وافقت شركة «إينى» الإيطالية على شراء كميات إضافية من الغاز الطبيعى، بما يزيد مشترياتها من شركة الطاقة الحكومية الجزائرية «سوناطراك»، بنحو 9 مليارات متر مكعب إضافية سنوياً خلال عامى (2023و2024)، وبهذا الشكل تزيد إيطاليا وارداتها، وذلك ضمن مساعى الدولة الأوروبية، لخفض اعتمادها على الغاز الروسى. وهو ما تضمنته زيارة رئيس الوزراء الإيطالى المستقيل ماريو دراجى من قبل للدولة الواقعة فى شمال إفريقيا، والتى كانت ثانى أكبر مورد للغاز إلى إيطاليا العام الماضى، وذلك فى إطار سعيه لإيجاد بدائل للغاز الروسي، الذى يشكل نحو 40% من استهلاك الغاز فى البلاد.
موضوعات مقترحة
تعادل الواردات الإضافية نحو 12% من استهلاك الغاز فى إيطاليا العام الماضي. ومن هنا تنتقل صادرات الغاز من الجزائر إلى أوروبا عبر ثلاثة خطوط أنابيب، أحدها يسمى «ترانس ميد (TransMed)، والذى ينقل الغاز إلى إيطاليا وسيتم استخدامه لنقل الغاز الإضافي. وخطان أرضيان آخران إلى إسبانيا.. «الأهرام العربي» تستعرض انعكاس هذا التعاون الجزائرى – الإيطالي، على العلاقات بين الدولتين وتأثيره.
فى البداية يتحدث د. زاوى رابح، أستاذ وباحث العلوم السياسية بجامعة مولود معمرى تيزى وزو، قائلا: يمكننا هنا أن نشير إلى مساهمة أنريكوماتى الرئيس المؤسس لشركة إينى الإيطالية، حيث كانت تربطه علاقة وثيقة جدا مع أعضاء الحكومة المؤقتة الجزائرية فى تلك الفترة، واستمرت هذه العلاقة حتى بعد الاستقلال، وسمى على اسمه أنبوب الطاقة العابر للبحر الأبيض المتوسط (ترانسميد).
ويضيف: فى الآونة الأخيرة، شهدت العلاقات الجزائرية – الإيطالية، انتعاشا كبيرا جدا تمثل فى الزيارات الدبلوماسية العديدة، خصوصا لرئيس الوزراء الإيطالى ماريو دراجى إلى الجزائر على مرحلتين، وأيضا زيارة الرئيس الإيطالى للجزائر ودعوته الرئيس الجزائرى عبد المجيد تبون إلى إيطاليا، وعرفت تلك الزيارة التوقيع على خمس مذكرات تفاهم، اتفاق التعاون الثقافى من 2022 إلى 2025، وأيضا مذكرة تفاهم فى المجال السياحي، مذكرة تفاهم فى مجال المؤسسات الناشئة، وأيضا مذكرة تفاهم فى مجال توطين التعاون الثنائى فى مجال الوقاية من غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وأخيرا مذكرة تفاهم بين شركة سوناطراك، وشركة إينى فى مجال التنقيب عن النفط، والزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء الإيطالى ماريو دراغى إلى الجزائر، عرفت التوقيع على 13 اتفاقية فى مجالات متعددة، وأيضا على عقد بـ 4 مليارات دولار فى مجال النفط، ونتج عنه إضافة حوالى 4 مليارات متر مكعب، إلى 21 مليار متر مكعب الذى تم تزويد إيطاليا به فى سنة 2021.
ويتابع: يلاحظ من خلال هذا التعاون الوثيق بين الجزائر وإيطاليا، أن هناك تحولا لافتا للنظر للجزائر فى اتجاه بناء علاقات خارجية جديدة وهندسة هذه العلاقات، وفق مقاربة جديدة برجماتية، حيث ترفض الجزائر التعاطى معها كمورد نفط فقط، والدليل هو التوقيع على اتفاقيات شراكة فى قطاعات مختلفة، لعل أبرزها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى جانب الصناعة البحرية، وأيضا العمل على تزويد إيطاليا بالكهرباء، وأيضا مجال آخر مهم جدا، وهو الطاقات المتجددة، من جانبها إيطاليا تحاول هى الأخرى، أن تبحث عن موطئ قدم لها فى شمال إفريقيا وشريك يقاسمها نفس وجهات النظر. ونلاحظ أنه وفق خريطة البحر الأبيض المتوسط، تظهر أن أقرب نقطة اتصال بين القارة الأوروبية وشمال إفريقيا، هو مضيق جبل طارق، لكن حاليا أقرب طريق إلى العلاقات الاقتصادية بين شمال إفريقيا والاتحاد الأوروبى، هو عبر نقطة صقلية عبر تونس وصولا إلى الجزائر، لهذا تعتبر تونس من الدول الأكثر نشاطا وحركية فى علاقاتها مع دول الضفة الجنوبية.
ويقول رابح: فى مجال العلاقات الخارجية، أو الأزمات المطروحة فى منطقة البحر الأبيض المتوسط، يمكن ملاحظة أن كلا الطرفين الجزائرى والإيطالي، يتقاسمان وجهات النظر حول الأزمة الليبية، سواء من ناحية مطالبتهما معا بمغادرة المرتزقة للأراضى الليبية، وأيضا عدم التدخل فى الشئون الداخلية، إلى جانب دعم المسار الانتخابى، الذى من شأنه أن يفضى إلى بناء مؤسسات ليبية من دون تدخل خارجي. وهذا كان عنده دلالة واضحة من خلال تصريح الرئيس الجزائرى عبد المجيد تبون، عند استقباله رئيس الوزراء الإيطالي، حينما قال: ليس هناك حل فى ليبيا من دون العودة إلى الشعب الليبي، وأن التمثيل اليوم أصبح نسبيا، والانتخابات وحدها من تفرز برلمانا يمنح الشرعية للحكومة.
ويستكمل الحديث د. بهلول أبو الفضل، أستاذ القانون العام والعلاقات الدولية: قائلا: العلاقات الجزائرية - الإيطالية قديمة، خصوصا أن إيطاليا من الدول الأوروبية التى تحترم القانون الدولى والشرعية الدولية، وهناك تطابق فى الرؤى بين الدولتين فى كثير من العلاقات الخارجية، فالجزائر تبحث عن مساحات كبيرة فى التعاون مع إيطاليا، انطلاقا من الجانب الاقتصادي، ولاسيما فى مجال الغاز والنفط، بالإضافة مجال التعاون فى المؤسسات الناشئة، التى تدخل ضمن برنامج رئيس الجمهورية، فى المقابل الجزائر تقف على مسافة واحدة مع جميع الدول الأوروبية، باستثناء التى تخالف القانون الدولى والشرعية الدولية.
ويضيف: فى ذات السياق، عقود الغاز تدخل ضمن العقود التجارية بين المؤسسات النفطية، ليمتد التعاون إلى ثقافى وسياحى وسياسى مستقبلا، وحسب تصورى سيأخد المشرع الجزائري، المقاربة القانونية من التشريع الإيطالى فى مكافحة الفساد والجريمة المنظمة، والهجرة غير النظامية والتعامل مع الدولتين، يكون على أساس المساواة وحسن النية والتعامل بالمثل واحترام السيادة، وهى أهم مبادئ العلاقات الدولية، كما أن الجانب الإيطالي، له من خبرة فى مجال ربط أنابيب الغاز فى البحر، ومؤسساته لها مصداقية عالمية، فالجزائر دخلت فى تعامل مع إيطاليا، انطلاقا من أرضية سابقة خصوصا وقوف إيطاليا مع الجزائر، فى فترة الإرهاب التى مست الجزائر.
من جهة أخرى فالجزائر الجديدة اليوم تعتمد على تنويع الشركاء الاقتصاديين، لا سيما فى أوروبا، كما أن الجزائر تسهم فى تخفيف الأزمة النفطية والغاز العالمية، لكن فى إطار اجتماعى، وأخيرا تم التوقيع بين الدولتين على خمس عشرة اتفاقية اقتصادية، أهمها الجانب الطاقوي، بعد غياب حوالى ثمانى عشرة سنة، لعبت الدبلوماسية الرئاسية دورا كبيرا لتنشيط العلاقات من خلال زيارات المتبادلة الرئيسين، وهذا مؤشر على اتفاق إستراتيجى مستقبلا.
ويؤكد الإعلامى الجزائري، أمين حدار، أن العلاقات بين الجزائر وروما ضاربة فى عمق التاريخ، قائلا: إيطاليا تعتبر من الدول القليلة، التى تحظى بمكانة خاصة لدى الجزائر، كونها من الدول التى وقفت إلى جانبها عندما كانت وحيدة تحارب الإرهاب بمفردها، خلال العشرية السوداء، فلم تمنع عنها أجواءها على سبيل المثال، كما فعلت دول أخرى، ناهيك على وقوفها مع الجزائر خلال الأزمات والمحن، ولذلك كان حقا على الجزائر أن تحفظ لإيطاليا صنيعها ذاك، فكانت من أوائل الدول التى ساعدت إيطاليا خلال الجائحة الصحية.
ويضيف: بفضل المشاريع الاستثمارية والاتفاقيات الاقتصادية المبرمة بين البلدين، أصبحت الجزائر شريكا اقتصاديا مهما بالنسبة لروما، إن لم نقل الشريك الاقتصادى الأول فى القارة الإفريقية وشمالها.
ومن جانبه يقول بن لعور عبد المالك، رئيس لقاء شباب الجزائر: إيطاليا بحثت عن أسواق إضافية، والجزائر أفضل حل لمعالجة اختلالات توزيع الغاز الروسى، أو إجراء استباقى لأى تصرف غير متوقع من الجانب الروسي، حيث إن إيطاليا ستساعد الجزائر فى تطوير الطاقات المتجددة، إلى جانب ذلك تم توقيع إعلان نوايا مشترك لتعزيز التعاون فى مجال الطاقة. كما أن العلاقات التى تجمع الجزائر بإيطاليا، متينة ومن أقوى العلاقات العربية - الأوروبية فى منطقة حوض المتوسط، لأنها ساندت الجزائر فى أصعب الظروف التى مرت بها، بما فى ذلك فى فترة التسعينيات.