جاءت تعديلات مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، لتدق ناقوس الخطر الذي يحوم حول الزواج العرفي، أو زواج التهلكة، لأنه زواج أحدث شرخًا في جدران المجتمع، رغم أنه السائد منذ فجر الإسلام، وتزوج به ملايين المسلمين، وكل أجدادنا، قبل أن تأتي خطوة توثيق العقود رسميًا، وهي الخطوة التي تحمي الحقوق والأفراد سواء طرفي الزواج أو الأبناء بعد أن تحول الزواج العرفي إلى مرض خبيث يلزم استئصاله إن أمكن وإلا أدى النزيف الناتج عنه إلى موت صاحبه، وكم من حوادث للزواج العرفي شاب لها الرأس وانفطر عليها القلب، وأقسام الشرطة ممتلئة عن آخرها بجرائم التخلص من الزوجة التي حاولت الخروج من جُحر الزواج العرفي إلى ساحة الزواج الرسمي فتخلّص منها الزوج بأبشع الطرق بعد أن شوّه جثتها، وآخر دفنها وهي على قيد الحياة، جزاءً لتمسكها بالاعتراف رسميًا بزواجهما.
موضوعات مقترحة
ضحايا الزواج العرفي
جرائم لا تعرفها الإنسانية، وكوارث بدوافع شيطانية، ألقى بها الزواج العرفي على قارعة طريق استقرار المجتمع، جعلته مهددًا بعلاقات هشة، غير مستقرة، تبعث على هشاشة الوضع القاعدي له في العصر الحديث، الذي تحولت فيه النسبة الأكبر للزواج العرفي من زواج قال عنه علماء الأزهر لـ"بوابة الأهرام"، إنه شرعي غير أنه فقط ينقصه إجراء إداري وهو التوثيق، إلى مجرد وسيلة يستخدمها صاحبها لإشباع رغبة، يبدأ بعد الحصول عليها في الزحف إلى الماضي، مُنكرًا هذا الزواج، مُتنصلًا من مسئوليته، خاصةً إذا أنتج هذا الزواج جنينًا أرادت له الزوجة تسجيلًا رسميًا بين أقرانه في كشوفات سجلات المواليد، ليعيش حياة كريمة، تبدأ عند الزوجة، بالاعتراف بها وجنينها رسميًا، في الوثائق الحكومية، لتعترف بهما الدولة ويحظون بنصيبهم من الدعم الصحي والتعليمي والسكني والغذائي وغيره من سبل العيش الكريم.
جرائم ضد الإنسانية
وكم من دماء أُهِدِرَت على أثر الأمل في هذا العيش الكريم، وأخبار الحوادث ممتلئة عن آخرها، بين زوجة فقدت الحياة بعد أن تخلص منها الزوج لرغبتها في توثيق زواجهما العرفي، وجنين أُجهِض حتى لا تفضح ولادته وقوع هذا الزواج، وأسرة دفنت رؤوس أفرادها في الرمال، خشية مواجهة الأهل والجيران بل والمجتمع الذي عَلِمَ بخروج ابنتها عن إطار الزواج الرسمي وتحوُّل زواجها العرفي إلى جريمة شرف.
قانون الأحوال الشخصية
مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، ينص على تقنين أوضاع الزواج العرفي والاعتراف به قانونًا حتى يتثنى للزوجة وأبنائها إثبات نسبهم للزوج ومن ثَمّ الاعتراف بهم والحصول على حقوقهم التي في مقدمتها إنفاق الزوج عليهم حتى ولو انتهت العلاقة، وذلك إذا وقع هذا الزواج قبل العمل بمشروع القانون الجديد.
الحوار الوطني
أما بعد الانتهاء من هذا القانون الذي يجري إعداده حاليًا وتأهيله لعرضه على مجلس النواب ودار الإفتاء والأزهر الشريف فضلًا عن طرحه للحوار الوطني، وبعد التصديق عليه وبدء العمل به، لن يتم الاعتراف بأي زواج عرفي يحدث، وفي حال تواجد حالة خلاف بين الزوجين، لن تستطيع الزوجة أن تطالب بحقوقها في المحاكم، لأن القانون لن يعترف بالزواج العرفي حينها.
المرأة والطفل
يرى خبراء علم الاجتماع أن هذه التعديلات بقانون الأحوال الشخصية تبني جدارًا عازلًا بين آلاف السيدات وجحيمهم الذي يبدأ عند طلبها من الزوج بالاعتراف رسميًا بها وبأبنائها، فتقول الدكتورة هالة يسري، أستاذ علم الاجتماع، إن عدم الاعتراف بالزواج العرفي الذي سيتم بعد إقرار القانون الجديد، خطوة صحية للمرأة والطفل والمجتمع:"دي وقاية عظيمة من كوارث جسيمة".
مستقبل الزواج العرفي
وتضيف أستاذ علم الاجتماع، في حديثها لـ"بوابة الأهرام"، إن الزواج العرفي يُفقد الزوجة والأبناء شرعيتهم في التمتع بحقوقهم لتكوين أسرة متكاملة الأركان، مما يترتب عليه هشاشة وضع هذه الأسرة، وقابليتها للانكسار، وضعف أعضائها، واستحالة وجود مستقبل مشرق لأي من أفرادها.
حقوق الإنسان
وتصف أستاذ علم الاجتماع، هذه الخطوة التشريعية الجاري إعدادها للعمل بها قريبًا، بأنها حسنة لتقليص فكرة الزواج العرفي، لافتة إلى أن أي أمر غير رسمي فهو يحاول أن يتلافى حقوق الزوجة والأولاد وهو ما لا يتفق مع الشرع ولا القانون ولا حقوق الإنسان ولا حقوق الطفل.
وتضيف الدكتورة هالة يسري، أن هذه فرصة أخيرة للزوجات اللاتي خارج مؤسسة الزواج الرسمية، أن يوثقن زواجهن حتى لو عند محام ليستطعن أن يحصلن على حقوقهن وحقوق أطفالهن.
الزواج الرسمي
ورغم أن الزواج العرفي يفقد كل ما يتفق ومؤسسة الزواج الرسمية، بما فيها سن الزوجة، والزوج، ومسئوليات الأب تجاه الزوجة والأطفال، ورغم أنه زواج يجري في الظلام حتى لو كان هناك شهود، إلا أن الزوجة الأولى تظل لا تعلم بهذا الزواج، الذي يضطر طرفاه وأبناؤهما إن نتج عن هذا الزواج حدوث حمل، إلى العيش بطريقة غير طبيعية يخرجون فيها في الأماكن التي لا يتردد عليها معارفهم، ويسيرون على أطراف أصابع الأقدام حتى لا يتحسس خطواتهم معارفهم، اللهم إلا وجودهم في المصالح الحكومية، فيذهبون إليها بكل ثقة ودون تخفي لأنهم على يقين بعدم وجود أوراق رسمية تثبت نسبهم وتفضح العلاقة العرفية القائمة.
أسباب الزواج العرفي
رغم كل ذلك، هناك من يرى أسبابًا واقعية لحدوث هذا الزواج، وحميده ليست خبيثة كرغبة أحدهم المؤقته في الارتباط بإحداهُن، فيقول الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، قبل الإدانة للزواج العرفي، علينا معالجة البواعث والأسباب، والعلل.
التأمينات الاجتماعية
ويدين أستاذ الشريعة الإسلامية في حديثه لـ"بوابة الأهرام"، نظام التأمينات والمعاشات بالتسبب في حدوث الزواج العرفي بنسب كبيرة في المجتمع، قائلًا:"نظام التأمينات والمعاشات يجبر آلاف السيدات على الزواج العرفي عندما يحرم الأرملة وكذلك المُطلقة، من معاش والدها إذا تزوجت زواجًا رسميًا من آخر".
معاش الأب
ويضيف:"اليوم ملايين المطلقات في مصر يلجأن للزواج العرفي حفاظا على المعاش"، متسائلًا:"ما علاقة استحقاق إنسان للمعاش الذي دفع صاحبه المتوفى أقساطه من ماله وكدِّهِ عبر سنوات خدمته في القطاع العام؟
تقنين الزواج العرفي
ويناشد أستاذ الشريعة الإسلامية، بالتريث قبل إقرار القانون الجديد، وبدء عدم الاعتراف بالزواج العرفي الذي سيتم بعد العمل بهذا القانون، قائلًا:"أرجو التريث حتى تتم معالجة تمكين المرأة المُطلقة والأرملة، من معاش والدها حتى إذا تزوجت من آخر، حتى لا تلجأ للزواج العرفي، تمسكًا منها بهذا المعاش".
عقد الزواج العرفي
ومن ناحية عقد الزواج العرفي، لأنه غير موثق رسميًا، يقول أستاذ الشريعة الإسلامية، إنه عقد سليم من الناحية الشرعية حتى لو لم يكن موثقًا رسميًا، وإلا أصبحت كل عقود الزواج في المناطق البدوية والريفية وعند العرب باطلة، لأنهم لا يوثقونها رسميًا بسبب سن الزوجة التي غالبًا ما تكون عند الزواج، قاصرًا، أقل من 18 سنة.
حكم الزواج العرفي
أما عن الزواج العرفي نفسه، فيقول أستاذ الشريعة، لـ"بوابة الأهرام"، إنه ليس باطلًا، بل صحيح من الناحية الشرعية إذا استوفى الأركان والشروط.
أركان وشروط الزواج الشرعي
وتتمثل هذه الأركان والشروط في الإيجاب، والقبول بين طرفي العقد، والولّي عند جمهور الفقهاء للمرأة، وتحديد الصداق، والشهود، بهذه الأركان والشروط العقد صحيح، سواء تم توثيقه أو لم يتم توثيقه، قائلًا:"نحن لا ننكر التوثيق كعمل إجرائي إداري يحمي ويصون حقوق المرأة والطفل، لكن عدم التوثيق لا يبطل العقد".
عقد شرعي وعقد مدني
ويشير عالم الأزهر إلى مُقترح، قائلًا:"أقترح على من يقومون بإعداد مشروع القانون الجديد أن يجعلوا هناك نوعين من العقود، عقد شرعي وعقد مدني"، موضحًا أن العقد الشرعي يستوفي الأركان والشروط الإسلامية، والعقد المدني يحدث فيه ما يشاء القائمون على إعداده من دعاوى، وهو عقد خطر!
أمراض الزواج العرفي
في كل الأحوال سواء اتفق الناس على أن الزواج العرفي سرطان للأسرة التي تقبل به، أو اختلف آخرون على ذلك معللين قبولهم له بدواع حياتية مثل تمكين المطلقة والأرملة من معاش والدها بعد زواجها، فإن لا أحد حديث العلم بأن الزواج العرفي ينتج عنه أمراض نفسية خطيرة تصل إلى وفاة الزوجة والأبناء.
المرأة في خطر
يقول الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، إن الزواج العرفي له العديد من الآثار النفسية التي تلقي بظلالها على المرأة تحديدًا، والرجل أيضًا في بعض الأحيان، فقد أثبتت جميع الدراسات العلمية أن من تتزوج عرفيًا تعاني من الشعور بالنقص وينخفض مفهومها نحو ذاتها.
خوف واضطراب وتجريس
وبعد انقضاء السّكرَة، وحضور الفكرة، تبالغ في الشعور بجلد الذات، وتُصاب بالعديد من الأمراض السيكوماتية، كالقيء، وآلام البطن، واضطرابات الدورة الشهرية، مع اختلال المزاج العام، واضطرابات النوم بكافة أنواعها، ناهينا عن عدم الشعور بالأمن النفسي، مع الخوف الدائم من التشهير، والفضيحة، والتجريس الاجتماعي.
زواج التهلكة
وإذا ما أضفنا إلى ذلك حدوث حمل مفاجئ، أو حالات الوفاة الناتجة عن الزواج العرفي، أو تعرضها للقتل وجرائم الشرف، أو الملاحقة القانونية في بعض الأحيان، فإن هذا يجسد لنا الصورة البشعة والأليمة للآثار النفسية المترتبة على الزواج العرفي، والذي في بعض الأحيان تكتشف فيه المرأة أنها قد تزوجت ذئبا بشريا، ظهر لها في ثياب الواعظين، وشاهدته وهو منعدم الضمير، لا يكترث إلا لإشباع رغباته وشهواته، وقد يلقي بها إلى التهلكة، غير عابئٍ بما سوف تواجهه من آلامٍ وضعف وقلة حيلة وعدم القدرة على الشكوى وانعدام الحماية القانونية، مع الخوف من الأهل، وما قد يخلفه هذا الزواج من حمل وإنجاب، وما يترتب عليه من تبعات اقتصادية واجتماعية وصحية.