تحدثنا الأسبوع الماضي عن دور أنظمة الغذاء والزراعة، باعتبارها جزءًا أساسيًا لمعالجة أزمة المناخ والتفاعل معها، ومواجهة تفاقم الجوع ونقص الغذاء، وذلك عبر بناء أنظمة غذائية عادلة مبتكرة، ركنها الأول هو التبرع بالغذاء، والثاني تلافي هدر الطعام، وإعادة تدوير وترشيد بقايا الغذاء.
وإذا كان العام الماضي، قد شهد التركيز على القيام بمبادرات للغذاء وإنشاء وعرض أجنحة أنظمة غذائية جديدة، خلال مؤتمر "COP27" بشرم الشيخ، وذلك لأول مرة تشهدها مؤتمرات الأمم المتحدة، بإشراف وتنسيق أحد مؤسسات المجتمع المدني العالمية، والتي دعت قادة العالم لمشاهدة أنظمة الغذاء والزراعة، والتفاعل معها كجزء أساسي من حل أزمة المناخ، إضافة إلى التركيز على خطط وبرامج تطبيقية لقصص وتجارب ناجحة، فإن العام الجديد 2023، يبدأ ببث ثقافة التبرع بالغذاء بنشر البرامج التعليمية في كافة المراحل التعليمية، وعلى مدار العام للمفاوضين والمسئولين بالأمم المتحدة، فضلا عن التجهيز للمشاركة التطبيقية على الأرض والإعداد لمؤتمر "COP28" بالإمارات، والذي يبدأ مباشرة عبر ترجمة وتنفيذ مقررات شرم الشيخ "COP27"، وتأتي أنظمة الغذاء والزراعة الجديدة في صدارة هذه الجهود.
لقد استغرق العالم وقتًا طويلًا في دائرة إصدار الإعلانات والتعهدات فقط، فقد آن الوقت للعمل الجاد والسريع، فلابد من تسريع الانتقال إلى الطاقة النظيفة وضمان سبل عيش صحية وآمنة، وخاصة للمجتمعات الأكثر تضررًا بتغير المناخ، فقد شهدت الصين أشد موجات الحرارة على الإطلاق، والكارثة المناخية والفيضانات في باكستان، فضلا عن اعتماد أوروبا الغربية المفرط على الغاز الطبيعي بسبب الأزمة الروسية الاوكرانية، واليوم حان الوقت لاعتماد حلول المناخ المعتمد على الطبيعة، وتبني أنظمة الغذاء الذكية، بأدوات مبتكرة، حيث يواجه العالم تحديات وتحولات حادة، والذي يتطلب مساءلة الشركات والحكومات الالتزام بوعودها.
الجديد هو أن نتعرف على عالمنا وعلى أنفسنا بشكل جيد، من خلال الغذاء، هل بإمكاننا تكوين وإنشاء حركة للغذاء تعتمد على التوزيع العادل للطعام، وتلافي هدر عناصره وبقاياه، منظمة "Food Tank" الأهلية، تدرك أن العالم يعاني من "أمية غذائية"؛ حيث إننا وأطفالنا لا ندرك من أين يأتي الطعام؟ ومن يعالج مدخلاته؟ وكيف؟ وما هي التقاليد الثقافية حول الطعام؟ ما هي المكونات التي قد لا يرونها بانتظام في المنزل أو في المدرسة، والجامعة ومقر العمل؟
وأكثر من ذلك، فإننا نتحدث عن محو الأمية الغذائية كوسيلة لإنشاء جسور لفهم الناس والثقافات، ولا نتعامل مع الطعام كوسيلة لإقامة روابط جديدة ونهتم أكثر بعالمنا.
المنظمة الأهلية "Food Tank" غير الهادفة للربح، ترى ضرورة بناء هذه الجسور، حتى نتمكن من دعم اللاجئين القادمين إلى دول عديدة، منها الغني ومنهم الفقير، لا فرق هنا بين أغنى الدول وافقرها، فالكل سواء، ويتمثل جزء كبير من محو الأمية الغذائية في جلب الفرح للأكل والطهي وزراعة الطعام، وقصص أبطال الطعام مثل خبير التخمير، واستكشاف علم الحبوب في صناعة الخبز، والتعرف على عالم النحل، وأهمية الملقحات، وذباب الفاكهة الذي يسهم في إثمار حوالي 40% من الفاكهة حول العالم.
يتصدر الطعام، وارتفاع تكلفته وفاتورته المرتفعة، أحد أهم المشاغل الأساسية للإنسان أينما كان أو يكون..
لتؤكد أن إطعام الطعام، أو الغذاء هو قدرٌ حتميٌ، بعد ارتفاع نسبة الجوع بشكل مخجل في كل الدول بلا استثناء، فقد ساوت أزمات المناخ، والأوبئة، والحروب، بين كافة الجوعى في العالم، فضلا عن هدر الطعام.
وفي سعينا لإحداث تغيير حقيقي ومواجهة غلاء أسعار الغذاء، لماذا لا ننشئ أسواقًا مفتوحة أسبوعية أو شهرية، من المزارع إلى المستهلك مباشرة، تقلل تكلفة سلاسل التوريد وشركات التوصيل؟ ولماذا لاتضع المدارس والجامعات نظامًا يحصل طلابها على الطعام بسهولة وبأسعار معقولة، تمكن الطلاب من التسوق الغذائي بكرامة.
كثيرًا من المواطنين والعائلات تعاني من انعدام الأمن الغذائي، ومؤخرًا تمكنت المنظمة من إعداد قانون “تحسين التبرعات الغذائية“ في الولايات المتحدة، أقره الكونجرس، FDIA - Food Donation Improvement Act هو أمام الرئيس بايدن لاعتماده، كما تعمل مع 165 منظمة عالمية، وتشرح رئيسة المنظمة دانييل نوتربرج، وتضيف: "ليس لدينا نقص في الغذاء، لدينا فقط عدم تطابق بين الوفرة والحاجة، وهدر الطعام هو القضية المحلية العالمية، حيث يتم التخلص من ما قيمته 218 مليار دولار من الطعام كل عام، وهناك 21% من حجم النفايات هو نفايات الطعام، ويتم استخدام 21 % من المياه العذبة لإنتاج طعام يتم التخلص منه، كما يهدر 35 مليار كيلو جرام، من الطعام كل عام، لا يشمل النفايات في المنزل، وتقدر منظمة "إطعام أمريكا" وجود 2.2 مليون شخص كانوا بحاجة إلى طعام خيري في نيويورك قبل الوباء، أما اليوم فيوجد حاليًا أكثر من 3 ملايين شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي - بزيادة 46% منذ عام 2019.
وكما أن المناخ لا يفرق بين قارة وأخرى، فإن الجوع لا يختار شخصًا دون الآخر، لكننا نحن من نختار كيف وأين ومتى نعمل لنشر نعمة التراحم بيننا.
[email protected]