Close ad
28-12-2022 | 13:16

ابتداء لا تستغرب ولا تستهجن طرح التساؤل الآتى: هل ثمة صلات ووشائج قوية ويعتد بها تربط بين الظلاميين الذين يحكمون أفغانستان الآن، وهم حركة طالبان، وبين العنصريين المؤمنين والمولعين بفكر اليمين المتطرف المستشرى في بلدان أوروبية عدة، وتبوأت عناصره القيادية سدة الحكم فى بعضها؟

على السطح سيبدو السؤال غير منطقى، إن لم يكن شططًا غير مبرر، في نظر كثيرين، لأن طالبان أقامت صرحها على قاعدة دينية محضة، وتحصنه بأسانيد وتفسيرات من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وكتب الأولين من الأئمة والعلماء الأفذاذ والثقات، لسد الطريق على مَن يعارضها ويخالفها الرأي، بينما، وعلى النقيض، شيد اليمينيون المتطرفون صرحهم على أسس دنيوية صرفة، منها ما هو حضارى وعرقى واجتماعى وثقافى وفكرى وهلم جرا.

بناء عليه، فإن النتيجة المتوقعة والمنتظرة تتلخص فى أن ما يُفرق بينهما يفوق بمراحل ما يجمعهما تحت سقف واحد أو داخل ثوب واحد، ومن غير الجائز الحديث، ولو تلميحًا، عن مساحات تقارب ونقاط التقاء بين النقيضين، لكن تمهل قليلا قبل الجزم قاطعًا بذلك، لماذا؟

مرجع التمهل والتريث أن الاثنين ينهلان من معين ووعاء واحد، هو التطرف الأعمى في أقبح وأحط صوره وأشكاله، رغم حرص كليهما على تغليفه بمسحة تشرعنه وتجعله مقبولا، من أجل إغلاق الأبواب أمام دحض حججهما وبيان فسادها وخطورتها على حاضر ومستقبل الأوطان وأجيالها الشابة، وأنهما غارقان حتى أذنيهما في ظلام جهلهما وإدمانهما العنف وإسالة الدماء دون أن يرمش لهما جفن، أو وخز ضمير.

شاهدى وسندى على ما ذهبت إليه واقعتان طازجتان لم يمض عليهما سوى أيام قلائل، الواقعة الأولى جرت أحداثها وتفاصيلها في أفغانستان بصدور قرار غريب وشاذ بمنع الفتيات من التعليم الجامعى، ولم تلتفت طالبان لرد الفعل الدولى المنتقد بحدة لهذه الخطوة الظلامية، حتى أن حامل حقيبة التعليم العالى في هذا البلد المنكوب بأبنائه قبل أعدائه صرح بأن كابول لن تتراجع عن حرمان النساء من التعليم، حتى لو ألقى الغرب عليهم قنبلة نووية، أو فرض عليهم عقوبات مشددة!!

لن أعيد على مسمعك العذاب والخراب اللاحق بأفغانستان، جراء هذه الردة وحرمانها من كفاءات ومهارات وإسهامات نصف مجتمعها، متمثلا في نسائها، لكننى حاولت البحث عن سبب مقنع لهذا الخبل المجافى لكل أبجديات ومفاهيم العصر الحديث والقديم أيضا، فلم أعثر إلا على رغبة سادية وضيعة في التحكم الذكورى، وإلغاء كامل لكينونة المرأة ودورها ومكانتها الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والإنسانية، وأنها ليست سوى متاع وآلة مستعدة ساعات الليل والنهار لإشباع رغبات ونزوات رجال طالبان، وتجريدها من أى حقوق، بما فيها تلك التي كفلها وضمنها لها الدين الحنيف، الذى يتكلمون بلسانه، ويعتبرون أنفسهم أوصياء عليه وحراسا له.

فهؤلاء ومن كثرة إقامتهم في كهوف الجبال والوديان تآلفوا مع الظلام واستراحوا له، ولا يطيقون ثانية النور الذى يزيل عنهم أقنعتهم، وإحساسهم المتفجر بالفوقية وبالاستعلاء على المرأة، ولا يفكرون ألا في وسائل تنغص عليها حياتها بدلا من تحسينها وفتح الأفق الواسع أمامها، ومنحها فرصتها المستحقة والواجبة للمشاركة في إزالة مخلفات وتشوهات عقود من الحرب الأهلية التي أعادت أفغانستان حرفيًا للعصور الوسطى، من خلال مواصلة تعليمها وتنشئة أجيال تنتشل بلادهم من الحضيض الذى أوقعها فيه طالبان وغيرهم من التنظيمات المتطرفة.

فسادة طالبان وكبراؤهم يتصرفون من منظور أنهم ظل الله على الأرض، وهم أعلم بما يرضيه ويستحسنه، ويمهد لهم الطريق لدخول جناته بعد انتقالهم غير مأسوف عليهم من دنيا الفناء إلى عالم الخلود في الآخرة، ولا يجدون غضاضة في تحصيل الأموال والعملة الصعبة من زراعة وتجارة المخدرات، لا سيما الأفيون، فذاك في أعينهم حلال وألف حلال، أما تعليم المرأة وتفتح مداركها فهو رجس من عمل الشيطان عليهم اجتنابه والابتعاد عنه. 

الواقعة الثانية: شهدتها العاصمة الفرنسية باريس، عندما فتح عجوز تجاوز الستين من عمره النار على مركز ثقافى كردى وقتل ثلاثة أشخاص وأصاب آخرين، فهو بدوره يعيش وسط ركام ظلام فكر اليمين المتطرف المعادى للأجانب، ويحض على كراهيتهم والتخلص منهم، لأنهم يدنسون بلدهم الذى يستوطنه الجنس الأبيض السامى، ودعك من قصة أنه يعانى من الاكتئاب ولديه نزعة انتحارية، فهذا المكتئب أفصح للمحققين وهو في تمام وعيه عن نواياه الخالصة بقوله:" إنه كان يود قتل المزيد منهم، لكنه أخفق".

هنا مربط الفرس، إذ إنه يُنكر التنوع وأحقية الآخرين في العيش بفرنسا أو غيرها من البلاد بالقارة العجوز وخارجها، اعتقادًا بأن البيض وحدهم هم أصحاب هذا الحق، ويغمض بصره عن أن الآلاف من الأجانب الوافدين ويحملون الجنسية الفرنسية مثله أسهموا في تقدمها وتحقيقها إنجازات وبطولات أكثر من أن تحصى، وأنهم مواطنون يتمتعون بذات الحقوق والواجبات، لكنه التطرف المقيت والمروع الذى يبيح لهم حمل السلاح وقتل مَن يرفضون بقاءهم وسطهم، ويُحولهم إلى إرهابيين يقفون في ذات الخندق مع الذين يرهبون الناس بدعاوى دينية، ويهدرون دماءهم، ويستلذون بقتلهم، وفى عرفهم أن القتل يقربهم إلى الله زلفى.

نخلص من الواقعتين إلى أن أعراض المرض واحدة بصرف النظر عن المعتقد الدينى ومستوى التقدم والتخلف والرفاهية الاجتماعية وغيرها من المقومات والمؤشرات، ونوجزها في الجمل التالية: الاستعلاء على الآخر، وأفكار ظلامية بائسة، وامتلاك الصواب والحكمة، والسادية، والميل للعنف والإرهاب، والحض على الكراهية، لذا لا تتعجب من أن طالبان واليمين المتطرف يجتمعان ويترديان فى غياهب الظلام.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
دائرة الانتقام

بحكم تركيبته ونزعته الدموية والفاشية ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو، بإسرائيل داخل دائرة الانتقام الجهنمية، ظنا منه أن سفكه مزيدًا من دماء