الجوع ليس قدرًا حتميًا (1 - 2)

1-1-2023 | 12:00

كل شيء في الحياة يمكن تأجيله.. نستطيع أن ننتظر كل ما نحتاجه من الطبيعة، ومن الناس، في الصحة والعلاج والألم والرغبات والمشاعر المادية والمعنوية بإمكاننا أن نصبر عليها، إلا الجوع  والإحساس البيولوجي ودعاء الحاجة للطعام، فهي لاتنتظر.
 
كالأوبئة، والتغيرات المناخية التي لم تفرق بين بلد، أو شعب وآخر، أيضا فإن الجوع الذي بات كالوباء، لم يترك شعبًا أو بلدًا إلا وترك أثره، فلا فرق بين بلد فقير وآخر غني، حيث يعاني أكثر من مليار إنسان من الفقر والجوع.
 
نعم، وكما الغذاء قدر حتمي، فإن الجوع ليس قدرًا حتميًا على البشر، لأن الله، سبحانه، خلق كل روح ومعها رزقها، وما يحدث من تفاوت وظواهر المجاعة والأوبئة والحروب، هي نتاج ما يقترفه الإنسان نحو الناس والكائنات، والطبيعة التي خلقها الخالق بعدله وبحسبانه.   
 
على الجانب الآخر، تنمو ظاهرة الجوع، في وقت تتزايد فيه معدلات هدر الطعام، مع نمو أعداد الناس، وتتزايد في نطاق ما ذكرته تقارير دولية، بأن مانسبته 40% من الغذاء المنتج عالميًا يتم إهداره، بواقع 1.3 مليار طن غذاء سنويًا، وهو يكفي لتوفير الغذاء إلى نحو مليار إنسان فقير على مستوى العالم، فكيف نعمل للمساعدة في التخفيف من الجوع والفقر، وبالتالي التخفيف من آثار المناخ وهو في جوهره حماية للبيئة.
 
وأسست العقيدة الدينية معيارًا لـ"إطعام الطعام"، واعتبرته من أفضل وأحب الأعمال الى الخالق سبحانه، قال الله عز وجل: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا"، "إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا" (الإنسان: 8 و9)، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أيُّ الناس أحبُّ إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال الرسول: "أحب الناس إلى الله تعالى أنفعُهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله، عز وجل، سرور تُدخله على مسلم، أو تَكشف عنه كُربة، أو تَقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا".
 
وإذا كانت الأوبئة والتغيرات المناخية تعلن عن نفسها، وتستجيب لها الحكومات والشعوب والأفراد، فإن الجوع إحساس داخلي يكتمه الفقراء ولا يظهر عليهم في الغالب، أما على المستوى المحلي، فهناك تطور إيجابي، فقد وضعت الحكومة الهدف الأول والثاني من أهداف "التنمية المستدامة 2030"، وهما "القضاء على الفقر وخفض عدد الفقراء إلى النصف، والقضاء على الجوع وتحسين التغذية"، ضمن أهداف التنمية، كما نجحت جهودها في خفض نسبة الفقر في مصر إلى 29.7% عام "2019-2020 "، مقابل  32.5% عام "2017-2018"، بنسبة انخفاض بلغت 2.8%، لأول مرة منذ 20 عامًا، طبقًا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الأخير.
 
وبعد 6 سنوات من التنمية المستدامة 2030، ونمو الجهود الرسمية والأهلية المجتمعية لمساعدة الفقراء، إلا أن هناك مطلبًا يتمثل في ألا يتم التركيز فقط على الدعم المباشر للوجبات الغذائية المتكاملة والمغلفة جيدًا، وهذا جيد، إلا أن الأكثر جودة هو تطبيق الحكمة المأثورة التي خرجت من الصين وتقول: "لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف أصطادها"، لأن مكافحة الجوع ومواجهة الفقر، تتطلب تطبيق برامج حقيقية وواقعية لتنمية مهارات الفقراء بالتدريب وإيجاد فرص عمل منتجة ودائمة لهم.
 
وليس سرًا أن السنوات الماضية كانت مدمرة للأشخاص الذين يعانون من الجوع وانعدام الأمن الغذائي، فقد قفز عدد هؤلاء الذين تخدمهم بنوك الطعام على مستوى العالم بنسبة 132٪ بين عامي 2019 و2020 طبقًا لشبكة "بنوك الطعام الدولية - Global Food Banking Network "، كما كشف تقرير لـ"Food Tank"، منظمة غير ربحية أمريكية.
 
حتى أغنى الدول مثل الولايات المتحدة، فإن الجوع فيها مرتفع بشكل مخجل، فقد لجأ فيها ما لا يقل عن 60 مليون شخص، بواقع 1 - 5 أمريكيين، إلى المساعدات الغذائية الخيرية في عام 2020، في الوقت الذي يتم فيه هدر ما نسبته 30% من الغذاء، بما قيمته 48 مليار دولار سنويًا، وكذلك هدر الطعام، حيث تهدر ملايين الأطنان من الطعام الجيد، يحدث هذا في أكبر وأغنى الدول المتقدمة، فكيف تكون أحوال الدول الفقيرة.
 
على الجانب الآخر فإن أنظمة الغذاء والزراعة تعد جزءًا أساسيًا من حل أزمة المناخ، وهي الرسالة التي تعمل على نشرتها  "Food Tank"، وتسعى لبناء "أنظمة غذائية مبتكرة أكثر إنصافًا توفر الشفاء والغذاء، لكل الناس على الكوكب، وهو عمل لم يكن أكثر إلحاحًا منه اليوم، كما توضح رئيس المنظمة دانييل نيرنبرج، والتي شاركت في "COP27"، وتقول: لأول مرة، خلال مؤتمرات الأمم المتحدة، ضم مؤتمر  "COP27" في مصر، أجنحة أنظمة غذائية، وكانت  منظمتنا الوحيدة التي شاركت في تنسيق البرامج، دعونا قادة العالم إلى رؤية أنظمة الغذاء والزراعة كجزء أساسي من حل أزمة المناخ، وفي كل يوم، نركز على قصص الأمل والنجاح، ونخطط أكثر لعام 2023، لكن لا يمكننا القيام بذلك بمفردنا، لنعمل معًا عبر برامج وخطط نصل بها إلى مفهوم "محو الأمية الغذائية" لتؤكد أن الغذاء قدر حتمي.
 
[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة