- نميل إلى أن نكون أكثر سعادة عندما نكون مستقرين عاطفيا
موضوعات مقترحة
- التكنولوجيا الحديثة قلصت حجم التواصل بين البشر وزادت مساحات العزلة بينهم
- الأمم المتحدة: الفنلنديون الأكثر سعادة فى العالم للمرة الخامسة على التوالى
- فى الشمال حيث المناخ البارد والشتاء الطويل توجد أكثر الدول سعادة
يقول أرسطو: السعادة تعتمد على أنفسنا، ويميل عدد من المفكرين والأدباء لهذا المفهوم، إن السعادة ليست شيئا جاهزا، وأن المرء عليه القيام بدور تجاه نفسه، فالسعادة تعتمد على درجة كبيرة من الوعى، لذا فهى عملية عقلية بالدرجة الأولى. وظل سائدا مفهوما غير دقيق أن المال لا يشترى السعادة، ونشر موقع مجلة «بى. بى. سى ساينس فوكاس» دراسة أجريت أخيرا فى جامعة ولاية سان فرانسيسكو، أنه عندما نكون «آمنين ماليا» كما يقولون، يمكن أن يظل المال مجزيا، لكن المحفزات النفسية القائمة على الخبرة مثل: السفر وإقامة علاقات جديدة ومساعدة الآخرين، وما إلى ذلك لديها قدرة أكبر على إسعادك. صحيح، فى العالم الحديث، تحتاج عادة إلى المال للقيام بكل هذه الأشياء أيضا، لكن هذا يعنى فى النهاية أن ارتباط المال بالسعادة أمر غير مباشر، كوسيلة لتحقيق غاية، بدلا من مكافأة مباشرة.
فى دراسة حديثة قام بها علماء متخصصون فى علوم النفس والاجتماع والجريمة بجامعة هارفارد الأمريكية، توصل العلماء إلى أن الحصول على المال يساعد فى الوصول للرفاهية والسعادة، ولكنه ليس أكبر مساهم. وأن الأمر ينقسم لجزءين، الجزء الأول وراثى، فنحن نميل إلى أن نكون أكثر سعادة فى الحياة، عندما تكون "الموصلات" المزاجية لدينا جيدة وتجعلنا أقل عصبية، وأكثر استقرارا عاطفيا، وأكثر لطفا مع الناس. الجزء الثانى متعلق بالبيئة، وهو وجود الإنسان فى المكان المناسب فى الوقت المناسب، أو على العكس المكان الخطأ فى الوقت الخطأ! وأن تواصل البشر مع بعضهم بعضاً هو عامل مهم لإظهار النجاح، لذا فإن عصور الصيد القديمة دعمت المشاركة بين البشر، فى حين أن التكنولوجيا الحديثة تغنى عن تعاملات كثيرة، ومن ثم تدفع للعزلة وتقلل فرص البشر ليصبحوا سعداء!
المال والسعادة!
ربما الأدق أن نقول المال وحده لا يشترى السعادة، وفى أحدث دراسة متعلقة بالسعادة، ثبت أنه يمكن للمال شراء السعادة المؤقتة. هذه الدراسة نشرت على موقع وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة واختيارها "بناس"، وهى المجلة الرسمية للأكاديمية الوطنية للعلوم. وبمعنى آخر أن إعادة توزيع الثروة تعزز السعادة، فقد اكتسب أولئك الموجودون فى البلدان منخفضة الدخل سعادة، ثلاثة أضعاف تلك الموجودة فى البلدان ذات الدخل المرتفع.
وأن القول المأثور القديم "المال لا يشترى السعادة" يبدو خاطئًا بالنسبة لذوى الدخل المنخفض والطبقة المتوسطة. ووجدت الدراسة، التى رصدت آثار منح 200 شخص فى سبع دول مبلغا لمرة واحدة بقيمة 10000 دولار، أن المال يمكن على الأقل تحسين سعادة الناس لمدة ستة أشهر، إذا كانوا يكسبون أقل من 123000 دولار فى السنة.
قال رايان دواير، هو باحث مشارك فى الدراسة، لشبكة "إن بى سى نيوز" إن "عشرة آلاف دولار فى أماكن معينة حول العالم، يمكن أن تشترى لك الكثير حقا"! وأن المال قام بتحسين وضعهم، وبعض الناس أنفقوا الكثير من المال فى سداد رهنهم العقارى، أو القيام بتجديد كبير لمنزلهم". أجرى الدراسة أشخاصًا من ثلاثة بلدان منخفضة الدخل: البرازيل، إندونيسيا، وكينيا، وأربعة بلدان مرتفعة الدخل: أستراليا، كندا، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة. أعطى الباحثون المبلغ المقطوع إلى 200 شخص مختلف وأمروهم بإنفاقه كله فى غضون ثلاثة أشهر. ثم فحصت الدراسة كيف شعر المستلمون مرة واحدة فى الشهر، وقارنتها بمجموعة مختارة من الأشخاص الذين لم يحصلوا على المال.
تم إخبار المشاركين بتقييم رضاهم عن حياتهم على مقياس من واحد إلى خمسة.وقام المستفيدون أيضا بتسجيل كيفية إنفاقهم للأموال، وأظهرت النتائج أن المشاركين من البلدان منخفضة الدخل شعروا بسعادة ثلاثة أضعاف تلك التى يشعر بها المشاركون من البلدان ذات الدخل المرتفع، وأن الأشخاص الذين يكسبون 10 آلاف دولار فى السنة أصبحوا أكثر سعادة بمرتين عن أولئك الذين يكسبون 100 ألف دولار سنويا!
جاءت أموال الدراسة من اثنين من المتبرعين الأثرياء، الذين تبرعوا بما مجموعه مليونى دولار. كان الهدف من البحث هو تطبيق مفهوم شراء المال للسعادة على المسرح العالمى. وأضاف دواير أنه يعتقد أن المزيد من المال سيرتبط بمزيد من السعادة.وقال دواير إنه من المحتمل أن تكون بعض السعادة الواردة فى الدراسة مرتبطة بالحماسة الأولى للأشخاص عند تلقى أموال إضافية، وأن الشعور "ربما يتلاشى ببطء بمرور الوقت إذا لم يتلقوا أى دخل إضافى".
الفنلنديون السعداء
منذ عام 2002، استخدم تقرير السعادة العالمية الذى تقدمه الجمعية العامة للأمم المتحدة، التحليل الإحصائى لتحديد أسعد دول العالم. فى تحديثه لعام 2022، خلص التقرير إلى أن فنلندا هى الدولة الأسعد فى العالم، وذلك للمرة الخامسة على التوالى. ومن أجل تحديد أسعد دولة فى العالم، حلل الباحثون بيانات استطلاع رأى شاملة لمؤسسة جالوب من 149 دولة على مدى السنوات الثلاث الماضية، وعلى وجه التحديد مراقبة الأداء فى ست فئات معينة: الناتج المحلى الإجمالى للفرد، والدعم الاجتماعى، ومتوسط العمر المتوقع الصحى، وحرية اتخاذ خيارات الحياة الخاصة بك.، وكرم عموم السكان، وتصورات مستويات الفساد الداخلى والخارجى.
ومن أجل مقارنة بيانات كل دولة بشكل صحيح، أنشأ الباحثون بلدا خياليا يطلق عليه ديستوبيا، وهو عكس يوتوبيا المدينة الفاضلة المثالية، وهى مليئة بـ "الأشخاص الأقل سعادة فى العالم". ثم وضعوا ديستوبيا كقيمة الحضيض فى كل فئة من الفئات الست وقاسوا درجات دول العالم الحقيقى مقابل هذه القيمة. تم بعد ذلك مزج جميع المتغيرات الستة لإنشاء درجة مجمعة واحدة لكل بلد. ومن المثير للاهتمام أن البلدان السبعة الأكثر سعادة فى العالم لعام 2021 كانت جميع دول شمال أوروبا. واحتلت فنلندا المرتبة الأولى تليها الدانمارك وسويسرا وآيسلندا وهولندا والنرويج والسويد. وأثنى مؤلفو التقرير على مشاعر الدعم المجتمعى القوية والثقة المتبادلة لمواطنى فنلندا، ليس فقط بالمساعدة فى تأمين المرتبة الأولى، ولكن الأهم من ذلك مساعدة الدولة ككل على تجاوز وباء كوفيد-19. بالإضافة إلى ذلك، شعر الفنلنديون بقوة بأنهم أحرار فى اتخاذ خياراتهم الخاصة، وأظهروا قدرا ضئيلا من الشك فى الفساد الحكومى. كلا هذين العاملين يساهمان بقوة فى السعادة بشكل عام. والدانمارك هى ثانى أسعد دولة فى العالم هى الدانمارك، حيث تفوقت حتى على فنلندا فى فئات متعددة، بما فى ذلك نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى، والكرم، والنقص الملحوظ فى الفساد، مما يدل على أنها ربما تحتل المرتبة الأولى فى وقت ما فى المستقبل القريب.
سويسرا باعتبارها ثالث أسعد دولة فى العالم، سجلت أن السويسريين يتمتعون بصحة جيدة، مع أحد أدنى معدلات السمنة فى العالم ومتوسط العمر المتوقع. السويسريون لديهم أيضًا متوسط راتب مرتفع للغاية، وهو أعلى بنحو ٪75 من رواتب الولايات المتحدة، وأعلى نصيب للفرد من الناتج المحلى الإجمالى فى المراكز السبعة الأولى. بالإضافة إلى ذلك، هناك شعور قوى بالمجتمع فى سويسرا واعتقاد راسخ، بأنها بلد آمن ونظيف، وهذا صحيح من الناحية الإحصائية. تعد سويسرا، إلى جانب أيسلندا والدانمارك، واحدة من أكثر دول العالم أمانا.
أيسلندا تحتل المرتبة الرابعة وتتمتع بأعلى شعور بالدعم الاجتماعى أعلى، حتى من فنلندا والنرويج والدانمارك. وحصلت أيسلندا أيضا على ثانى أعلى درجة كرم فى المراكز السبعة الأولى. وهولندا تاتى فى المرتبة الخامسة المعروفة أيضا بجمالها، وتعرف باسم هولندا عاشقة التبوليب، وهى تتصدر قائمة مكافحة الفساد عالميا.
النرويج تاتى فى المرتبة السادسة، وأهم ما يلمسه مواطنو النرويج، أنهم يتلقون اهتماما جيدا من قبل حكومتهم بفضل الرعاية الصحية الشاملة والتعليم الجامعى المجانى. كذلك يتمتع النرويجيون أيضا بتوازن صحى بين العمل والحياة، حيث يعملون بمعدل 38 ساعة فى الأسبوع مقابل 41.5. ساعة فى الأسبوع فى الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، تتمتع النرويج بمعدل جريمة منخفض وشعور قوى بالانتماء للمجتمع بين مواطنيها، وهى ميزة تشترك فيها مع العديد من الشركات السبعة الأولى. وتأتى السويد تأتى فى المرتبة السابعة، وهى من أعلى دول العالم فى نصيب الفرد من الدخل وكذلك متوسط العمر.
الوصفة السحرية
لكن السؤال الذى يطرح نفسه، ما السر وراء سعادة الفنلنديين؟ خصوصا أنها تنافس جيرانها الأقوياء أيضا من الدول الإسكندنافية وغرب أوروبا، أخرى. وهذه بطبيعة الحال نتيجة الأوضاع الممتازة للبلد، الذى يظهر كم هو مكان رائع للعيش فيه؟
ويجيب عن السؤال موقع صحيفة "هلسنكى تايمز" الوحيدة الناطقة بالإنجليزية فى فنلندا. حيث ذكر أن هناك قولا مأثورا فى فنلندا منذ فترة طويلة: أن تولد فى فنلندا مثل الفوز بالجائزة الكبرى، لا أحد يعرف على وجه اليقين من كان أول شخص أطلق هذه العبارة. يقول البعض إن السويدى الراحل داج همرشولد أحد أمناء الأمم المتحدة، هو الذى قال هذا بعد عودته من رحلة إلى إفريقيا، والبعض يقول إنه كان الرئيس أورهو كيكونن فى خطابه العام الجديد لعام 1978.
لكن لماذا الأمة التى تعيش فى الركن الشمالى من العالم، بمناخ بارد وستة أشهر من الشتاء والظلام، تكون أسعد فى العالم؟ بادئ ذى بدء، يعرف الفنلنديون كيفية استخدام وقتهم بنشاط، لا يشكل المطر أو الثلج أو الرياح الباردة عائقًا أمام الخروج للركض أو ركوب الدراجة. عندما يكون الطقس أكثر دفئا خلال فصل الصيف، يحب الناس فى جميع أنحاء فنلندا الخروج والنشاط. من حمامات الساونا فى الهواء الطلق، إلى ركوب الدراجات والتجديف بقوارب الكاياك والمشى لمسافات طويلة والتخييم وغير ذلك، هناك دائما شيء مثير للقيام به عندما يكون لديهم وقت فراغ.ولكن كذلك يفعل الأشخاص فى البلدان الأخرى التى تتمتع بطقس أفضل. إذن، فما الذى يجعل الناس هنا سعداء للغاية فى فنلندا؟ المناظر الطبيعية الجميلة، من أهم هذه العوامل، فتعتبر فنلندا من أفضل الأماكن على كوكب الأرض من حيث الجمال الطبيعى. مع وجود كتل من الغابات البكر ووفرة من البحيرات الصافية، والحياة البرية التى تدعمها، فنلندا جميلة. عندما تضيف أيضا مستويات تلوث منخفضة وهواء نقيا، فمن الواضح ما تقدمه فنلندا لمواطنيها. ويعتقد الكثيرون أن هذا الجمال الطبيعة، هو ما يجعلها مكانا رائعا للوجود فيه. من المعروف منذ فترة طويلة، أن كونك محاطا بالطبيعة والخروج إليها يساعدنا على الشعور بالسعادة.
ونظرا لوجود الكثير مما يمكن رؤيته والقيام به فى الهواء الطلق فى فنلندا، فلا عجب أن الناس هنا إيجابيون جدا. وأحد الأسباب الرئيسية الأخرى التى تجعل فنلندا مكانا سعيدا للعيش، فهى طريقة الحياة المجانية والمريحة. بالمقارنة مع الكثير من دول العالم الغربى، فإن فنلندا أكثر استرخاء وأكثر سلاما مع نفسها. الثقافة الفنلندية دافئة جدا أيضا يعكس برودة الجو، وتركز على التعاون بدلا من المنافسة. من الواضح أيضا أن الشعب الفنلندى يشعر بالأمان ولا يقلق بشأن العالم الخارجى بنفس الطريقة التى يشعر بها الناس فى العديد من الدول الأخرى. وهذا يمنحهم مرونة ملحوظة فى التعامل مع الحياة وعدم ترك المشاكل تحبطهم.بالإضافة لانخفاض مستويات الجريمة، وارتفاع مستوى المعيشة، ونظام تعليمى رائع.وأحد المقاييس المهمة للسعادة فى تقرير السعادة العالمى الأخير هو مدى شعور الناس بالأمان.
وتتصدر فنلندا القائمة بشكل جيد للغاية هنا بسبب انخفاض مستويات الجريمة فيها. والنتيجة الصافية لمعدل الجريمة المنخفض، هذا هو أنه مجتمع يشعر فيه الناس بالأمن والأمان والسعادة. وقامت فنلندا أيضًا بإصلاح نظام التعليم بشكل جذرى منذ سنوات، وقد ساعد ذلك أيضا الناس على الشعور بمزيد من الرضا.حيث يعد النظام المدرسى من أكثر الأنظمة عدلا فى أوروبا، ويحقق بعضا من أفضل النتائج، مما يؤدى إلى توفير المزيد من الفرص للشباب. ويوجد فى فنلندا أيضا نظام رعاية صحية شامل يعد عاملا مهما فى مدى سعادة مواطنيها. وعندما يتم الجمع بين كل هذه العوامل، فإنه يتيح لمعظم المواطنين التمتع بمستوى معيشى مرتفع والشعور بالرضا فى حياتهم اليومية.وأحد العوامل الأخرى التى تجعل فنلندا مختلفة عن معظم الدول الغربية هو المساواة، التى تترجم إلى فرص للجميع بغض النظر عن الخلفية الاجتماعية والاقتصادية التى ينتمون إليها. وتوجد فى فنلندا طبقة وسطى كبيرة جدا، وقليل جدا من الفقراء. كما أن الأغنياء فى فنلندا تقليديون ويخجلون من إظهار ثرواتهم. وربما يقود أغنى الناس فى فنلندا سيارة فولفو قديمة أو ربما تكون سيارة مرسيدس أغلى قليلا، ولكن نادرا ما يقودون سيارة لامبورجينى. وحتى أفقر الناس يحصلون على أفضل تعليم ورعاية صحية، ولا يحتاج أحد إلى أن يكون بلا مأوى. كل هذا بالطبع قد لا يجعل الناس سعداء، لكنه بالتأكيد يجعلهم أيضا مرتاحين.