كانت القمم الكبرى أحد العناوين البارزة للحركة السياسية والدبلوماسية لمصر في عام 2022، ولم تكن مصر غائبة عن دبلوماسية القمم في تاريخها الحافل، ولكن هذا العام كانت القمم فارقة.
أولا لأننا نعيش في عالم مضطرب، وحائر ويبحث عن إنقاذ، فهو العالم الذي اضطرب في مكافحة فيروس كورونا، وبدا بشكل أقل كفاءة، ربما من معارك سابقة مع أوبئة وفيروسات عدة، كان التقدم العلمي في زمنها بفعالية أدنى من ذلك، وكشف الأمر الواضح للجميع أن مكافحة الفيروس انشغلت بالسياسة والإدانات أكثر مما اهتمت بالعلم والمكافحة، وظهر بشكل جلي طبقية الأمصال والعلاجات والجرعات، ما أطال بزمن الجائحة، والتي نسمع هذه الأيام عن عودتها في بعض البلدان، عن طريق تقارير إعلامية يشوبها الغموض والحيرة.
وتمكن المتابعون لقمم كثيرة في العالم من إمعان النظر في مستوى الزعماء الذين يقودون العالم، وكأنهم مجلس إدارة منعدم الكفاءة، سواء في محاربة الفيروس، أو في عدم قدرة هؤلاء القادة على منع الحرب الروسية - الأوكرانية قبل أن تندلع، في أزمات مماثلة، ومنها أزمة الصورايخ الروسية في كوبا، ستينيات القرن الماضي، والعالم على شفا حفرة من الحرب العالمية الثالثة، وجد الساسة والقادة في ذلك الزمان ما يوقفون به الجحيم البادي في الأفق، ويلجمون أو يفكون الأزمة.
أما الحرب الروسية الأوكرانية والتي كان يعرف الغرب موعدها، فقد تركت لتقوم، وتسلب العالم فرصة الإفاقة من وباء كورونا، والنظر إلى حياة جديدة ما بعد الفيروس، يمكن أن تخفف من آلام الإنسانية.
لكن القمم التي عقدت في المنطقة العربية وحولها، كشفت عن قيادات عربية واعية، يمكن لها بمزيد من التنسيق التغلب على مشاكل وأزمات المنطقة، وأن لديها فرصة وحافز، وسط هذا العالم المهتز، ومع الرغبة الصادقة يمكن أن تتخطى المنطقة العربية أزماتها، خصوصًا مع الإيمان بالمصير الواحد الذي تتضح ملامحه في كل أزمة، والذي يعبر عن نفسه مع كل خطوة، حتى ولو كانت صغيرة، مثل سعادة العرب جميعًا بنجاح مونديال قطر، ودعم الدوحة في معركة المثلية، والنشوة بما حققه المغرب من انتصارات لها معانٍ عدة.
مشاركات مصر في قمم السنة التي تمضي الآن، لم تكن شرفية، وإنما سعت الحكومة واجتهدت ونجحت رغم كل شيء في إقامة قمة المناخ كوب 27، في منتجع شرم الشيخ، وهي واحدة من أكبر القمم من حيث المشاركة الدولية، وعدد أيامها التي دامت لأكثر من أسبوعين، وقعت مصر خلالها اتفاقيات مليارية بالإضافة إلى الدعاية السياسية للحكومة المصرية التي نجحت في استقطاب المؤتمر وتنظيمه في مدة لا تزيد على أحد عشر شهرًا منذ إسناد تنظيمه لمصر..
كل ذلك رغم الإزعاج الذي سببته للحكومة منظماتُ المجتمع المدني على خلفية المطالبة بتحسين ملف حقوق الإنسان في مصر، ولفت النظر إلى سجن الناشط علاء عبدالفتاح.
ومن اللقطات البارزة هذا العام المصافحة التاريخية بين الرئيس السيسي والرئيس التركي أردوغان في افتتاح مونديال قطر، والذي أعطى إشارات بإمكانية تحسين العلاقات المقطوعة بين البلدين منذ ما يقرب من عشر سنوات، لكن البطء يسود في هذا الملف نظرًا لتقاطعه مع أزمات عدة في المنطقة تخص البلدين، في شرق المتوسط وليبيا وسوريا، وفي مطالبات مصرية بإبعاد معارضين من تحت العباءة التركية.
وإذا كان السيسي قد شارك في القمة العربية الأمريكية في جدة في منتصف يوليو الماضي، التي تحرر فيها العرب المشاركون من ضغوط واشنطن، وقدموا مواقفهم الصريحة في قضايا المنطقة، بعيدًا عن الغزل مع ساكن البيت الأبيض، فإنه شارك أيضًا في القمة العربية الصينية في الرياض في شهر ديسمبر الحالي، وكان حاضرًا كذلك في القمة الأمريكية الإفريقية الأخيرة في واشنطن قبل أيام، وكانت مشاركته في القمة العربية بالجزائر في نوفمبر الماضي أمرًا طبيعيًا، إلا أن الرئيس السيسي حمل في كلماته أمام كل القمم التي شارك فيها هذا العام، هم المياه وشحها في مصر، وضرورة التوصل إلى اتفاق ثلاثي ملزم مع السودان وإثيوبيا لتشغيل سد النهضة.
وربما شهدت قمم بعينها زيادة دالة، تلك التي جمعت بين السيسي ورئيس الإمارات محمد بن زايد، فقد رصد موقع إخباري إماراتي تواريخ 40 قمة بين القائدين في الأعوام الماضية، من بينها أحد عشر قمة ولقاء خلال الفترة من مايو حتى أكتوبر فقط.
وتأتي العلاقات المصرية - الإماراتية في مقدمة اهتمام الرئيس السيسي، وتدعم الإمارات مصر بشكل منتظم في القروض والمنح والاستثمارات، كذلك الأمر مع السعودية، وكان أحد أهم لقاءات الرئيس السيسي مع ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان في شهر يونيو الماضي بالقاهرة؛ حيث جرى توقيع 14 اتفاقية بقيمة 7.7 مليار دولار..
أخيرًا فإن المنظومة الثلاثية المصرية العراقية الأردنية تعمل بشكل فيه إصرار ومواظبة على تنفيذ أهدافها في التعاون الثلاثي، وشارك الرئيس السيسي قبل أيام فقط في قمة بغداد الثانية للتعاون والشراكة بالبحر الميت في الأردن.