راديو الاهرام

الأعمدة الأربعة للثقافة الحديثة

14-1-2023 | 13:57

ثمة أربعة مصطلحات أساسية تحدث عنها (اليونسكو) باعتبارها مكونات رئيسية للثقافة الحديثة وهي: التنوع، الوعي، الجوهرية، والكفاءة.

تعدد وتنوع الثقافات أمر حتمي بسبب اختلاف الطبائع والأجناس البشرية، لكن الفارق يأتي من مدى قبول التعددية والمرونة في التعامل معها بلا عنصرية أو فوقية أو تمييز، ثم في استغلال هذا التنوع لصالح المجتمعات، وتتجلى مثل هذه الحاجة في المجتمع الخليجي الذي يغص بالمقيمين الأجانب من مختلف الأجناس.
 
أما الوعي الثقافي أو الحساسية الثقافية فهي تتضمن التواصل بين الثقافات والقدرة على استيعاب التنوع في شرائح السكان لتمتد للأقليات والمهاجرين والأجانب والمغتربين في كل الأنشطة الثقافية والاقتصادية كما في أماكن العمل ومؤسسات التعليم ووسائل الإعلام والمنظمات المجتمعية، بحيث تستوعب مناهج التعليم والتدريب هذا التنوع، ثم الاهتمام بالفئات المهمشة أو المستبعدة اجتماعيًا والنظر في مشاكلهم.
 
الأساس الثالث للثقافة الحديثة يكمن في الجوهرية التربوية التي بدأ (وليم باجلى) في الحديث عنها في مطلع القرن الماضى، ثم تبعه (إي دي هيرش) ثم (مايكل جون ديمياشكفيتش) أولئك الذين يعود لهم الفضل في وضع أسس إصلاح نظام التعليم الأمريكي ليقوم على الجوهرية العقلانية.
 
وخلاصة الأمر أن يكون للدولة رؤية واضحة للتعليم تقوم على أساس فلسفي يمثل جوهر العملية التعليمية، ويمكن القول إن مثل هذه الجوهرية غائبة لدى كثير من نظم التعليم العربية.
 
الأساس الرابع والأهم يُدعى"الكفاءة الثقافية" وهي تمثل مجموعة من الإدراكات الحسية والمهارات السلوكية التي تؤدي إلى فاعلية الاتصال مع الآخرين من ذوي الثقافات المغايرة، فالأفراد الفعالون يُظهرون مستويات عالية من الوعي الذاتي الثقافي ويفهمون تأثير الثقافة على السلوك والقيم والمعتقدات، تتضمن العمليات المعرفية لهؤلاء فهم الجوانب الظرفية والبيئية للتفاعلات بين الثقافات، كما يتطلب الوعي الذاتي لدى التفاعل معها لفرض رقابة ذاتية على أي شيء غير مقبول لثقافة أخرى.. هذا ويرتبط تحقيق الكفاءة بالعقلية المتفتحة والمرونة واحترام الآخر، ثم من إتقان اللغة الأجنبية والمهارات الاجتماعية العامة.
 
ولتحقيق الكفاءة الفكرية والثقافية ثمة خمس مهارات مطلوب تحقيقها وهي:
1- اليقظة: أي القدرة على الوعي المعرفي بكيفية تطوير التواصل والتفاعل مع الآخرين.
 2- المرونة المعرفية: أي إمكانية إنشاء فئات جديدة من المعلومات بدلًا من الاحتفاظ بالفئات القديمة، تتضمن هذه المهارة الانفتاح على أفكار مختلفة وأخذ أكثر من منظور، وفهم الطرق الشخصية لتفسير الرسائل والمواقف.
3 - التسامح : فبشكل عام يبحث الأفراد ذوو التسامح المنخفض عن المعلومات التي تدعم معتقداتهم، بينما يبحث الأفراد ذوو التسامح العالي عن المعلومات التي توفر فهمًا للموقف والآخرين.
4- التكيف الاجتماعى: القدرة على المواءمة مع سلوكيات الثقافة المختلفة، إذ ينبغي أن يكون الفرد على استعداد لاستيعاب الثقافة الجديدة.
 5 - التعاطف عبر الثقافات: القدرة على تصور حالة شخص آخر من خلال الخيال من وجهة نظر فكرية وعاطفية، والإنصات الشغوف للآراء المخالفة.
 
دور الإعلام والتعليم
في جانب الإنفاق على التعليم يشار عادة إلى ارتفاع نسبة هذا الإنفاق من إجمالي النفقات الحكومية سنويًا كمؤشر على تحسن خدمات التعليم، والحقيقة أن الإنفاق السخي على التعليم يعد ضروريا لتحسين وضع التعليم والحالة التعليمية للسكان عمومًا، ولكن الإنفاق الضخم على التعليم يعد عنصرًا واحدًا من مجموعة عناصر كثيرة مؤثرة في تحسين خدمات التعليم ورفع كفاءته كالمناهج والمعلمين وطرق ووسائل التعليم، والدليل على ذلك أن دولا مثل اليمن وموريتانيا والمغرب هي من أكثر الدول العربية التي تخصص للتعليم في ميزانياتها نسبة كبيرة من إجمالي الإنفاق الحكومي السنوي فيها، حيث يتراوح بين 18-23% من إجمالي الإنفاق في معظم السنوات المالية، لكن هذه الزيادة لا تعكس تحسنا في خدمة التعليم، ونعتقد أن ذلك يرجع إلى سببين أساسيين الأول هو أن الإنفاق مهما كان مرتفعًا يعد عنصرًا غير كاف لتحسين التعليم أو رفع كفاءته إذا غابت العناصر الأخرى المتعلقة بكفاءة التعليم من حيث التوزيع العادل للخدمة التعليمية وتعميمها للأفراد أينما وجدوا وبمختلف فئاتهم، ومن حيث المناهج التعليمية والمعلمين وأساليب وطرائق التعليم. 
 
والسبب الثاني يتعلق بكشف الغموض في العلاقة بين ارتفاع نسبة الإنفاق على التعليم وبقاء حالة التعليم متدنية أيضًا، فارتفاع نسبة الإنفاق لا تمثل شيئًا ذا قيمة بالنسبة للقيمة الفعلية في السوق لذلك الإنفاق نتيجة التضخم، كذلك فإن نحو 90% من هذا الإنفاق.. يلتهمه باب الأجور!
 
الشباب اليوم وصغار السن منحازون للثقافة الإليكترونية والفضائيات وهو أمر مطلوب إذا أجيد استغلاله، إذ ينبغي ألا تطغى ثقافة الفيديو كليب والمسلسلات على الاهتمام بالبرامج الهادفة والمعلومات التقنية التي وصلت إلى حد إمكانية التعليم والتدريب عن بعد، وعلى مستوى صناعة الإعلام لابد من إعداد مناهجها على أساس نشر مبادئ العلوم وتبسيطها وإجراء المسابقات التنافسية وفتح باب النقاش الفكري التفاعلي ووضع خطط تنموية وإستراتيجية تساعد في تحقيق طموحات الشباب؛ مما يسهم في تحقيق الرقي والتقدم.
 
وقد ألّف عميد الأدب العربي طه حسين كتابًا شهيرًا هو (مستقبل الثقافة في مصر) في زمن نتحسر اليوم على فواته مع غياب النخب الثقافية الآن، وكان يحدوه الأمل أن يأتي اليوم ويتحقق حلمه حول الثقافة الذي رسمه بريشة الأديب المبدع، وبدلًا من أن نتقدم في مجال الثقافة والفنون ولو خطوة واحدة ترجعنا خطوات.
 
فمتى يتحقق الحلم الفردوسي لعميد الأدب العربي ونجد في مصر أرضًا خصبة للعلم والثقافة والفن؟
 
[email protected]

كلمات البحث
الأكثر قراءة