«الأحزمة الخضراء» كلمة السر للحد من انجراف التربة وتلوث الهواء

27-12-2022 | 12:56
;الأحزمة الخضراء; كلمة السر للحد من انجراف التربة وتلوث الهواءزراعة الكثبان الرملية بصحراء كوبوتشي الصينية
هويدا عبد الحميد
بوابة الأهرام الزراعي نقلاً عن

 

موضوعات مقترحة
  • الأحزمة الخضراء غائبة بمصر.. ويجب زراعة 3 مليون شجرةعلى جانبى كل الطرق السريعة
  •  بحر الرمال الأعظم بمصر يحتل نحو 70 ألف كم2 والأحزمة الخضراء السبيل الأمثل للوقاية من أخطاره
  • المبادرة الرئاسية لزراعة  100 مليون شجرة مبادرة واعدة للتخفيف من حدة التغيرات المناخية
  • الصين أجبرت كل مواطن يتجاوز عمره 11 سنة بزراعة 3 أشجار  على الأقل كل عام
  • استخدام تقنية Water Box الهولندية بسور الكويت الأخضر للمحافظة على استمرارية نمو الأشجار 

 

التغييرات المناخية وزحف الكثبان الرملية، وزيادة معدلات التصحر والتخفيف من العواصف الرملية، أجبرت العديد من الدول على التفكير فى حل للتصدى لتلك الظواهر، وكان من بينها إقامة "الحزام الأخضر".. الدكتور رأفت فهمى ميساك الأستاذ بمركز بحوث الصحراء، ومستشار سابق بمعهد الكويت للأبحاث العلمية، وعضو الجمعية الكويتية لحماية البيئة، يكشف فى حواره لـ"الأهرام الزراعى"، كيف توصل لتفسير سبب المقولة التى درسها بالجغرافيا، أن مصر مقبرة الغزاة على مر العصور، حيث سجل التاريخ ابتلاع واختفاء جيش الملك قمبيز ملك الفرس، (خمسين ألف مقاتل) فى العام 525 قبل الميلاد، أثناء عاصفة رملية عملاقة وهو فى طريقه من طيبة إلى واحة سيوة.

*بداية ما هو التعريف العلمى للحزام الأخضرGreen Belt؟

هو صفوف من الأشجار والشجيرات، وأنواع نباتية أخرى منها النباتات الفطرية، تزرع  فى مواقع محددة بتصاميم مختلفة، لتحقيق أهداف واضحة منها: تخفيف مستوى تلوث الهواء الجوى، حيث تشكل الأشجار بالوعات امتصاص الملوثات البيئية - كسر السرعات العالية للرياح، ومن ثم التخفيف من العواصف الرملية والغبارية، والحد من الانجراف الريحى للتربة - إضفاء البُعد الجمالى للبيئة المحلية - تخفيف درجة حرارة الهواء الجوى الملاصق والتربة - تنمية التنوع البيولوجى.

*ومتى تنبهت الدول لأهمية الحزام الأخضر وبدأت أولى الخطوات؟

أدركت الصين التى تبلغ مساحتها قرابة 9.6 مليون كم مربع، ويصل عدد سكانها إلى 1.4  بليون، أن الخيار الأفضل بيئياً واقتصادياً واجتماعياً لمواجهة التغيرات المناخية، هو زراعة سور أخضر كبير على امتداد سور الصين العظيم، وكان لزاماً عليها أن تحشد القوى البشرية والأموال الضخمة، وتصدر تشريعات جديدة تصب فى مصلحة  التوسع الكبير فى الاستثمار بالتشجير والتخضير، والتخفيف من العواصف الرملية والغبارية والتغيرات المناخية.

فى عام 1981 قرر مجلس الشعب الوطنى  - أعلى هيئة تشريعية فى الصين- أنه من واجب كل مواطن يتجاوز عمره 11 سنة، أن يزرع ما لا يقل عن ثلاثة من أشجار الحور واللاريس والأوكالبتوس أو شتلات أخرى، كل عام. وهكذا زرع المواطنون الصينيون نحو 56 مليار شجرة فى مختلف أنحاء بلادهم فى العقد الماضى، وفقاً لإحصاءات الحكومة، وفى عام 2009 فقط زرعوا مليارات الهكتارات  من الغابات.

وصرح نائب الرئيس الأمريكى السابق، والحائز على جائزة نوبل، آل غور، أن الصين تزرع كل سنة، عدداً من الأشجار يزيد بمقدار مرتين ونصف مرة عن عدد كل الأشجار التى تزرعها بقية دول العالم مجتمعة، فيما أسماه "أكبر برنامج لزراعة الأشجار فى العالم" على الإطلاق.

وبدأ مشروع الحزام الأخضر العظيم بالصين فى غضون العام 1978، ومن المقرر أن يستكمل السور الأخضر فى غضون عام  2050 يبلغ طول السور 3000 ميل والعرض 900 ميل.

وتبلغ مساحة الصحارى فى الصين قرابة 2.6  مليون كم2 تشكل ما يقارب 27 % من المساحة الكلية للصين، ومن أهم صحارى الصين كوبوتشى ( 18600 كم2)، وصحراء بايدين (49000 كم2).

وكانت بكين فى الماضى القريب تتعرّض للعواصف الرملية والغبارية الشديدة، التى ينجم عنها انعدام الرؤية، وزحف الرمال، وتلوث الهواء الجوى.. وكانت الكثبان الرملية بصحراء كوبوتشى، الواقعة على مسافة تقارب  800 كيلو متر للغرب من بكين، المصدر الرئيسى للرمال والغبار.. وخلال الفترة من العام 1988 إلى 2019 نفذت الصين برنامج تثبيت وتخضير الكثبان الرملية بصحراء كوبوتشى، وتمت السيطرة  على 6460 كيلو متراً مربعاً من الرمال المتحركة، ونجحت الصين فى تخفيف العواصف الرملية والغبارية المؤثرة على بكين.

*وهل توجد أحزمة خضراء بمصر؟

مع الأسف الأحزمة الخضراء غائبة بمصر، ومعظم الطرق السريعة بصحراء مصر الغربية، وشرق وغرب النيل، وسيناء والصحراء الشرقية لا تحدها صفوف من أشجار مرتفعة تلطف الأجواء، وتقلل درجة الحرارة، وتنقى الهواء الجوى، وتخفف من سرعة الرياح، وتشتت العواصف الرملية والغبارية العاتية، لذا فإننا نقترح زراعة قرابة 3 ملايين شجرة  فى إطار المبادرة الرئاسية (زراعة 100 مليون شجرة) على جوانب الطرق التالية:

طريق مدينة السادس من أكتوبر- الواحات البحرية (336 كم)، طريق البحرية – سترة - سيوة (524 كم)، طريق سيوة- مطروح (307 كم).

تعد هذه الطرق الأكثر تعرضاً لظاهرة زحف وتراكم الرمال، لذا أدرجت تحت قائمة الطرق التى تزرع على جوانبها أحزمة خضراء كثيفة، لتوفير وقاية من العواصف الرملية والغبارية.

 أذكر عندما كنت طالباً بالمرحلة الثانوية بإحدى المدارس بصعيد مصر، فى أواخر خمسينيات القرن الماضى، قال لنا أستاذ الجغرافيا أن مصر مقبرة الغزاة، وأشار إلى واقعة ابتلاع بحر الرمال الأعظم لخمسين ألف مقاتل يشكلون جيش الملك قمبيز ملك الفرس.

واستطرد أستاذ الجغرافيا قائلاً: "يسجل التاريخ القديم  ابتلاع واختفاء جيش الملك قمبيز ملك الفرس (خمسين ألف مقاتل) فى العام 525 قبل الميلاد، أثناء عاصفة رملية عملاقة، وهو فى طريقه من طيبة (الأقصر حالياً) إلى واحة سيوة قرب الحدود المصرية الليبية، وكانت المهمة المباشرة لجيش الملك قمبيز هى الوصول إلى معبد آمون بواحة سيوة لهدم المعبد.

فى ذلك الوقت لم أستوعب هذه الحقيقة، بالرغم من محاولاتى المتعددة لفهم آلية ابتلاع الرمال لهذا العدد الكبير من الجنود، وكنت أسأل نفسى: هل كان الجيش فى حالة تحرك (أرتال عسكرية)، أم فى مرحلة استراحة (نوم واسترخاء)، وهل الوقت كان ليلاً أم نهاراً، وكيف وماذا حدث، ولماذا حدث؟؟! ولا إجابة لجميع تساؤلاتى.

وتمر الأيام والسنين، لأجد نفسى فى قلب بحر الرمال، وكان ذلك فى سبعينيات القرن الماضى، أى بعد قرابة 20 سنة من حصة الجغرافيا فى المرحلة الثانوية، وكنت وقتها فى بداية مشوارى العلمى بمعهد الصحراء (مركز بحوث الصحراء حالياً)، حيث نتجول فى الصحارى لنتعرف على ملامحها، ومواردها وجبالها وتلالها، ورمالها وسبخاتها وعيون المياه الساخنة والباردة، وكثيراً كنا ننصب خيامنا لأسابيع فى أعماق الصحراء، قرب حافة بحر الرمال الأعظم، على مشارف واحة سيوة الجميلة، وفى كل رحلة إلى بحر الرمال العظيم طيلة ربع قرن من الزمان، كانت واقعة اختفاء جيش الملك قمبيز تتصدر المشهد، حيث الأرض التى تحرك فوقها، ثم ابتلعته رمالها المتحركة أثناء عاصفة قوية، ومن بعدها أصبح ذكرى.

وفى رحلة لبحر الرمال فى ثمانينيات القرن الماضى، صعدت فى الصباح الباكر إلى أعلى قمة فى بحر الرمال الأعظم، وتربعت فوقها، وبدأت أرسم خط سير جيش الملك قمبيز من طيبة (الأقصر) إلى سيوة، وتبلغ المسافة بين نقطة البداية (طيبة) ونقطة النهاية (سيوة) قرابة 1000 كيلو متر، واتجاه الحركة شمال غرب، وكنت أستعين بالخرائط الطوبوغرافية، وكذلك الصور الجوية.. كان على الجيش أن يعبر سلاسل الكثبان الرملية لبحر الرمال، وهذا من الصعب، بل من المستحيل، وكان المفترض أن يسلك عبر ثغرات أو ممرات ضيقة بين سلاسل الكثبان الرملية، وإذا قدرنا أن سرعة المعدات العسكرية وعجلات القتال فى حدود 20 كيلو متراً فى اليوم، فإن الجيش يصل إلى سيوة بعد خمسين يوماً على الأقل، لكن تأتى الرياح بما لا يشتهى ملك الفرس قمبيز ورجاله، وأتصور أن الجيش بكامل قواته أثناء الرحلة كان فى راحة أو نوم بمنطقة منخفضة واسعة، تحدها كثبان رملية مرتفعة من جميع الجهات، يبلغ ارتفاعها 100 متر على الأقل، وفجأة هبت رياح شديدة محملة  بالرمال والغبار، وبدأت تغطى المنخفض الواسع بمن فيه، واستمر الحال لساعات، وربما لأيام، وتحول المنخفض الواسع إلى مقبرة جماعية للخمسين ألف مقاتل، ولم ينجُ أحد، وكنا نتمنى أن ينجو جندى واحد ليخبرنا عما حدث للجيش الكبير.

ولذلك يستحوذ الجيش المفقود اهتمام عدد من الهيئات التى تقوم بالمسح الجوى، بحثاً عن جثث الجنود ومعداتهم العسكرية.

يتكون بحر الرمال الأعظم  (72000 كم2) من سلاسل من الكثبان الرملية الطولية، تفصلها مناطق منخفضة تحتها بركة ضخمة من مياه عذبة، مصدرها خزان الحجر الرملى النوبى.

*وماذا عن مبادرات التشجير المحلية والإقليمية؟

هناك مبادرة الـ 100 مليون شجرة (مبادرة الرئاسة المصرية 2022)، والتى تتضمن المبادرة زراعة الأشجار على الطرق والجزر الوسطى، وبنطاق الجهات الحكومية مثل المدارس والجامعات، ومراكز الشباب، والمناطق الصناعية، والظهير الصحراوى للمحافظات، والطرق الرئيسية والإقليمية والدائرية، ومداخل المدن والقرى والميادين الرئيسية والجزر الداخلية، والتوعية بأهمية الحفاظ على الأشجار المزروعة ورعايتها، مع دراسة زراعة الأشجار ذات العائد الاقتصادى، سواء كانت أشجاراً مثمرة أو أشجاراً خشبية، وفقاً للظروف المناخية الملائمة لكل موقع.

وتساهم وزارة التنمية المحلية فى المبادرة بزراعة 79.7 مليون شجرة، فيما تستكمل وزارتا البيئة والإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة زراعة 20.3 مليون شجرة. 

بالإضافة للمشروع الوطنى لسور الكويت الأخضر، نصف مليون شجرة (جمعية نفع عام 2022)، والذى يهدف إلى تخضير حدود الكويت البرية، بزراعة ما يقارب نصف مليون شجرة، تم غرس أول شجرة منها فى يوليو من العام 2021.. والعمل على تحويل الكويت إلى واحة خضراء، ونشر الثقافة البيئية التى تعمل على رفع الوعى لدى المجتمع.. باستخدام تقنية Water Box وهى تقنية هولندية حديثة، تعمل على المحافظة على استمرارية نمو الأشجار بالمناطق الصحراوية، إضافة إلى تقليل  كمية المياه المستخدمة للرى.. وأثبتت التجارب العملية النجاح الباهر لهذه التقنية، حيث وصلت نسبة النجاح إلى 95 %.

وتجربة زراعة الأشجار باستخدام الطائرة الدرون، وذلك بعد نجاح  زراعة مليار شجرة باستخدام الطائرة الدرون فى دولة الإمارات العربية المتحدة، يتم استخدام نفس التقنية بالكويت.

كما أن هناك مبادرة الشرق الأوسط الأخضر (مبادرة المملكة العربية السعودية مارس 2021)، تستهدف منطقة الشرق الأوسط، حيث ستعمل السعودية مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والشرق الأوسط، لزراعة 40 مليار شجرة إضافية فى الشرق الأوسط، ضمن برنامج يهدف لزراعة 50 مليار شجرة، وهو أكبر برنامج إعادة تشجير فى العالم، ويبلغ ضعف حجم السور الأخضر العظيم فى منطقة الساحل، وتعد هذه ثانى أكبر مبادرة إقليمية من هذا النوع.

وسيعمل هذا المشروع على استعادة مساحة تعادل (200 مليون هكتار) من الأراضى المتدهورة، مما يمثل (5 %) من الهدف العالمى لزراعة (1 تريليون) شجرة، ويحقق تخفيض بنسبة (2.5 %) من معدلات الكربون العالمية، كما ستعمل المملكة العربية السعودية مع دول الشرق الأوسط، على نقل المعرفة ومشاركة الخبرات، مما سيسهم فى تخفيض انبعاثات الكربون الناتجة عن إنتاج النفط فى المنطقة بأكثر من 60 %، وتخفيض الانبعاثات الكربونية بما نسبته أكثر من 10 % من المساهمات العالمية.

*هل هناك مبادرات فى إفريقيا؟

نعم، مبادرة الجدار الأخضر العظيم بالشمال الإفريقى (انتفاضة  بعد انتكاسة).. حيث يشار فى تقارير مركز بحوث الصحراء 2019 ، أنه فى عام 2005 تم اقتراح القيام بمبادرة لتنفيذ الجدار الأخضر بمنطقة الصحراء الإفريقية الكبرى، وتم عرض هذه المبادرة فى اجتماع القمة للاتحاد الإفريقى، الذى أصدر فى يناير 2007 قراراً لبدء تنفيذ هذه المبادرة، مع دعوة 20 دولة إفريقية بمنطقة الساحل والصحراء، شاملة جمهورية مصر العربية، لاتخاذ الإجراءات اللازمة على المستويين الوطنى والإقليمى، ودعيت مفوضية الاتحاد الإفريقى لتسهيل وتنسيق التنفيذ لهذه المبادرة، وفى اجتماع القمة الإفريقية عام 2009 تم اعتماد الإجراءات المالية والتقنية، لتنفيذ المبادرة وعقد الاجتماع الأول للمبادرة فى 26 سبتمبر 2011 فى إثيوبيا، وتم اتخاذ العديد من الإجراءات.

ومع نهاية عام 2013  قام فريق عمل المبادرة بأداء كل متطلبات الأنشطة التمهيدية لتنفيذ المشروع، إلا أنه بعد اجتماع الهيئات المانحة فى ديسمبر 2013 ، الذى اعتمدت فيه خطة العمل التنفيذية توقف المشروع لأسباب غير معروفة.

بعد التوقف لعدة سنوات دبت الحياة فى مشروع الجدار الأخضر الكبير بالشمال الإفريقى، فى عام 2019 أطلقت 12 دولة إفريقية، بما فيها  مصر، المشروع من نيجيريا، وسرعان ما انضمت تسع دول أخرى إلى المبادرة، تبدأ من السنغال، فى أقصى غرب القارة، إلى جيبوتى فى الشرق.

ويمتد المشروع، الذى اكتمل 15 % منه فقط، على ما يقرب من 8000 كيلو متر (5000 ميل)، ومن المقرر أن يكتمل بحلول نهاية عام 2030، وستمتد الغابة على أكثر من 100 مليون هكتار (247 مليون فدان)، بتكلفة تقديرية تبلغ 8 مليارات دولار.

وفقاً لما نشرته وكالة الأنباء الليبية فى يوليو 2022 ، لقد تطورت مبادرة الجدار الأخضر العظيم بالشمال الإفريقى،  وغيرت بشكل كبير هذه مناطق المشروع، مما زاد من فرص حياة أفضل، مع توفير المزيد من الغذاء، والوظائف، والصحة، والطبيعة، والاستقرار المادى، والحفاظ على البيئة.

وبدأ الحزام الأخضر كعمل رائد من قِبل الاتحاد الإفريقى، لإنشاء مناطق طبيعية خضراء، وجعل التربة الإفريقية منتجة، تغطى مناطق مثل شمال إفريقيا والساحل والقرن.


سور الصين العظيم


تشجير الكثبان الرملية المرتفعة بصحراء كوبوتشي الصينية

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: