راديو الاهرام

التهجم على العلماء «لعبة مكشوفة» (١)

11-1-2023 | 16:06

 في عنفوان زعيم الأمة سعد زغلول، وقد التف حوله جموع الشعب المصري باعتباره رمزًا للمشروع القومي الأكبر آنذاك، وهو التخلص من الاحتلال الانجليزي البغيض، كان ملء السمع والبصر محليًا وإقليميًا وعالميًا، فإذا بصحفي وكاتب نكرة يهاجمه وينشر مقالًا يشتم فيه سعد باشا، ويهاجمه بضراوة لفتت الانتباه، فاستدعاه الباشا ليعرف منه سبب الهجوم، فقال له: أنا كاتب مغمور وصحفي لا يعرفه أحد، فأردت أن أشتهر على حساب اسمك وشهرتك(!!).
 
هذا الموقف من ذلك النكرة، تكرر كثيرًا ويتكرر وسيظل، من قبل الساعين إلى الشهرة ولو رخيصة، التهجم على الكبار مسألة ساذجة، والتهكم على علماء الأمة - القدامى والمحدثين - لعبة مكشوفة، إذ تثبت الشواهد الماثلة وتؤكد المشاهد الدالة، عبر ذاكرة التاريخ خاصة المنظور، أن هؤلاء مجرد «انكشارية» يتسولون الفتات على موائد فقيرة، جزاءً وفاقًا، باعتبارهم فقراء الفكر..!
 
 اشتم عربيًا تحقق «التريند» في الميديا، وتصير نجمًا وتنهال عليك الدولارات من كوكب النت، اسخر من مسلم تحصل على صك الغفران، ويسقط عنك التكليف، وتنمحي ذنوبك ولو كانت مثل زبد البحر، ساهم في هدم قامة مفكر، وقلل من قيمته زورًا وبهتانًا، يبنون لك قصرًا مشيدًا من حيث لا تحتسب.
 
سب عالمًا كبيرًا من علماء الأمة، ترضى عنك حكومة العالم الخفية، وتسخر لك وكلاءها فيثبتوك في مكانك، ويمنحوك الجوائز الثمينة والسمينة.. اهدم قيمة تعِّمر معهم ويطول وجودك، ويتضخم رصيدك.. اكتب تدوينة كاملة تمارس فيها جلدًا للذات، تحصد تعليقات مثل: «رائع، ممتاز.. مشكوووووور.. اضغط هنا لمعرفة من زار بروفايلك» 
 
لمصلحة من.. نتهكم وبكل هذه الكثافة على علمائنا، الذين جاهدوا طويلًا ليجعلوا موازيننا ثقيلة، ومن خفت موازينه في عالم اليوم فأمه ضائعة ومسلوبة الإرادة، ويسقط بسهولة في هاوية ليس لها قرار.
 
لمصلحة من.. وبهذا التزامن نشوِّه مفكرينا، الذين هم حملة مصابيح التنوير الحقيقي، وليس التنوير الأعمى الذي يثرثر به الببغاوات بما يرددونه من مقولات وهمية لا يفقهون ما هية أصحابها، في العصور الوسطى الأوروبية بكل ظلامها وإظلامها وثقافة التخلف التي تتغشاهم؟
 
لمصلحة من.. نترك حملة مشاعل الإظلام يواصلون الزيف بمصدريته، ويلصقون أقنعة التضليل بمرجعيته، ولا يبالون أنهم عندما لا يدفعون ثمن البضاعة فإنهم البضاعة نفسها، وهم لا يشعرون أو يشعرون.
 
أقول قولي هذا، وأنا أرفع حاجب الدهشة، من حملة الهجوم المفاجئ، على العالم الجليل، الشيخ محمد متولي الشعراوي، الذي غاب عن دنيانا، فجر يوم الأربعاء ١٧/٥/ ١٩٩٨ عن عمرٍ ُناهز التِّسعين، وإن كان لا يزال حيًا في وجدان العالم الإسلامي قاطبة بأحاديثه وخواطره حول القرآن الكريم، التي ظل يبثها للخاصة والعامة على مدار ٢٣ عامًا متواصلة، وطبعت في مجلدات ورقية لا تزال هي الأكثر انتشارًا.
 
الشيخ الشعراوي أكبر من يدافع عنه إنسان، ليس فقط لأنه ليس في موقف دفاع، بل لأن نفي العيب عمن لا يستحق العيب هو عيب!! والشيخ الجليل واضح وضوح الشمس في كبد السماء، عبارة واحدة من خواطره الدينية تنسف هذه الثرثرة الكثيفة نسفًا.
 
تابعت الحملة وما وراء الحملة، لم أجد كلمة واحدة مفيدة أو محترمة تقف عندها وتجادلها.. إنها ثرثرة مجرد ثرثرة.. هل يحتاج الشعراوي إلى مسرحية عنه؟ بل.. ولا ألف ألف مسرحية!! اسمه يرفع قدر من يكتب عنه أو يذكره فكريًا وفنيًا وأدبيًا ودراميًا على وجه التحديد.
 
وصدق الشاعر الذي قال عن قصيدته في سيدنا محمد صلى الله عليه وملائكته:

أنا ما مدحت محمدًا بمقالتي 
لكن مدحت مقالتي بمحمد 
 فهل تعقلون.. يا هؤلاء..؟
 
متى ندرك أن غياب العلماء مصيبة عظمى، وحادث جلل، لما لهم من الأثر البليغ، يُعرف بهم النور من الظلمات، والحق من الباطل، والحلال من الحرام، والضار من النافع، علميًا وعمليًا ودنيويًا وأخرويًا.
 
الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها 
متى يمت عالمٌ منها يمت طرفُ 
كالأرض تحيا إذا ما الغيث حل بها 
وإن أبى، عاد في أكنافها التلفُ
 
وجاء في الأثر كلمات كثيرة عن معنى قيمة عالم من العلماء: للأمة أنه بدرها الساري، وسلسالها الجاري، حياتهم غنيمة، وموتهم مصيبة، يذكرون الغافل، ويعلمون الجاهل، لا يتوقع لهم بائقة، ولا يخاف منهم غائلة، بحسن تأديبهم يتنازع المطيعون، وبجميل موعظتهم يرجع المقصرون، جميع الخلق إلى علمهم محتاج، والصحيح على من خالف بقولهم محجاج.
 
لمصلحة من.. نظل نروج للوصف البغيض إياه «العرب ظاهرة صوتية» وهو تعبير صهيوني نفثه أحد الحاقدين، ونواصل الثرثرة المجتمعية، وإراقة الدماء الاجتماعية، وإهدار القيم النبيلة، والتشكيك في التكوين، بالمحاولات التي يستمرأها البعض في الداخل والخارج، للنيل من ذاتنا: اسمًا ورسمًا وصوتًا وسمتًا وحدسًا ونفسًا وحسًا، لكن هيهات! التهجم على العلماء «لعب عيال».

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة