مشروع تطوير الأسواق العشوائية وإنشاء أخرى بديلة حضارية، أحد أهم المشاريع القومية في إطار خطة الدولة للقضاء على العشوائية ومواجهة ظاهرة الباعة الجائلين لاستعادة المشهد الحضاري للجمهورية الجديدة، وضمن إستراتيجية الدولة للحد من انتشار العشوائية ومعالجة آثارها السلبية، والمساهمة في ضبط منظومة أسعار السلع.
تمدد العشوائيات ودور الدولة في القضاء عليها
ومشكلة الأسواق العشوائية قديمة، ظهرت مع تمدد العشوائيات في بدايات القرن العشرين مع التوسع العمراني الكبير الذي شهدته تلك الفترة، وفى نهاية الخمسينيات مع تزايد الهجرة من المناطق الريفية إلى المدن الحضرية بسبب تمركز أغلب الخدمات والصناعات الحديثة مع بداية دخول مصر عصر التصنيع الحديث، الذي تواكب مع تبني سياسة إقامة مدن صناعية وتوفير مساكن للعمال بتلك المصانع.
وخلال فترة السبعينيات حدث تطور كبير في نمو المناطق العشوائية، في ظل تبني الدولة لسياسات الانفتاح الاقتصادي وخفض حجم الإنفاق الحكومي على مشروعات الإسكان، ومع بداية فترة الثمانينيات والتسعينيات زاد تنامي المناطق العشوائية لتصبح مناطق جذب للفئات غير القادرة على دفع التكاليف الكبيرة لأسعار المساكن.
ومع بداية الألفية الجديدة، أصبحت المناطق العشوائية أحد أهم القضايا التي تواجه الدولة المصرية خاصة بعد أحداث يناير 2011، والتي شهدت العديد من الأحداث والمتغيرات التي أضعفت من سلطة الدولة وقدراتها على السيطرة على تنامي ظاهرة البناء العشوائي، ليساهم الوضع خلال تلك الفترة بتكريس أوضاع العشوائيات من ناحية وتشويه كافة مظاهرة التطور العمراني في أغلب مدن الجمهورية.
خطة الدولة للقضاء على العشوائية في الجمهورية الجديدة
وفي هذا السياق، يقول النائب عمرو درويش، أمين سر لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب، لـ"بوابة الأهرام": تعمل الدولة جاهدة على ملف العشوائيات منذ سنوات لاستعادة المشهد الحضاري في الجمهورية الجديدة، والقضاء على العشوائية والارتقاء بخدمات المواطنين، وتقنين أوضاع الباعة الجائلين، لذا قامت الدولة بإنشاء أسواق حضارية بعيدة عن الكتلة السكانية، لافتًا إلى القضاء على ظاهرة التعدي على الطرق والزحام الناتج عن هذا، فضلا عن القضاء على الاقتصاد الموازي و تشويه المناطق الحيوية، بالإضافة إلى توفير فرص عمل.
618 سوقا رسمية على مستوى الجمهورية
وتابع، أن هناك خططة عاجلة لتحويل الأسواق العشوائية إلى أسواق حضارية، وهذا ما أعلنته وزارة التنمية المحلية بالتعاون مع المحافظات لإعادة انضباط لمنظومة الأسواق، مضيفًا أن هناك 618 سواق رسمية على مستوى الجمهورية بعد تطويرها، أن عدد الأسواق العشوائية تقترب من 1750 سوقا عشوائية، وهذا الأمر يستدعي التحرك من جميع الأجهزة لإنهاء هذه العشوائية وفقا للخطط الموضوعة.
النائب عمرو درويش
إستراتيجية شاملة لتطوير الأسواق العشوائية وتحويلها إلى أسواق حضارية
وعن الجدوى الاقتصادية لهذا الأسواق بعد تطويرها، يرى الدكتور مصطفى أبوزيد، الخبير الاقتصادي، أن الدولة المصرية انتهجت منذ سنوات سياسة تنظيمية في إعادة ترتيب الأولويات والتعامل مع المشاكل التاريخية، التي باتت ثقافة موروثة في المجتمع المصري ومن بينها الأسواق العشوائية، التي انتشرت خلال العقود الماضية واتساعها مساحتها لتنتشر في اغلب محافظات الجمهورية، والتي وصلت إلى 1753 سوقا عشوائية على مستوى الجمهورية، ولهذا وضعت الدولة المصرية إستراتيجية شاملة لتطوير تلك الأسواق وتحويلها إلى أسواق حضارية؛ لأن الأسواق العشوائية لها العديد من السلبيات على المواطن وعلى الدولة المصرية؛ حيث إن تلك الأسواق تنشأ دون تخطيط ورقابة على ما يتم تداوله بها من سلع ومنتجات تكون صالحة للاستخدام الآدمي أو مطابقة للمواصفات والمعايير التي تطبقها وزارة التجارة والصناعة أو وزارة الصحة أو وزارة التموين، وبالتالي من الممكن أن تكون الأسواق العشوائية لها تأثير على صحة المواطنين أو الاستغلال.
الأضرار التي تسببها الأسواق العشوائية على المنتج المحلي والصناعة الوطنية
وأضاف، فيما يتعلق برفع أسعار السلع والمنتجات وقت الأزمات الاقتصادية وبالتالي هذا الأمر يعتبر تكلفة اقتصادية على الدولة المصرية ، فضلا عن الإضرار بالمنتج المحلى والصناعة الوطنية التي تنتج ضمن المواصفات والمعايير المعمول بها، وبالتالي الأضرار بجودة وسمعة المنتج المصري وخسارة مالية للمصنع المصري الذي يتكبد الكثير من تكاليف التشغيل والإنتاج، هذا إلى جانب أن الأسواق العشوائية تزيد من الاختناقات المرورية خاصة في مناطق وسط البلد والأحياء الشعبية، وهذا بالطبع له تكلفة اقتصادية في زيادة تكاليف دورة العمل والإنتاج بسبب التأخير في الطريق وزيادة وقت التسليم أو التفريغ بالمصنع على سبيل المثال.
تقليل الفجوة التنموية بين المحافظات
ونوّه الخبير الاقتصادي، بأن هناك رؤية للدولة المصرية في التحول للأسواق الحضارية و التي خصصت لها 44 مليار جنيه، وهذا سيساهم في العديد من المكاسب الاقتصادية هو مراعاة الحيز المكاني والجغرافي في إقامة الأسواق الحضرية؛ مشيرًا إلى أن ذلك يساهم في تقليل الفجوات التنموية بين المحافظات ومراكز المحافظات والقرى إلى جانب إتاحة السلع والمنتجات بأسعار تنافسية وذلك لتقليل الحلقات الوسيطة بين المنتج والمستهلك، وبالتالي هذا يعظم من الرضا المجتمعي من جانب، ومن جانب أخر يساعد الدولة على الوفاء بزيادة المعروض من السلع والمنتجات وضمان جودة السلع والمنتجات المطروحة في الأسواق الحضارية وبالتالي الحفاظ على صحة المواطن إلى جانب توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لأهالي تلك المناطق بما يخلق حالة تنموية اقتصادية في البيئة المحيطة لتلك الأسواق مع الأخذ في الاعتبار قرب الأسواق الحضارية من الكثافات السكانية، حتى يتم تحقيق الأهداف المنشودة من الأسواق الحضارية.
الدكتور مصطفى أبو زيد