خطر داهم وموت مُخطط للأطفال والشباب في مصر، إدمان جديد يستهدف زهور المستقبل، يجدّف به منتجوه عكس التنمية، وعكس المستقبل المُشرق الذي يأمله كل مجتمع، والذي لا يبدأ إلا بمواطنين أصحاء جسديًا ونفسيًا، ولأن عُقلاء كثيرون يُولّون وجوههم عن الإدمان وسمومه، وطريقه المظلم، قدم أهل الشر ذلك الإدمان في صورة غير الشائعة عن المخدرات، إذ ليس هو سيجارة ولا حُقنة، وإنما لُعبة، نعم.. لُعبة تستطيع أن تأخذ اللاعب إلى عالم آخر تحيَّتُهُم فيه الإدمان، وصُحبتهم فيه المرض، ومغادرتهم له بالموت، ولعل هذا الخطر ما دفع الأزهر لأن يصدر بيانًا للناس قبل ساعات يحذر فيه من مخاطر هذه الألعاب التي تضع شبابنا في دائرة الموت، وجه نداء لكل أسرة أن تتنبه لهذا الخطر الداهم الذي يتهددنا.
موضوعات مقترحة
التعاطي الإلكتروني
إدمان جديد قال عنه أطباء الصحة النفسية لـ"بوابة الأهرام"، إنه يبدأ بتحميل لعبة على الهاتف المحمول أو جهاز الحاسوب، ويبدأ مع الوقت في التسلل إلى الجسد دون تعاطي مباشر لسيجارة مثلًا أو حٌقنة مخدرة، وإنما عبر إفراز المخ أثناء ممارسة هذه اللعبة، لبعض المواد التي لا يفرزها إلا عند تعاطي المخدرات، ليبدأ اللاعب الارتباط الشديد باللعبة والتمسك بقضاء أكثر وقت معها، غير مبالٍ للواقع بل والمجتمع الحقيقي من حوله.
3 مليار إنسان في خطر
ودق مرصد الأزهر جرس الخطر بتقرير أعده حول الألعاب الإلكترونية، أو قُل "الإدمان الجديد"، كاشفًا عن عدد مستخدمي هذه الألعاب حول العالم، ففي عام 2020 إلى 2.7 مليار لاعب، وفي عام 2021 إلى 2.8 مليار لاعب، أما في عام 2022، فارتفع العدد ليصل إلى 3 مليار لاعب، وسجلت مصر في عام 2021 المرتبة الأولى من إجمالي عدد لاعبي الدول الأكثر استخدامًا للألعاب الإلكترونية وهي السعودية والإمارات ومصر.
هذه الألعاب تميل إلى العنف والعدوانية، وهو ما يطرح تساؤلات لعل في إجاباتها منجاة للمجتمع من خطر داهم يجدّف بكل أدواته وبأقصى قدراته نحوه ونحو أبنائه: لماذا تحول الترفيه في هذا العصر إلى هذا النوع من العنف، ولماذا تجذب هذه الألعاب كلًا من الأطفال والشباب، بل إن السؤال الأهم، كيف تمكنت هذه الألعاب من 3 مليار إنسان حول العالم؟
مرصد الأزهر
بحسب مرصد الأزهر، فإن سوق هذه الألعاب في تزايد واتساع، حيث وصلت نسبته في مصر خلال عام 2021 إلى 9.8% من إجمالي إيرادات الألعاب التي قدرت بـ 1.76 مليار دولار في ثلاثة دول بالشرق الأوسط هي السعودية والإمارات ومصر، بل إن التوقعات تسير نحو ارتفاع عائد هذه الألعاب في الدول الثلاث إلى 3.14 مليار دولار في عام 2025.
أمراض الألعاب الإلكترونية
هذه الألعاب التي يظن اللاعب أنه يقضي بعض الوقت في الترفيه وأنها مجرد لعبة يتسلى بها عبر هاتفه قال عنها الدكتور وليد هندي استشاري الصحة النفسية، في حديثه لـ"بوابة الأهرام"، إنها فضلًا عن إهدارها للوقت، تعمق الشعور بالكرب وتفصل الإنسان عن الواقع وتحرضه على العنف، فتقوده إلى القتل وإيذاء الذات بل والانتحار.
وهي نوع من الإدمان مثل إدمان المخدرات، فبحسب حديث الطبيب النفسي، يقوم المخ أثناء ممارسة هذه الألعاب بإفراز بعض المواد التي لا يتم إفرازها إلا عند تناول المواد المخدرة وهو ما يجعل الإنسان متمسكًا بهذه الألعاب وقضاء أكثر وقت معها.
أمراض جسدية ونفسية
وتؤثر هذه الألعاب على الصحة النفسية، والجسدية، فتصيب اللاعب بعدة أمراض منها الخمول وضياع بهاء الوجه والأرق وضعف النظر وآلام الظهر كما أنها تعمق العصبية وتقلل الشعور بالواقع؛ فتجعل اللاعب منفصلًا عنه تمامًا، وتحرضه على العنف نتيجة طبيعة اللعبة.
ومن ضمن أعراض هذه الألعاب الإدمانية، الانشغال العقلي بسبب الرغبة في اللعب، كما أنها تساهم في التأخر الدراسي والتسرب من التعليم بسبب السهر، والانشغال عن أداء الواجبات سواء الدراسية أو الحياتية، كما أن اللاعب يكون أقل اندماجًا مع أقرانه في المجتمع بسبب اعتياده العزلة والانفرادية، ويصاب بأعراض الانسحاب النفسية مثل الخوف والقلق.
الأسرة والطفل
الألعاب الإلكترونية التي بدأت بالشباب امتدت لتعبث بفطرة الأطفال فاستطاعت أن تجذبهم إلى عالمها المظلم، والمُرعب، وهو ما أرجعته سماح أبوبكر عزت، المتخصصة في أدب الطفل، إلى افتقار الأطفال في العصر الحالي إلى الدور الحقيقي للأسرة في الاحتواء والاستماع ومشاركة الطفل أنشطته الحياتية.
السوشيال ميديا
وقالت سماح أبوبكر في حديثها لـ"بوابة الأهرام"، إن هؤلاء الأطفال ضحايا الانشغال الأسري لافتة إلى انشغال الأب والأم عن الأطفال؛ بل وانصرافهم إلى "السوشيال ميديا" التي باتت تحظى بالنصيب الأكبر من أوقاتهم قائلة: "الطفل ابن الأسرة والبيئة التي يعيش فيها".
ولفتت سماح أبوبكر عزت إلى التغير الذي فرضته التكنولوجيا؛ حيث جعلت حياتنا رقمية يقضي فيها أغلب الناس أوقاتهم مع تطبيقات إلكترونية منشغلين بها عن الحياة الحقيقية والتواصل الاجتماعي الحقيقي؛ وبسبب ذلك افتقد الطفل ما يمتص طاقاته ووجده في الألعاب الإلكترونية التي يمكن من خلالها التحكم في اللعبة وتحقيق حاجته إلى الامتلاك، بل وحاجته إلى الإنجاز والنصر عندما ينتهي من لعبته ويفوز.
وتقول الدكتورة هالة يسري أستاذة علم الاجتماع، في حديثها لـ"بوابة الأهرام"، كل مرحلة عمرية لها أسباب جعلتها تنصرف إلى هذه الألعاب لقضاء أكبر وقت معها، وهم لا يعلمون أنهم في خطر وهنا يتوجب على المجتمع أن يحرك أدوات الوعي بمخاطر هذه الألعاب عبر كل وسائل التوعية الممكنة.
وتحذر من خطورة هذه الألعاب التي تستنزف طاقات الأطفال والشباب، بل والمجتمع الذي يجد نفسه عاجلًا أم آجلًا، أمام جيل سقيم جسديًا ونفسيًا بسبب إدمان هذه الألعاب التي أكد الأطباء على أمراضها النفسية التي تصيب مستخدميها، وعندما يُصاب الطفل والشاب فكيف لمجتمع أن ينهض أو حتى يستمر؟
سلاح الوعي
ويقول الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، إن للإعلام دورًا كبيرًا في تحذير المجتمع من خطورة الألعاب الإلكترونية وخطورة إدمانها؛ بل وخطورة غياب الدور الأسري الذي اعتدنا فيه على مشاركة الوالدين أوقات أطفالهم وليس تركهم بمفردهم لساعات طويلة داخل غرفتهم أو حتى سهرهم أثناء نوم الأسرة.
ويناشد من خلال "بوابة الأهرام"، بتبنّي حملات إعلامية لزيادة الوعي بمخاطر الألعاب الإلكترونية ومخاطر غياب الدور الأسري والتحذير الكافي من هذا الإدمان الجديد الذي يعد تحديًا للحكومة، حيث يُجدّف بأقصى سرعته عكس مستقبل أبنائنا وعكس التنمية المستدامة.
سماح أبو بكر عزت