Close ad

بعد تصريحات ماكرون الأخيرة.. أوروبـــا تفكــر في الاستقلال عن أمريكا

10-1-2023 | 18:37
بعد تصريحات ماكرون الأخيرة أوروبـــا تفكــر في الاستقلال عن أمريكاالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
رشا عامر
الأهرام العربي نقلاً عن

أظهرت استطلاعات الرأى أن الأوروبيين ينجذبون أكثر إلى قيادة الرئيس الفرنسى فيما يتعلق بالقضايا الأوروبية
موضوعات مقترحة
أعادت الحرب فى أوكرانيا ترسيخ الفكرة المركزية لمشروع ماكرون والتى تتمثل فى منح أوروبا الاستقلال الإستراتيجى
واجهت فرنسا أوقاتاً صعبة فى علاقاتها مع بقية العالم خصوصا إفريقيا الناطقة بالفرنسية

 

بينما تريد باريس الاستمرار فى تأكيد دورها على الساحة الدولية، لا سيما فى إفريقيا، فإن برلين تحصر نفسها فى موقف الانتظار والترقب الحذر وفى هذا الصدد، فإن الاختلاف فى التوجهات الجيوسياسية، والعسكرية أيضًا، بين فرنسا والدول الأوروبية الكبرى الأخرى مثل ألمانيا، واضح بينما تريد باريس التأكيد على دورها على الساحة الدولية من خلال التدخلات الخارجية، التى تحدث فى مناطق يغلب عليها الطابع الإفريقى أو الشرق أوسطى، فإن برلين تترقب فقط، لا سيما بعد عودة الدفاع الأوروبى إلى الواجهة مرة أخرى.

هذه الفكرة القديمة، التى تفترض تحول سياسة الأمن المشتركة إلى سياسة دفاع مجتمعية فيما يعتبر واحدة من أعظم مشاريع أوروبا غير المكتملة، ومع تعثر الاتحاد الأوروبى فى ظل خروج بريطانيا منه والأزمات المالية الأخيرة، قبل الرئيس الفرنسى الشاب التحدى المتمثل فى الدفاع عن أوروبيته، لدرجة أنه أصبح الآن عنصرا أساسيا فى الدبلوماسية العالمية فلطالما كان مخلصًا جدًا لأوروبا.

فى مساء انتخابه لرئاسة فرنسا، 7 مايو 2017، عبر باحة متحف اللوفر، لينضم إلى أنصاره على أنغام النشيد الأوروبى، وفى مطلع هذا العام ترأس الاتحاد الأوروبى ليتحاور مع فلاديمير بوتين وعظماء هذا العالم خلال المناقشات حول الحرب فى أوكرانيا والأمن الأوروبى والنزاعات فى إفريقيا.

خاطر الرئيس الفرنسى الموالى بشدة لأوروبا منذ فترة طويلة، بعرض مواقفه المؤيدة لها بشكل علنى عندما استشعر أنها تتراجع عن دورها، فعندما وصل إلى السلطة قبل خمس سنوات، كانت المملكة المتحدة تتجه نحو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكانت بولندا والمجر تتحديان علنًا قواعد حقوق الإنسان فى الاتحاد الأوروبى، وكانت الأحزاب المشككة فى الاتحاد الأوروبى تكتسب زخمًا، وأرضًا فى فرنسا والقارة القديمة.

يرى ماكرون أن أوروبا بدون فرنسا كيان غير مهم وغير موحد، وأن فرنسا بدون أوروبا، قوة متضائلة فى مواجهة الولايات المتحدة والصين وروسيا، ما جعل سياسته الأوروبية سلاحًا للسياسة الداخلية، خصوصا عندما كان على وشك الفوز بولاية ثانية كرئيس لفرنسا.

قبل اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا فى 24 فبراير، أعطته استطلاعات الرأى نسبة 23% إلى 24% من الأصوات فى الجولة الأولى فى 10 إبريل متقدمًا بفارق كبير عن مارين لوبان، من التجمع الوطني، الذى تذبذب بين 15% و 17%. وأدى اندلاع الحرب فى أوروبا والتزامه بالسلام إلى تعزيز إمكاناته الانتخابية، بنسبة تصل إلى 30% وفى الجولة الثانية، فى 24 إبريل، أعطته الاستطلاعات قصر الإليزيه للمرة الثانية على طبق من ذهب.

الأوروبيون وماكرون

أظهرت استطلاعات الرأى أن الأوروبيين ينجذبون أكثر فأكثر إلى قيادة الرئيس الفرنسى فيما يتعلق بالقضايا الأوروبية، ففى شهرى يناير وفبراير، قبل الحرب، كلف المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية بإجراء مسح كبير، شمل 15000 شخص فى 12 دولة عضو فى الاتحاد الأوروبى، وركزت الأسئلة على موقف الأوروبيين تجاه إدارة التحديات العالمية، وأكدت النتائج أن خيارات الرئيس ماكرون مؤيدة لأوروبا، بل وكشف الاستطلاع عن أن هناك إحساسًا جماعيًا بمعالجة تحديات السياسة الأكثر أهمية بالنسبة لهم، وهم مرتاحون بشكل عام لفكرة إن الفرنسيين يقودون هذه الجهود التعاونية.

لم يكن التصريح الذى أدلى به ماكرون فى حواره الأخير مع صحيفة لوموند وعدة صحف أخرى، حول استقلالية أوروبا عسكريا عن الولايات المتحدة وليد اللحظة، لكن كان دوما مشروعه الطموح بالنسبة لأوروبا، التى طالما دعا إلى تغييرها لكى تصبح قوة أكثر استقلالية وأكثر سيادة، قادرة على حماية سكانها من صعوبات الحياة وحماية أنفسهم من وحشية العلاقات الدولية.

أعادت الحرب فى أوكرانيا ترسيخ الفكرة المركزية لمشروع ماكرون، والتى تتمثل فى منح أوروبا الاستقلال الإستراتيجى فى العديد من المجالات، كما سمحت لماكرون بالتحدث مرة أخرى عن بناء أوروبا للدفاع والأمن، فلطالما جادلت فرنسا لصالح الاستقلال العسكرى عن الولايات المتحدة، سواء داخل الناتو أو خارجه.

لكن كان هناك العديد من العقبات أمام هذا المشروع، حيث رفضته المملكة المتحدة، وتحدثت عنه ألمانيا دون أن تعيره الاهتمام الكافى، وكانت دول أوروبا الشرقية تخشى منه مثل الطاعون، معتبرة أن الضمان الأمنى الأمريكى أقوى من أى هيكل أمنى أوروبى.

لكن مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، أصبحت فرنسا القوة النووية الوحيدة فى الاتحاد الأوروبى والوحيدة التى تشغل مقعدًا دائمًا فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وجاءت الحرب فى أوكرانيا بمثابة صدمة، وأقنعت الأوروبيين أخيرًا بالتحرك، حيث إنه وللمرة الأولى يمول الاتحاد الأوروبى مشتريات الأسلحة لدولة غير عضو للدفاع عن نفسها.

 وبعد توليه رئاسة الاتحاد الأوروبى منذ الأول من يناير، أصبح ماكرون المحاور الرئيسى لروسيا بشأن المسألة الأوكرانية، ونجح فى أن يلعب لعبة المشاورة فقبل وبعد كل محادثة هاتفية مع الرئيس الروسى، يحرص على التشاور مع شركائه الأمريكيين والأوروبيين ومناقشة الخطوات التالية.

تمتلك فرنسا بالفعل الأفكار وتقدم المقترحات وتتخذ المبادرات، وذلك على عكس شركائها الأوروبيين الذين مازالوا مترددين فى أن يصبحوا قوة سياسية مستقلة، وهو ما اعتبره ماكرون فرصة ذهبية خاصة بعد إعادة انتخابه لتولى زمام أوروبا، وإقناع الرأى العام بمزايا رؤيته لأوروبا المستقلة.

زعامة أوروبا

واجه ماكرون أوقاتًا صعبة فى علاقاته مع بقية العالم، حيث واجه فى إفريقيا الناطقة بالفرنسية والأرض المفضلة لفرنسا، وقتًا عصيبًا عندما أمرت مالى بطرد القوات العسكرية الفرنسية، التى جاءت لمحاربة التطرف فيما اعتبر بمثابة طعنة للدبلوماسية الفرنسية.

وفى لبنان، اصطدم ماكرون بجدار عندما أراد التدخل فى الأزمة السياسية التى هزت البلاد لسنوات، وأخيرًا تعرض للإذلال عندما وقعت الولايات المتحدة تحالفًا عسكريًا مع أستراليا أسفر عن إلغاء عقد ضخم لشراء غواصات فرنسية تعمل بالطاقة النووية.

الاستقلال الإستراتيجى الأوروبى.. هل تفعلها أوروبا؟

ظهر مفهوم الاستقلال الإستراتيجى أخيرا فى التفكير الأوروبى، وإذا كانت مسألة الدفاع الأوروبى قديمة فإن الحرب الروسية فى أوكرانيا أثارت مسألة الحكم الذاتى الإستراتيجى الأوروبى، الذى كان قد ظهر فى 1994 فى فرنسا، وكان يتعلق بالتبعية التى ستنشأ لفرنسا من خلال الاعتماد فقط على ضمانات الناتو مع التخلى عن الردع النووى.

لذلك كان لهذا المفهوم فى البداية بعد وطنى وفى عام 2013 أصبح المفهوم أوروبيا حيث وجب على أوروبا التمتع بقاعدة صناعية وتكنولوجية دفاعية أكثر تكاملاً واستدامة، وأكثر قدرة على المنافسة وأكثر تنافسية لضمان تطوير ودعم قدراتها الدفاعية، والتى قد تمكنها أيضًا من زيادة استقلاليتها الإستراتيجية وقدرتها على العمل مع الشركاء.

أما فى البرنامج الإستراتيجى الجديد 2019 2024 فإن الهدف هو تطوير قدرات دفاعية جديدة، لكن وفقًا لوزيرة الدفاع الفيدرالية الألمانية السابقة، أنجريت كرامب - كارينباور فى خطاب ألقته فى 17 نوفمبر 2020 جاءت كلماتها محبطة، حيث رأت أن فكرة الاستقلال الذاتى الإستراتيجى لأوروبا، ستكون مفرطة إذا كانت تغذى الوهم بأن أوروبا تستطيع ضمان الأمن والاستقرار والازدهار فى أوروبا بدون الناتو وبدون الولايات المتحدة.

بالنسبة للدول الأخرى وعلى رأسها فرنسا، فإنهم رأوا أن الاتحاد الأوروبى قادر على اعتبار نفسه كيانًا مشتركًا مناسبًا، قادرًا على اتخاذ قرارات بمفرده والاستثمار بشكل أكبر فى القطاعات الرئيسية لسيادته، مثل الدفاع.

■ هل يملك الاتحاد الأوروبى التمويل الكافى لتمويل الاستقلال الإستراتيجى؟

حتى عام 2021 لم يكن فى ميزانية الاتحاد الأوروبى قسم مخصص للدفاع، ولكن فى اتفاقية 2027-2021 تم تخصيص جزء من الميزانية للدفاع فى ميزانية الاتحاد الأوروبى، بميزانية تبلغ نحو 7.9 مليار يورو لتعزيز القدرة التنافسية لصناعة الدفاع فى الاتحاد الأوروبى، وإمكانية تشغيل المنتجات والتقنيات.

وتركز الاتفاقية الجديدة ليس فقط على التحديات الناشئة مثل التهديدات الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية، ولكن على التميز فى الحرب مثل القتال الجوى من جانب والدفاع الجوى والمضاد للصواريخ من جانب آخر، والقتال البري، والقتال البحري، وحرب الغواصات، وذلك يهدف إلى تشكيل سياسة أمنية للاتحاد الأوروبى تكون متماسكة وشاملة، وخلق تآزر مع السياسات والأدوات الأخرى.

عواقب الحرب فى أوكرانيا على الحكم الذاتى الإستراتيجى الأوروبي

أثار التدخل العسكرى الروسى فى أوكرانيا نقاشًا حول سياسة الدفاع، وأعاد إطلاق مشروع أوروبا الدفاعية، حيث تحتل فرنسا مكانة خاصة فى أوروبا، لأنها تمتلك قوة ردع نووية ولم تتخل أبدًا عن الاحتفاظ بجيش.

أين الاتحاد الأوروبى فى بناء دفاع مشترك؟

لا يوجد حاليا جيش أوروبى، فالدول الأعضاء هى التى جعلت قدراتها المدنية والعسكرية تحت تصرف الاتحاد الأوروبى، وحتى وقت قريب، كانت فكرة «الدفاع الأوروبي» موضوعًا حساسًا بالنسبة للعديد من الدول الأعضاء، كان الأمن من اختصاص الناتو.

بعد ذلك عزز عدم قدرة الأوروبيين على التصرف بشكل مستقل فى مواجهة الأزمات الدولية الأخيرة فى عام 2020، كرست تسع دول أوروبية فقط أكثر من 2% من ناتجها المحلى الإجمالى للدفاع عن نفسها.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: