Close ad

الشاعرة بهية طلب: الكتابة تحولت إلى سلعة

11-1-2023 | 17:52
الشاعرة بهية طلب الكتابة تحولت إلى سلعةالشاعرة بهية طلب
حوار أجراه ـ السيد حسين
الأهرام العربي نقلاً عن

قصيدة النثر هى العالم الأرحب للشعر والشعراء

موضوعات مقترحة
عندى القدرة على تمزيق ومحو ما لا يعجبنى
لا توجد حركة نقدية مصرية أو عربية مواكبة للشعر
القصيدة مكون رئيسى ووسيلتى الوحيدة للاشتباك مع الحياة
الشعراء الحقيقيون ينأون بأنفسهم عن الصراع ويكتفون بنشر دواوينهم
القصيدة العمودية تدور فى دوائر مغلقة منذ نشأتها

الجميع يؤكد أن الشعر فى أزمة،  فى العالم كله،  والأزمة خانقة لدرجة تجعل دور النشر الخاصة بالتحديد، تتحفظ على طباعة الدواوين،  والمكتبات تحول بين المطبوع ومنافذ التوزيع،  لكن رغم ذلك فإن الشاعرة بهية طلب ترى أنه لا توجد أزمة فى الشعر العربي،  وعلى حد قولها: «لدينا أصوات شعرية رائعة ورؤى متجددة فى الشعر فى مصر وفى جميع البلدان العربية،  وإذا كان الأمر فى القراء أو المتابعين فهذا يرجع إلى قلة الترويج للشعر».

بهية طلب،  شاعرة وكاتبة تخرجت فى جامعة المنصورة،  ليسانس الآداب قسم اللغة العربية،  وحصلت على دبلوم المعهد العالى للدراسات الشعبية بأكاديمية الفنون عام 1995،  وتعمل باحثة بأطلس الفلكلور المصرى التابع لوزارة الثقافة.

صدر لها دواوين: “اعترافات عاشقة قروية”،  “العشق تميمة جنوبية”،  “تفاصيل ضد”،  “أيام للموتى”،  “تاريخ النعامة”،  “عدسات لاصقة لعبور نهر”،  “قبل هروب أنجلينا جولي”،  “بهية اسم للبكاء”،  “طرق فاشلة لاستعادة الأحبة”.. تم تكريمها من قبل مؤسسات ثقافية مصرية،  وهنا حوار معها فإلى التفاصيل.

< ما الذى جاء بك إلى الشعر؟

ربما نشأتى فى عائلة ممتدة، يتشارك فيها الجد والجدة وجدات أبى وعماتى وأخواتى كل بحكاياته،  وكان جدى وأبى يحبان المواويل، ويسافران للاستماع إلى غناء أى “صييت” فى الموالد والأفراح البعيدة عن قريتنا،  وكانا يتبادلان ما يسمعانه، وما حفظاه فى ليالى الشتاء،  ونحن بجوارهما،  هذا ما أدخلنى فى محبة هذا العالم.

< هل توافقين على أن الشعر العربى فى أزمة؟

لدينا أصوات شعرية رائعة ورؤى متجددة فى الشعر فى مصر وفى جميع البلدان العربية،  وإذا كان الأمر فى القراء أو المتابعين،  فهذا يرجع إلى قلة الترويج للشعر فى عصر الميديا،  فالناس يبحثون عن الشعر،  بدليل هؤلاء المتابعين لصفحات يدعى أصحابها قول الشعر،  وما يقولونه غثاء،  لكن القارئ يحتاج إلى ناقد يوجهه،  وأصبح النقاد قلة لأن سعيهم يتجه للرائج، الذى يجد جماهيرية أكثر، وكم شهدت ندوات لروايات لا تستحق عناء حمل أوراقها، ووجدت النقاد يتمترسون لمناقشة جمالياتها، أعتقد بعد طفرة التكنولوجيا هذه، أصبحت الكتابة سلعة ومن ينادى على بضاعته أكثر هو الفائز وهو الذى يحقق “البيست سيلر” التى لا يدخل الشعراء للمنافسة عليها،  ثم نأتى للمسابقات والجوائز المالية الضخمة التى تتوفر للرواية التى يتنافس الجميع للحصول عليها،  أما الشعر فله الله،  والجوائز التى يخصصونها له مازالت تقف عند الشعر العمودى وقصائد المديح،  التى لا يجيدها إلا قلة،  قد تخرج منهم بقصيدة شعر.

< لماذا يفتقد الشعر إلى القراء؟

لم يتم عمل دراسة إحصائية لمن يقرأون الشعر، ربما فى متابعاتى لصفحات الكتب على السوشيال ميديا هناك اهتمام واضح بالرواية والترويج لها، فالشعر يحتاج إلى وقت من قارئه للتفاعل معه واستيعابه والتغلغل داخل الروح، فأنا كشاعرة أجد صعوبة فى قراءة ديوان شعر فى المترو أو أى وسيلة نقل فى مقابل الرواية التى يمكن أن تصطحبها معك فى أى مكان فلو فاتك شيء منها ستستعيده من خلال الحدث، أما الشعر لا تستطيع أن يفوتك منه حرف فلابد أن تستعيد القصيدة كاملة،  نحن لسنا فى أزمة شعر أو شعراء نحن نحتاج للترويج للشعر، كما يحدث للرواية، لكن الشعراء الحقيقيين عادة ما ينأون بأنفسهم عن هذا الصراع ويكتفون بنشر دواوينهم،  ربما تصل القصيدة إلى قارئها فى يوم ما.

< هل يواكب النقد حركة الشعر العربي؟

لا توجد حركة نقدية مصرية أو عربية مواكبة للشعر،  وجميعنا نحاول بشكل فردي،  حين نجد كتابة جيدة نشير إليها أو نناقشها،  لكنها لا تمثل اتجاها نقديا.

< “نساء التفاح” عنوان مجموعتك الشعرية الجديدة،  ما ظروف ولادة هذه المجموعة؟

هؤلاء النساء كتبتهن فى بعض قصائد دواوينى السابقة،  ولكن على شكل مقتطفات،  فقررت أن أكتبهن ثانية بشكل مستفيض،  وأناقش من خلال الكتابة ما الذى جعلهن يعلقن فى ذاكرتي،  وما كل هذا الألم الذى يحملنه فتغلغل فى روحي.

< هل هذا تحيز للمرأة؟

ولماذا لا يكون تحيزا للمرأة فأنا امرأة، أكتب عما يشغلنى ويشغل غيرى أى عيب فى هذا؟!

< صدر لك العديد من المجموعات الشعرية ماذا عن تلك الرحلة؟

كانت بداياتى مع شعر التفعيلة فى ديوان “اعترافات عاشقة قروية” عام 1992، ثم اتجهت بعد ذلك إلى كتابة  قصيدة النثر فجزء كبير من ديوان “العشق تميمة جنوبية” وصدر عام 1995 يشتمل نصفه على قصائد لا تخضع للتفعيلة رغم ما علق بالجزء الأول منه فى بعض القصائد التى كتبتها كقصيدة تفعيلة، بعدها انقطعت سبعة أعوام عن الكتابة، وجاءتنى القصائد كل عام قصيدة أو قصيدتين حتى ظننت أن الشعر هجرنى، فهذه الدواوين كل منها على حدة، يحاور العالم الذى نعيش فيه، ويعبر عن رؤيتى لحياتى وحياة الآخرين الذين يعيشون على هذه الأرض عبر سنوات حياتى وخبراتى وقناعاتى ومحبتى لهذا الكون.

<  يخيل إلى فى كثير من الأحيان أن القصيدة هى التى تكتبك،  هل تشعرين بأنك “متورطة” فى الشعر إلى هذا الحد؟

الشعر مكون رئيسى داخل حياتى، فأنا أعيش به، وأنتظره، هو وسيلتى الوحيدة للاشتباك مع الحياة والقصيدة تكتبنى أو أكتبها لا يهم المهم أن تخرج قصيدتى لا تخجل من كتابتى إياها وتصطدم أو تتشارك مع من يقرأها ويستمتع بها،  مفهومى للشعر هو أن يتسق معى ومع ما أراه وأستوعبه خلال رحلتى فى الحياة، فأنا مازلت أندهش للتحول الذى أصاب البشر، لكنى لا أنكر الاختلالات القيمية التى يمارسها الآخرون فى حيواتهم بل أستوعبها وأحرص على ألا أماثلهم، ولكنى أكشفهم من خلال الشعر وأطالب بالجمال والمحبة وأنا موقنة أنه لن يتغير شيء لكن علينا أن نحاول.

< فى قصائدك حس صوفي،  هل تذهبين إليه بدافع إثراء الدلالات الجمالية؟

لا أختار منحى معينا أكتب به قصيدتى فأنا عادة أقرأ وأتعلم وأتابع ما يحدث فى الكتابة، وأخذت وقتا لدراسة علوم الطاقة التى تتماس ولو قليلا مع طرق المتصوفة وآرائهم، ومازلت فى مراحل بحثى عما يطفئ نار الأسئلة داخلي.

< كيف تصفين قصيدتك فى هذا المسار العام؟

أتابع ما يكتب من غث وثمين، وأستطيع أن أمزق قصيدة بعد كتابتها حين أراها لا تتعدى مرحلة ما فى الكتابة عندى على الأقل وفى الكتابة عند الآخرين على الأكثر، أنا أكتب ما أحبه ولكنى أنشر داخل دواوينى ما ينال بعض الرضا داخلي.

< فى ظل انحسار جمهور الشعر،  وتكاثر الشعراء على ماذا تراهن قصيدتك؟

على الجدة والدهشة وألا أشبه كتابة أخرى سواء من النساء أم الرجال.

< هل تعتقدين أن قصيدة النثر مؤهلة للبقاء؟

هذا كلام قديم يمكن أن نطلقه على القصيدة العمودية، وليس على قصيدة النثر فقد مدت جذورها فى الأرض من زمن ولا تحتاج إلى هذه الأقوال التى يبتدعها كتاب مقلدون للشعر الجاهلى، ويا ليتهم استطاعوا إضافة جديد لما أتى به الشعراء القدامى قبل هذا.

< هل هناك “صراع” بين قصيدة النثر والقصيدة العمودية؟

لا توجد منافسة أصلا بين القصيدة العمودية التى تدور فى دوائر مغلقة منذ نشأتها من جناس وتطابق وقافية ملزمة وعروض لا يتم كسره، كلها قيود تخلصت منها قصيدة النثر لتجوب كل لحظة عوالم مختلفة وتملأ ثقوب النفوس.

< هل يمكن القول إن شعراء قصيدة النثر راهنوا على “خيول مريضة”؟

أى خيول مريضة؟ لا يرى هذا إلا مرضى القصيدة العمودية والمغرمين بالطنطنة، قصيدة النثر هى العالم الأرحب للشعر والشعراء.

< قبل عقود،  كان الشاعر أشبه بكتيبة تقود جيلاً إلى الوعي،  كيف تفسرين ابتعاد أغلب الشعراء عن هذا الدور؟

ليس هناك مكان للبطولة بالشعر،  فإما أن تكون شاعرا أو بطلا،  نحن نطرح ما لدينا فى القصيدة، فلم يكن الشعر أبدا ساحة لحرب.

< هل قالت الشاعرة بهية طلب كل ما يجيش فى ذاتها؟

أكيد لم أقل كل ما عندى، فكل يوم أضيف إلى معارفى وخبراتى جديدا، ولا أكف عن القراءة والمشاهدة وأنتظر الشعر.

<  تحول العديد من الشعراء إلى عالم الرواية هل راودتك تلك الفكرة؟

جربت فى كتابة الرواية لأرى ما أملكه من مهارات هل تصلح لكتابة الرواية، وأنهيت رواية أسميتها (أبي) تقترب من السيرة الذاتية، ولم أفكر فى نشرها أبدا، فأنا قارئة رواية ومتابعة جيدة للرواية المصرية والعربية والعالمية، وأستطيع أن أناقش وأنتقد، لذلك لم أفكر فى نشر روايتى أبدا لأنى وجدتها ينقصها الكثير لتكون رواية أرضى عنها.
أما اتجاه الشعراء لكتابة الرواية، فلهم أفكارهم بأن الشعر لا يأتى عادة ولديهم الكثير الذى يريدون طرحه وقوله وهم صادقون فيما يفعلون وأجد الشعراء الذين كتبوا الرواية أضافوا كثيرا إلى جمالياتها.

< شاركت فى كتاب أطلس الخبز،  أطلس الآلات الشعبية،  أطلس الفخار،  فهل لك أن تقربينا من طبيعة هذه العلاقة التى ربطت بينك وبين الفولكلور؟

منذ طفولتى وأنا مغرمة بالأمثال والمواويل التى كان يطلقها جدى وأبى وأغانى الأفراح وحكايات أمى وجدتى لنا عن الشاطر حسن، كنت أحب أن أقيم بهذا العالم وأن أدرسه، فانضممت للمعهد العالى للدراسات الشعبية فى أكاديمية الفنون وصرت باحثة فى الفلكلور فى مشروع الأطلس، الذى ترعاه الهيئة العامة لقصور الثقافة لمحبتى لهذا العالم الذى كانت له صلة وثيقة فيما أكتبه من شعر.

< أَليس العالم بدون شعر خرابا وخواء؟

قلت فى قصيدة لى فى ديوان “نساء التفاح” (فى قاعات الشعر لا يشبهنا إلا الشعر) هو هذا الذى يضيء داخلنا ويعرفنا أكثر منا، ولكنى كثيرا ما تمردت عليه وحاولت الخروج من عباءته، أخبرته أننى حين أخرج عليه لن أعمل كتاجر عبيد كما فعل رامبو، وقلت إننى سأراعى البنفسج وأفتح طاقات للشمس لتمر بها للأرواح، لكنى لم أعد أحتمل كل هذا الألم الذى يتلبسنى حين أرى بؤس هذا العالم القتال والمجاعات والأوبئة والثورات الفاشلة، كل هذا القبح لا تحتمله نفس شاعرة أردت أن أتحول لامرأة عادية تمشط شعرها ولا تمشط رأسها كل لحظة،  تنظر إلى الانفجارات على شاشة التليفزيون ثم تدير وجهها ببساطة لتطفئ شعلة موقدها حتى لا يفسد الطعام ولا تنسى مثلى، فالشعر لا يترك شيئا إلا ويناقشه فنحن نتحول مع الوقت إلى فلاسفة وسوفسطائيين ومتصوفة وكذبة وصادقين جدًا فى زى شعراء كل هذا ولا أعرف ما أفعله إذا هجرنى الشعر.

<  قصيدة عذبتك كثيرًا؟

لم تكن قصيدة كانت ديوانا ففى ديوان “قبل هروب أنجلينا جولي” ضممت إليه كل ما يخص تجربتى مع مرض السرطان، وحاولت كثيرا ألا أتورط فى هذه الكتابة، لكنه الشعر لا ننجو مما يريده، لذلك حرصت على طباعة الديوان بأقصى سرعة، ولم أنتظر دورا فى دور النشر الحكومية وطبعته فى دار نشر خاصة حتى لا أطيل الكتابة فى هذا المرض المعذب.

< هل هناك مناطق محظورة فى شعرك؟

لا أحدد قصيدتى بأطر معينة وأنتظرها وحين لا تأتى وهذا يحدث كثيرا هناك القراءة والقراءة دائما بانتظار الشعر.

< هل تعتقدين أن مواقع التواصل الاجتماعى وضعت الشعر فى فضاء أرحب؟

أعتقد أنها ساعدتنا كثيرا حتى فيما بيننا كشعراء فنحن نقرأ جديد بعضنا البعض ونستمتع به، وكنا قبلا نتلاقى فى أمسية بعيدة، ونستمع لبعضنا، قصرت الميديا المسافة كثيرا، وأضافت إلينا، وفتحت أبواب العالم أمام الشعر والشاعر والمهتمين به.

< متى يجب أن يتوقف الشاعر عن الكتابة؟

الشعر هو من يختار متى يتوقف الشاعر.

< ما مشاريعك المقبلة؟

فى الشعر لا أعرف، فبين كل ديوان وما يتلوه، يستغرق الوقت منى خمسة أعوام وأنا مازلت فى عامى الأول بعد «نساء التفاح» أما فى العمل فقد أتممت إعداد كتاب عن الحكاية الشعبية فى مصر،  وهو مجهود مجموعة من باحثى أطلس الفولكلور المصري،  وبانتظار طباعته.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: