التفاهة هي الورقة الرابحة نحو الثراء السريع، وكلما أجاد الشخص فنون الإسفاف، ارتفع رصيده المالي في حسابات السوشيال ميديا، وفي سبيل هذا يتراقص الرجل، ويضع المكياج، حتى يحصل على لقب الترند، الذي أصبح أشد شراسة من جائحة كورونا على ضحاياها، وصار عاملا رئيسيا في خراب كيان الأسرة.
ونجح الترند نجاحا منقطع النظير في تحويل شباب وفتيات إلى مسخ، لا يعود بالنفع على مجتمعاتهم، ولا يدرك شباب العرب أن أصحاب موضة الترند في بلاد الغرب لديهم منهج في حياتهم قائم علي توزيع أدوارهم بحرفية بين الجد والهزل، ولكن على النقيض ترصد الدراسات مجموعة من الأسر العربية، وهي تستنزف أغلب أوقاتها في الهزل وأداء دور الأراجوز.
وللأسف تتلقف قنوات إعلامية أبطال التراندات التي لا تحمل أي مضون ذات قيمة، ويرفعونهم إلى مصاف مشاهير العلم والفكر والفن، ويجعلون من تفاهاتهم خطابا سائدا، يتردد على لسان أطفالنا، وهنا تكمن الكارثة في توريث أفذاذ أكبدنا الأفكار الضحلة والأفعال السفيهة.
وحين نعود إلى عام 1996 مع بداية ظهور وباء الترند في العالم، نكتشف تشخيص عالمة النفس الأمريكية "كيمبرلي يونج" مدمني تقليعات النت بلاعبي القمار، ممن يعشقون الربح السريع، وإدمان الكسب دون تعب، وبمرور الوقت حصر ملايين حول العالم دورهم في الحياة، وهم يصورون أداءهم مع أطفالهم وزوجاتهم داخل بيوتهم، ويعتبرون مقياس نجاحهم في الحياة نسبة المشاهدات علي السوشيال ميديا.
والمطلوب على وجه السرعة قبل انزلاق موجات أخرى من شباب ورجال ونساء وطننا العربي في وحل التفاهات والسلوكيات المدمرة لتقاليدنا الراقية، أن يدأب أعلامنا على نشر وبث النماذج المشرفة من شبابنا العربي، بعد أن سطّروا نجاحات أقليمية وعالمية في الوقت الحاضر.
فكم من شمعة نورها يتلألأ في سمائنا العربية بفضل عبقرية عقول شبابنا، فهذا الشاب التونسي "ريان المناعي" يبدد غبار الترندات في نهاية عام 2022، ويحول طاقة المشي إلى طاقة كهربائية، واستطاع ريان اختراع حذاء ذكي من الجلد، بواسطته يمكن شحن مختلف الأجهزة الإلكترونية، ويوجد بداخله - أسفل الكعب - بطارية لتخزين الطاقة الناتجة عن الحركة، ويقول ريان إن اختراعه يمثل كذلك دعوة للكسالى إلى العمل الدءوب.
ولماذا لا نسلط الضوء أيضًا على الشاب الفلسطيني المهاجر منذ سنوات من سوريا إلى السويد؟ ونرصد رحلة نجاحه وسط ظروف شديدة القسوة، ويتغلب عليها ويخترع وسيلة ذكية، تساعد كبار السن على قضاء حاجاتهم، وفي اليمن - وما أدراك بحجم معاناتهم - يكسر الدكتور الشاب اليمني حاجز نزاعات وطنه، ويشترك في مسابقة المخترعين العرب الخاصة بالأفكار العملية، والتي تهتم بتوفير الخدمات البشرية، ويتقدم الأكاديمي اليمني "مجيب الرحمن الحروش" إلى المسابقة بمشروع من شأنه يعزز قدرة المستشفيات على سرعة الوقوف على حالات المرضى، وذلك من خلال اختراعه لجهاز، يمكنه أرسال البيانات إلى الأطباء في بيوتهم عبر شبكات لاسلكية، مما تسمح للأطباء بمتابعة مرضاهم دون عناء التوجه إلى المستشفيات على مدار اليوم.
وفي صيف 2022 من العام السابق حدث أمر جدير بإلقاء الضوء عليه، من أجل إيقاظ الهمة بداخل شبابنا، وتفعيلها في خدمة شعوبهم، فقد ابتكر "فوزي النجاح" الشاب المغربي سيارة تدور بالهيدروجين، ويالها من طاقة يلهث وراءها العالم حصريا؛ لكونها طاقة خضراء، لتكون بديلة عن بقية مصادر الطاقة، وأنتجتها له شركة إيطالية، ويسعى "النجاح" مخترع السيارة إلى تصنيعها في بلده المغرب.
ولا داعي للاستغراب والعجب فهؤلاء وغيرهم من شبابنا العربي الجاد أحفاد كل من جابر بن حيان مؤسس علم الكيمياء والخوارزمي واضع أسس علم الرياضيات والرازي أبوالطب، ويرجع الفضل إليهم وأمثالهم في وضع اللبنة الأولى للعلوم الحديثة، التي تلقاها الغرب وبرعوا فيها، أما الدور الحالي المنوط بأحفاد أفذاذ العرب، أن يتحدوا وباء الترندات وإسفافها، ويجعلوا الشباب هدفهم تحويل اهتماماتهم إلى عمل جاد وترفيه راقٍ.
Email: [email protected]