Close ad

عام جديد.. فرصة جديدة

1-1-2023 | 15:27
الأهرام المسائي نقلاً عن
في مرحلة ما يصل الإنسان إلى مرحلة النضج التي لا تتعلق بعمر معين بل ترتبط بمدى تعمق الإنسان في الحياة بأحداثها وناسها، عندما يصل الإنسان إلى تلك المرحلة ستتغير عدة مفاهيم بالنسبة له، سيتأكد من معتقداته وآرائه التي اكتسبها بحكم تعمقه قبل خبرته في الحياة، سيتصرف بطريقة أكثر منطقية بحيث يعيش بواقعية مع الناس ولا مانع من أن يعيش الخيال مع ذاته، عندما تصل إلى تلك المرحلة لا تأخذ الحياة على محمل الجد، بل ستعلم أنه لا هناك شيء مضمون في هذه الحياة فتوقع الغير متوقع وتعود على ألا تتعود، عندما تصل إلى تلك المرحلة ستصل معها إلى مرحلة إرضاء النفس ستصبح غاية ووسيلة وهدفا لك في الحياة.










عندما تصل إلى تلك المرحلة ستصبح صاحب أقوى رد فعل، وسوف تتوقع الحدث قبل وقوعه؛ سترى النهاية منذ البداية؛ ستأخذ رد فعل مُسبق بمعنى أدق ستستعد للحدث قبل وقوعه؛ ستصبح كمن شاهد نهاية مسلسل ومن ثم بدأ يشاهده منذ الحلقة الأولى فبالنسبة له النهاية معروفة؛ أحيانًا تشاهد الحلقة الأولى على أمل وتفاؤل أن المخرج والمؤلف غيّر من الأحداث ولكنك ستدرك أنك أنت المؤلف والمخرج والممثل الوحيد أي أنت البطل الوحيد في مسلسل حياتك ! ستدرك النهاية منذ البداية لذا لا تسمح لأحدهم بأن يخرجك من دائرة السلام النفسي التي رسمتها لنفسك مع الوقت، ستتأكد أن من خذلك مرة قادر على أن يخذلك ألف مرة، ومن كذب عليك مرة سيكذب عليك العمر كله، ومن هُنت عليه مرة ستهون عليه آلاف المرات لذا انسحب منذ المرة الأولى التي شعرت فيها بذلك! .


في تلك المرحلة ستقل دائرة المعارف والأصدقاء بل ستدرك جيدًا أن الراحة هي أساس أي علاقة في الحياة، ستقتنع جيدًا بأنه لا هناك شيء اسمه حب، بل الأقوى من الحب، الأمان والاحتواء، الثقة والاحترام والتقدير المتبادل فهي الأساس الذي عن طريقه تُبنى عليه أي علاقة قوية، ستدرك أن الخلافات أكبر كاشف لزيف أي علاقة، فهناك من يتخذ الخلاف حُجة للانسحاب وهناك من يتخذه سببا لتقوية العلاقة، ستدرك جيدًا أن جميع الأيادي قابلة للتخلي ولا تُصدق أن هناك شيئًا دائمًا في هذه الحياة الدنيا المؤقتة، فسبب حزن وشقاء البعض ارتفاع سقف التوقعات بأنه يعتقد وهو في حالة حب أن كلاهما يستطيع الوفاء بتلك الوعود التي قيلت في لحظة مشاعر مؤقتة بل ستدرك أن المواقف هي خير دليل، فكم شخص وعد الآخر بالبقاء لمدى الحياة وفارق عند أول خلاف؟!، كم شخص وعد الآخر بأنه لا يستطيع العيش بدونه وعلم أن الحياة تستمر رغم الفراق؟! في تلك المرحلة ستعلم أن قليل الوعود أكثر شخص يعلم قيمة الوعود ويوفي بها والشخص كثير الوعود هو أكثر شخص يخل بها لأنه لا يعلم قيمة الوعد ولو عَلِم قيمة الوعود لفكر كثيرًا قبل أن يتلفظ بوعد واحد.


في تلك المرحلة تصبح منطقيا أكثر مع أحداث الحياة وخياليا مع نفسك فقط؛ تصبح مؤمنا بثوابت ومعتقدات، أيضًا ستؤمن أن ليس هناك قواعد أو استثناءات ثابتة في هذه الحياة، ولكن من الممكن أن تكون أنت القاعدة والاستثناء الثابت في هذه الحياة بالحفاظ على معتقداتك ومبادئك، ستدرك في تلك المرحلة أن الناس هما الناس فاثبت على مبادئك، ستصادف خلال رحلة حياتك العديد من الشخصيات والعديد من القلوب والأرواح وكلاهما غير الآخر، فلا تستطيع إرضاء الكل بل اسعَ دائمًا لإرضاء نفسك أولًا، ويجب أن تدرك أن لا شيء يحدث بالحياة عبثًا أو ما يُسمى صدفة بل كل شيء يحدث لسبب، ولا تصدق أن أحدا يتغير عليك بلا سبب، بل ضع في مخيلتك كل شيء بسبب، من أحبك بسبب، من كرهك أيضًا لسبب، من ابتعد لسبب ومن اقترب أيضًا لسبب، ستدرك أيضًا أن كل شخص صادفته في حياتك لعب دورًا هامًا بحياتك وعندما يختفي ويرحل اعلم أن دوره انتهي من مسلسل وقصة حياتك فاستعد لذلك!


عندما تصل إلى تلك المرحلة ستعلم من أحبك سيحبك بالذي أنت عليه، سيحب عيوبك قبل مميزاتك، سيرى في عيوبك مميزات، ستعلم من أراد قربك سيقترب ومن أراد البعد عنك سيبتعد، فلا تسأل عن أسباب القرب والبعد وعندما يبتعد عنك أحدهم لا تسأل نفسك كثيرًا لماذا ابتعد؟ ولا تحاول أيضًا اللحاق به، لأن من تخلى عنك بلا سبب واستطاع البعد عنك فلن يعود بلحاقك به، لذا انسحب بهدوء وأغلق الصفحة وإن عاد فاجعله غريبا كما كان قبل لقائك به، وتذكر قوله تعالى "سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ"، اجعله كما كان قبل أن تعرفه، والأمر راجع إليك فإن أردت العذاب فعد له وإن أردت الراحة فتذكر قول سيدنا خضر لنبي الله موسى عليه السلام : "هذا فراق بيني وبينك"، واعلم أن الصحبة تبدأ وتنتهي باتفاق.


عندما تصل إلى تلك المرحلة ستعذر الجميع لأنك تعلم حقيقة أن لا شيء أكبر من الله، كل الأحداث التي حدثت بحياتك المحرك الاساسي والمسبب لها الله، ستعلم أن البشر لا يملكون شيئًا فلا مانع لما اعطى ولا معطي لما منع، الأبواب التي أغلقت في وجهك الله من أغلقها، والقلوب التي صدت عنك الله أيضًا من جعلها تصد عنك لحكمة ستعرفها مع الوقت، أبشرك أيضًا بأن الله صد عنك كل تلك القلوب لأنها لم تكن قد أحبتك حقًا والله يعلم بالنوايا وما تخفيه الصدور، الله يخبئ لك قلبا سيحبك حبًا جمًا حبا يُشعرك بالأمان حبا يروي عطشك ويُقر عينيك وقلبك، حبا يجعلك تشعر بالراحة والأمان حبا يجعلك تطمئن بأن لا خذلان بعد اليوم.


في تلك المرحلة ستصل لمرحلة السلام النفسي أي إرضاء النفس، قد تجد الراحة في البقاء وحيدًا، ستصل لمرحلة النضج، النضج الذي ترفض معه كل ما يعكر صفو حياتك ويزعزع أمن سلامك النفسي الذي أصبح أهم عندك من أي شيء، ستصل لمرحلة معرفة ما يجعلك سعيدًا بحق، ستعلم أن الراحة والأمان هو هدفك في الحياة، فسترفض العمل في أي مكان لا يحقق لك تلك الراحة وذلك الأمان، سترفض التورط في أي علاقة سواء أكانت علاقة صداقة أم حب لم تحقق لك الأمان، ستعرف أن الراحة والأمان أهم من الحب، بل الحب مشاعر جميلة مؤقتة ستنتهي أو تقل مع الوقت، وما يجعلك تحتفظ ببقاء الناس من حولك هو الراحة ما يجعلك تختفي وتعود للبعض هو افتقاد الأمان والراحة من بعدهم، ستعلم جيدًا أن العمل هو ما يجعلك تعود لنفسك بعد أي خذلان أو جرح أو غدر، فعندما تُخذل انجح، عندما تتعرض لغدر وخيانة ممن حولك انجح، فما رأيت علاجا للخذلان إلا العمل والنجاح هو فقط ما يجعلك تنسى مرارة ما تعرضت له، ستعلم جيدًا أن ليس هناك شخص سيئ بل هناك شخص تعرض لأمور سيئة في حياته جعلته كما تراه، فإذا أردت أن تعرف شخصا جيدًا وتتنبأ بما يفعله معك اعرف ماضيه جيدًا وما تعرض له في الماضي، فحتمًا الماضي يؤثر على الشخص مهما ادعى أنه تخطى ما حدث له بالماضي!


وفي النهاية، كن ممتنًا لكل ما يمر بحياتك من أحداث وأشخاص فكل ما فات جزء من خطة الله الرائعة لحياتك المستقبلية لتصبح شخصا أفضل مما كنت عليه لمستقبل أفضل لا يعلمه غير الله، وستنظر بفخر لجميع الأحداث السابقة ولا تتذكر غير الدرس، وستصبح فخورا بنفسك، ونحن بصدد استقبال أول أيام عام ٢٠٢٣ أحببت أن أذكر الجميع بأن كل من منحه الله سبحانه وتعالى فرصة جديدة لاستقبال عام جديد بأنه فرصة لتصحيح أخطاء الأعوام الماضية، وكل عام والجميع بخير.








 




 



كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة