على وقع النقاش الدائر والجدل المتصاعد حول مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد وما تبعه من قضايا جدلية أخرى وأفكار ومقترحات تحتاج المزيد من الحوار تطرح "بوابة الأهرام "مقترح تأجيل الإنجاب فترة تمتد من عامين إلى ثلاثة أعوام بدون إنجاب وذلك كاختبار لاستمرارية الارتباط من عدمه وبالتالي لا ينتج عن الزواج في حالة عدم استمراره أطفال يكونون ضحايا للطلاق ويتعرض مستقبلهم للضياع فقد أكدت الأبحاث أن نسبة الطلاق ترتفع في السنوات الأولى من الزواج ..وفي هذا التحقيق نتناول مقترح زواج تحت الاختبار خاليا من الإنجاب ..فهل الفكرة تكون مقبولة وما هي فوائدها أو عيوبها وهل يمكن أن تصطدم بموروث ثقافي طالما استعجل الإنجاب , أو شجع عليه . وهل يتطلب ذلك حملات توعية مكثفة بالمقترح , وما هو رأي الدين فيه ..أسئلة كثيرة وتساؤلات تفرض نفسها حول "زواج تحت الاختبار" نستعرضها في السطور التالية ":
موضوعات مقترحة
بداية لا بد من الإشارة إلى أن فلسفة المقترح بتأجيل الزوجين للإنجاب خلال هذه السنوات الأولى، حتى يطمَئن كل فرد في العلاقة إلى شريكه، وأنه قادر على استكمال مصيره بعد أن تكشَّفت له أثناء العلاقة الزوجية، كل صفاته وطباعه، وكم من زوجين كان الطلاق مصير زواجهما الذي أتى على خلفية خِطبة سعيدة وقصة حب سجدت لها المشاعر، إلا أن الحياة الزوجية كشفت خِصالا وطِباعا حرص الطرف الآخر على تجميلها فترة الخطوبة، وكان من الصعب التكيف معها بعد الزواج، لتطل النهاية برأسها القبيح، ويكون الطلاق مصيرها، بعد أن أثمرت للأسف أطفالًا كُتِبَ عليهم أن يتجرعوا مرارة الطلاق والتشتت بين الأب والأم والتعرض للتنمر من المحيطين بسبب ثقافات اجتماعية مريضة تدين الأبناء وتعايرهم بهذا الانفصال، فضلًا عن معاناتهم آلاما نفسية جسيمة كالحزن والاكتئاب والحقد عند مقارنة أنفسهم بأقرانهم من أبناء الأسرة المستقرة، ليتحمل هؤلاء الضحايا الصغار إثم التسرع في الإنجاب الذي ارتكبه كل من الأب والأم عندما استكثروا عليهم لحظات قليلة يفكرون فيها بمصيرهم وتأجيل قرار إنجابهم إلى تأكدهم من تكيف كل منهما مع خصال وطباع بل وعيوب الآخر فقضوا للأسف بتسرعهم هذا على مستقبل أطفالهم النفسي والاجتماعي وكيف لإنسان شُوِّهَ نفسيَا وتدمّر اجتماعيًا أن يصلح لشيءٍ بعد ذلك!.
صدمة "عش الزوجية"
القضية عبر عنها الرئيس السيسي قبل أيام بسؤال كانت إجابته كاشفة لحجم الخسائر التي يجنيها كثير من الأزواج بدأ مصيرهم بارتباط سعيد وانتهى بمنازعات خرجت عن جدران عش الزوجية وبيت العائلة الكبيرة، إلى محكمة الأسرة لتحجز لنفسها مقعدًا غير متهاونة في أن يحكم فيها قاضٍ جليل ويفصل فيها القانون، لا غيره، وهو :" لماذا يتسرع الزوجين بالإنجاب قبل التكيف مع طباعهم وصفاتهم التي تتكشف لهما عند المعاشرة ؟ وقال الرئيس :" في ناس سمعت مني الكلام ده، لما قولتلهم، فكروا أن أنتو متخلفوش في أول سنتين أو تلاته، الناس افتكرت إني بتكلم كده عشان أنظم النسل..لا، الشاب والشابة كانوا في بيوت أهلهم وفي كنف أسرة، و بعدين بيروحوا بيت تاني، بشكل تاني، أديهم فرصه يعيشوا، و يتفقوا مع بعض، و يقدروا يتحملوا مسار حياة لمدة سنتين"
نفسيًا يؤكد الخبراء لـ"بوابة الأهرام"، العلاقة الزوجية بحاجة إلى تمهل وتريث قبل إتمامها واختيار وقرار عن دراسة وبحث وتأنّي فالزوجان هُنا أمام نقلة جذرية لحياتهما إذ يقرر كل منهما أن يترك حياته التي نشأ عليها بل وبيته وأسرته الذي نشأ في كنفهم ليبدأ حياة أخرى مع شخص أخر وهو ما يتطلب منه أن ينحي كل أمور الحياة جانبًا ويتفرغ لدراسة شريكه وكل تفاصيل طباعه وصفاته وخصاله .
الخطوبة المزيفة
لكن ما يحدث للأسف عكس ذلك، بحسب حديث الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، لـ"بوابة الأهرام"، المواطن الشرقي بصفة عامة، والمصري بصفة خاصة، يُهدر فترة الخطوبة في الأغاني، والأهازيج، والتنزه، والترفيه، وتبادُل كلمات المشاعر على تطبيقات "السوشيال ميديا"، وهو ما يؤثر بالطبع على رؤيته الحقيقية لشريك الحياة المستقبلي، والوقوف على أهم التفاصيل المشتركة، أو المنفرة فيما بينهما، والتي يقوم على أساسها عصب الحياة الأسرية، أو تكون هي أول مسمار في نعش استقرار العلاقة، والوصول بها إلى الهاوية، وهو ما تؤكده الدراسات والإحصاءات الرسمية بأن 70% من حالات الطلاق تكون في الثلاثة أعوام الأولى من الزواج .
الطلاق في سنوات الزواج الأولى
ويرى استشاري الصحة النفسية، أن هذا الطلاق الذي يحدث في السنوات الثلاث الأولى من الزواج، هو نتيجة ذلك لعدم التوافق النفسي، والاجتماعي، والروحي، والفكري، بين طرفي العلاقة الزوجية، والذي يطل على الزوجين برأسه القبيح، منذ اللحظات الأولى لغلق الأبواب عليهما، وسقوط الأقنعة، والنزول بالعلاقة على أرض الواقع، وخوضها غمار العديد من التحديات، وللأسف الشديد، وقتئذٍ لا تتوقف الخسائر على طرفي العلاقة فقط، بل يدفع ثمنها أطفال أبرياء مُهِدَت لهم أرضًا خصبة للفشل، وهَدم الشخصية قبل أن يظهروا أصلا إلى ضوء الحياة، وهو ما يُخلّف أجيالا عديدة من الأطفال غير الأسوياء الذين يعيشون طيلة عمرهم أسرى لمشاعر القلق، والخوف من المجهول، والتحطيم النفسي الناتج عن الصراعات الوالديه.
أطفال الطلاق
كل ذلك يسقط على رأس الطفل بقوة كاسرة ومُحطمة ومُصيبة لجسده الضعيف، فينعكس مفهومه نحو ذاته، مع عدم شعوره بالكفاءة النفسية، بل أثبتت جميع الدراسات التربوية أن هؤلاء الأطفال هم الأقل في التحصيل الدراسي، والأكثر قابلية للتسرب من التعليم، والنزول المبكر لسوق العمل، والاستغلال الجنسي، والعديد من الاضطرابات السلوكية، كالتدخين، والإدمان، وسهولة الانقياد من قبل جماعات الشر، أو أصحاب الجريمة المنظمة.
ناقوس الخطر
وهذا ما يدق لنا ناقوس الخطر، ويجعلنا نقف وقفة أمانة مع النفس لنتساءل : لماذا يدفع أطفالًا أبرياء فاتورة التسرع وسوء الاختيار ؟ .. وهو ما يستوجب ضرورة أخذ العديد من الإجراءات والخطوات الفعلية لتجنُّب وأد النفوس الأبرياء من الأطفال، بأن نتمهّل قليلًا في خطوة الإنجاب، ولا نُقدم عليها إلا بعد تيقُّنا تمام اليقين، من رسوخ العلاقة الأسرية، وثبات جذورها، لمواجهة الاختلافات والأزمات والشدائد، بل واكتمال قدراتنا على الإنفاق بسِعَة ورحابة على أطفالنا، في الصحة والملبس ومراحل التعليم المختلفة، وعلى كل فرد أن يقف أمام مسئولياته ويحدد هو بذاته وبالتعاون مع شريك الحياة اللحظة المناسبة التي يقرر فيها الإنجاب، والتي بأي حال من الأحوال لا تقل، بحسب حديث استشاري الصحة النفسية لـ"بوابة الأهرام"، عن عام على الأقل، بل قد تزيد عليه بعد إتمام عملية الزواج.
تأجيل الإنجاب ومصلحة الأسرة
الفكرة التي أيدها خبراء علم الاجتماع، وقالوا إنها واقعية بنسبة 100% بناء على تجارب شخصية، فتقول الدكتورة هالة يسري، أستاذ علم الاجتماع، لقد تزوجت أنا وشريكي على هذه الطريقة، وقررنا تأجيل الإنجاب لمدة عامين، حتى يتمكن كل منّا معرفة الآخر، معرفة حقيقية، بعد أن كشفت لنا العلاقة الزوجية طباع، وخصال، كل منّا، دون تجمًّل أو تزيين مقصود.
وتضيف، أستاذ علم الاجتماع، في حديثها لـ"بوابة الأهرام"، أن هذه الفكرة كانت مثمرة للغاية، حيث جعلت العلاقة الزوجية قائمة على أساسها الصحيح، وهو المودة والرحمة، والتآلف، والأُنس، وجعلت عملية الإنجاب، عملية اشتياق للمولود الجديد، وليست عملية بيولوجية، تلقائية، يجب أن تحدث لمجرد أن الزواج قد حدث!.
وحينئذ، بحسب أستاذ علم الاجتماع، يكون المولود الجديد، قد أتى إلى الحياة، وهناك بيئة حاضنة تنتظره، وهذه البيئة قد استعدت نفسيًا، ومعنويًا، واجتماعيًا، واقتصاديًا، من الأم، والأب، وكافة أطراف العائلة، لاستقباله، بشوق، وحب، وحِرص، وتمتع بوجوده، قائلة :" أؤيد جدًا وعن تجربة شخصية ناجحة فكرة تأجيل الإنجاب في أول سنوات الزواج، وهذه الفكرة أحد أهم الموضوعات التي طُرحَت بالفعل للمناقشة والحوار بين الزوجين قبل وصول المولود".
الرهان على هذه المؤسسات
وترى الدكتورة هدى بدران، عضو الاتحاد النوعي لنساء مصر، أن هذه الفكرة التي تؤيدها لما تحمله من خير كثير للزوجين، حيث تمهلهما فرصة التكيف مع بعضهما البعض، والتأكد من استقرار الحياة الزوجية بينهما، ليتثنى لهما إنجاب أطفال يعيشون في أسرة مستقرة غير مهددة بالصراعات والنزاعات التي تنتهي بالطلاق، أن ذلك يحتاج إلى دعم ثقافي كبير.
وتشير في ذلك، إلى دور وزارة الثقافة، ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الدينية ووسائل الإعلام المختلفة، في توعية المجتمع بأهمية فكرة تأجيل الإنجاب في بداية الحياة الزوجية، حتى يتثنى للزوجين تطبيق ذلك دون التعرض لمعوقات الموروثات الثقافية التي دائمًا ما يطالب فيها أهل الزوجين بسرعة الإنجاب بصورة تجعل المرأة التي قررت أن تؤخر إنجابها وكأنها تعاني وصمة اجتماعية بسبب تنمر الأهل بل والأصدقاء والجيران من هذا التأخير.
ضريبة مالية على الإنجاب
ويقترح الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، بالجامعة الأمريكية، أن تخرج فكرة تأجيل الإنجاب ببداية الزواج، التي يُثني عليها، ويشيد بنتائجها، من إطار الإلزام القانوني، إلى إطار النُصح الاجتماعي، مع إلزام الزوجين بتقديم شهادة محو الأمية، ضمن وثائق الزواج المطلوبة، لضمان أنهما يجيدان القراءة والكتابة، ومن ثَم مُتابعة أطفالهما علميًا في المستقبل، فضلًا عن أن هذا الشرط سيكون مساهمًا بقوة في محو الأمية بالمجتمع المصري.
ويقول في حديثه لـ"بوابة الأهرام"، يمكن أن تلجأ الدولة إلى ضريبة الإنجاب الكثير، بحيث يلتزم الزوجان بطفلين فقط، ومن أراد زيادة عن ذلك يسدد ضريبة مالية قيمتها 25 ألف جنيهًا، ومن أراد طفلًا رابعًا، يسدد 50 ألف جنية، قائلًا :" إذا أراد الزوجين إنجاب طفلًا جديدًا فهذا يعني أنهما قادران ماليًا على تكلفة إنجابه وتربيته وتعليمه وهكذا، ومن ثَم فهم قادرون على سداد الضريبة المالية"، لافتًا إلى أن هذا المقترح سيكون مُجديًا في الحد من الزيادة السكانية.