Close ad

«نظام الكُتل» الدولي الجديد

10-1-2023 | 17:51
الأهرام العربي نقلاً عن

إن أمريكا تعرف، وأوروبا تعلم، والصين وروسيا والهند تدرك، وعلى العرب أن يقرأوا كتاب نظام الكُتل الدولي الجديد، فهو يقترب من الاكتمال.

أما الكتاب القديم، فلم يعد مفيدًا للتصفح مرة أخرى، فهو يقوم على أفكار القرون الخمسة الأخيرة، وهى قرون غنية وثرية، لكنها تتلاشى الآن، وتحل محلها أفكار أخرى، ومجتمعات جديدة، ونظام دولى مختلف، يقوم على أعمدة الكتل، ولا يعتمد على الأقطاب بدلا من القطب الواحد، كما ينتشر فى وسائل الإعلام، وعلى ألسنة الساسة، وفى كتابات الباحثين.

وتحديد الزمن بخمسة قرون لا يجافى المنطق والحقيقة، ففى تلك القرون الأهم فى مسيرة البشر، انفجر كل شيء: الثورات الصناعية الأربع، الأفكار الأممية: الماركسية والرأسمالية، سطوع الأفكار الدينية عابرة القارات، ثم فصل الدين عن الدولة، وظهور الدول القومية، واصطدام الثقافات، واندلاع الحروب الكبرى والصغرى، وانبثاق المنظمات ذات الطابع الأممي، وتفشى العولمة ومريديها، وانفجار الثورات المجهزة، ملونة وغير ملونة.

جرى كل ذلك فى تزامن مع الحداثة، وما بعدها، والاندفاع إلى الكشوفات الجغرافية، وإنشاء الأمم والدول الجديدة على أنقاض الشعوب الأصلية، أمريكا وأستراليا وأمريكا اللاتينية نماذج واضحة، ثم ظهور فكرة الاستعمار، واستعباد سكان الأرض، مع وجود مخترعات، ومكتشفات فى شتى المجالات من الكيمياء والفيزياء والأدب إلى اختراق الفضاء، والصعود إلى القمر والمريخ، ومحاولات اكتشاف الفضاء العميق.

الحقيقة أن هذه القرون كانت غربية خالصة، بدأت من أوروبا المتصارعة مع نفسها، وقد كانت خارجة توا من عصور ظلامية، وانتشرت أفكارها وأفعالها بين البشر، وحظيت أوروبا بلقب رائدة التنوير، وصاحبة الصولجان فى السيطرة على أفكار العالم، وتلاشى ما عداها من أفكار فى الشرق والغرب.

فيما بعد ورثتها أمريكا الجديدة على العالم قبل 75 عاما، أى مع نهاية الحرب العالمية الثانية، تسارع الإيقاع الحداثي، ولم يتغير، بل تحول إلى ما يشبه الزلزال تحت شعار “ دعه يعمل دعه يمر”.

كانت أمريكا بآبائها المؤسسين وفية لنفس الأفكار، انفجرت عقولها، اكتشافات، واختراعات، ثم سيطرت على البر والجو والبحر فى قارات العالم الست.

هذه الأفكار الغربية، الأوروبية - الأمريكية صارت مهيمنة على كل سكان الأرض، وفُرضت على الشعوب بحكم الهيمنة والسيطرة العلمية وغير العلمية.

ألم تكن روسيا نصف الشرقية ونصف الغربية ماركسية، ونحن نعلم أن الماركسية قادمة من ألمانيا الأوروبية؟

ألم تكن الصين كذلك؟

 ألم يكن الشرق الأوسط قائمًا على عدة دول تتخذ من القومية طريقًا؟ وأليست القومية غربية فى الأساس نشأت مع معاهدة ويستفاليا التى وقعها المتحاربون على الأراضى الألمانية؟ ألم تكن معاهدة مفصلية تسببت فى وجود ما يسمى النظام الدولى المستمر إلى الآن؟

كانت خمسة قرون هشة.

انبثق فيها التفكير العلمي، ووصل إلى مراحل غير مسبوقة، ومع ذلك لم يردع هذا الإعجاز البشري تلك الأفكار المتعالية، ولم تمنع الاستعمار، ولم تجرّم نهب ثروات الآخرين، كما أن هؤلاء الآخرين الخاضعين للسيطرة، لم يستكينوا عن المطالبة بالتحرر والانعتاق والحرية.

وما المسألة الأوكرانية إلاَّ جزء من هذا السياق. وما هزيمة أفكار الهيمنة، وعدم سيادتها، ومقاومتها فى كثير من بقاع العالم إلا ملمح مهم فى مسيرة البشر.

 لهذا تتوقف القرون الخمسة فى محطتها الأخيرة، وأنها لن تصل إلى تنفيذ أفكارها القائمة على إنشاء منظمات دولية تصبح بديلا للدول الوطنية، سواء أكانت قوة عظمى أم دولة صغيرة.

كان فيروس كورونا إشارة على طريق النهاية، فكل دولة أغلقت حدودها ومطاراتها، وانقطعت لمكافحة الفيروس وتداعياته، وجاءت المسألة الروسية - الأوكرانية لتقطع الخيط الواصل بين النظام الدولى من الحرب العالمية الثانية إلى الآن، ألم تكن روسيا عضوًا فى مجموعة الحلفاء ضد النازي، ثم أصبحت فى معسكر آخر الآن يناهض هذه المجموعة؟

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: