدولية (الأمم المتحدة)، لوقف الحرب، بل حدث العكس، امتدت الحرب إلى مشاركة شبه عالمية فيها، العالم الغربى والناتو والولايات المتحدة، تشارك عمليات الحرب عبر دعم أوكرانيا، وحدث استقطاب عالمى، أبرزه أن الصين ومعها الهند، تقفان على الحياد، ولم تسعيا إلى وقف الحرب الممتدة التى ستكمل عامها الأول الشهر المقبل، هكذا انكشفت العولمة فى أول حرب داخل أوروبا، وصدرت الأزمات الجادة إلى كل دول العالم.

العالم المتقدم فى أوروبا، يواجه أزمة طاقة، والعالم الثالث فى إفريقيا أمام أزمة غذاء وارتفاع أسعار ضخمة، دخل العالم إلى دوامة أزمة عالمية طاحنة، كل دولها تشعر بها، الحرب كشفت الجميع، العالم أصبح على شفير امتداد هذه الحرب إلى دول الجوار.

إن مناخ العالم أجمع أصبح يشارك فى الأزمة، ولا يشارك فى الحل، بل إن هناك تأجيجًا للصراعات وامتدادها من منطقة إلى أخرى، التعاون الإقليمى هو الحل الوحيد، فى اتساع رقعة الحروب والأزمات، كما أن الدول والشعوب يجب أن ترتقى إلى الوعى الكامل، ولا تكون أداة فى أيدى من يريدون اتساع رقعة الانهيار، لأنه سيؤدى إلى امتداد الأزمة، وعدم توقفها، الصورة الآن أمام إقليمنا صعبة ودقيقة، الشعوب تريد أن ترى الأمل بعد الاضطرابات وحق الأزمات الاقتصادية الإقليمية والعالمية، نحن أمام تضخم كبير وارتفاع أسعار وتوقف الصناعات، وارتفاع التكلفة الناتج عن توقف سلاسل الإمداد السلعى، الممتدة بين الدول فى عصر السلام، ثم توقفت بها السبل بعد الحرب واتساعها من تزايد رقعة العقوبات المتبادلة بين الغرب وبين روسيا وحلفائها.

الحرب التى غيرت العالم، وهددت العولمة، تعود بالعالم إلى مرحلة ما قبلها، أى الانكفاء الذاتى على إنتاج الدول المحلية والإقليمية، الحرب تخلق مزيدا من الاستقطابات العالمية، وهكذا وجدنا ألمانيا واليابان، قد عادا إلى التسليح ورفع ميزانيات الجيوش لمواجهة المخاوف الجديدة، كل ذلك خصم من الاقتصاد ورفاهية الشعوب، دخلنا عصر الحرب بعد العولمة، وليس هناك من يوقف الحروب، بل نجد اتساع رقعتها، وتتوقف التنمية والاقتصاد فى عصر الشعوب التى تبحث عن مستوى معيشة ووظائف وحياة، كيف ستخرج من هذه الكارثة؟

هذه مهمة العالم فى العام الحالى، فهل هو قادر؟ دعنا نحلم بالأمل الذى لا يتوقف فى أن نرى عالمًا جديدًَا بلا حروب.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة