يمر العالم بتقلبات اقتصادية لم يشهدها من قبل، تلك التقلبات لم يسلم منها كبير أو صغير من دول العالم، سواء أكانت اقتصاداتها قوية أو هشة، لتنعكس تلك التقلبات على أساليب حياة المواطنين في شتى بقاع الأرض، والحق يقال إنني ألحظ بوادر لتلك التقلبات الاقتصادية منذ ما قبل تداعيات أزمة انتشار كورونا، وما خلفتها من اضطرابات سوقية نتيجة التوجهات الانكماشية والركود الذي أحل بمختلف أسواق العالم، وأثر سلباً على معدلات النمو الاقتصادي، ليغير من مستهدفات وتوجهات إنمائية، ويفرض سطوته المحطمة للتطلعات التوسعية. ألحظ تلك التقلبات منذ بداية المناوشات التجارية الأمريكية الصينية، والعقوبات المتبادلة التي لم تحتملها أسواق العالم، لتأتي أزمة انتشار الكورونا لتكمل المسيرة الانكماشية، وتحكم قبضتها على الأسواق العالمية.
موضوعات مقترحة
لتجد دول العالم أنها أمام خيار أوحد وهو اعتماد كل منها على قدرته الإنتاجية الذاتية بأقصى درجة ممكنة، فليس هناك أي بدائل أخرى، فالاستيراد قد توقف والصادرات قد أجبرت على التراجع، لتنهار كافة المؤشرات الاقتصادية في مختلف دول العالم دون استثناء، ولأول مرة يجد العالم نفسه أمام فوضى اقتصادية إجبارية، أشبه بإنهاء مفاجئ لمباراة شطرنج اقتربت أن تحسم بالفوز لصالح أحد المتسابقين، ليبدأ الاقتصاد العالمي من جديد في محاولات إعادة ترتيب أماكن قطع الشطرنج، وسط ترقب وحذر من مختلف اللاعبين الرئيسيين وأدوات لعبهم في ذات الوقت.
لتبدأ اللعبة الاقتصادية العالمية مجدداً ولكن بطقوس جديدة، والتي قد يحتملها البعض ليبقى، والبعض الآخر ينتظر أن يتحقق سقوطه المتنبأ به، لأستلهم العديد من قصص العظماء لأرسخ لدي الشعور الروحاني بإمكانية الاصطفاف في رقعة الشطرنج الفائز لاعبوها.
فمعظم العظماء والذين خلدهم التاريخ قد مروا بظروفٍ أقل ما يقال عنها، أنها ظروف صعبة، تصل إلى عدم القدرة على الاحتمال، ولكنهم بفضل صمودهم، وقدرتهم على اقتناص الفرص، وتحويل ما يمرون به من دوافع سلبية إلى فرص إيجابية، استطاعوا الارتقاء بها، لينجحوا في تغيير واقعهم، ويسطرون أسماءهم بحروف من نور على مر التاريخ، ولولا تلك الصعاب التي مروا بها، لما استطاعوا أن يصلوا لتلك المرتبة من الإنجاز، فالظروف القاسية التي قد يمر بها الإنسان هي الدافع للنجاح، والخروج من دائرة الفشل.
كذلك الحال بالنسبة إلى الدول واقتصاداتها، فإذا ما استمر الأمر على ذات الوتيرة فلن يكون هناك تجديد أو تغيير في السياسات المتبعة، فالدولة المستوردة ستظل مستوردة، والدولة المنتجة ستستمر في قدرتها المهيمنة على الإنتاج العالمي، ليبقى الوضع على ما هو عليه، بل من الممكن أن يستمر في السوء، نظراً لاحتمالية اتساع الفجوة ما بين الدول المتقدمة والنامية، لتأتي الأزمات الاقتصادية العالمية، لتكون بمثابة الدافع لإعادة توفيق الأوضاع الدولية، وإعادة ترتيب قطع الشطرنج، وإذ ربما يحدث تبادل للأدوار الاقتصادية، لتتنوع سيناريوهات اللعب، والتي يمكن حصرها في أربعة سيناريوهات يمكن أن يتم تصورها، ما بين تحول مفاجئ للاعبين رئيسيين فيمكن أن يتحولوا إلى قطع شطرنج يتم تحريكها وفقاً لمقتضيات اللعبة.
وفي المقابل، لاعبون رئيسيون آخرون يمكن أن يتم خروجهم تماما من تلك المباراة، نظراً لانتهاء دورهم، وإذ ربما تصعد عدد من الدول لتأخذ مكانة اللاعبين الرئيسيين، إذا ما نجحت تلك الدول في اقتناص الفرص الدولية في تلك المباراة، وبذلك فمن المحتمل أن ترتقي دول أخرى ليتم تصعيد دورها لتحتل مكانة أفضل على رقعة شطرنج الاقتصاد الدولي، وفي أثناء تلك المباراة التي تعيد ترتيب الأدوار بالطبع سيكون هناك خاسرين وقطع يتم أكلها، وما بين هذا وذاك استلهم تجارب العظماء وما مروا به من صعاب في أن يكون تركيزنا وجهودنا نحو اقتناص وخلق الفرص، لتكون غايتنا هي كيفية الفوز أو تحسين الأوضاع في تلك اللعبة الاقتصادية.
* خبيرة اقتصادية
[email protected]