لدى وصولي إلى أبوظبي بعد ظهر أمس – الأحد - كانت مظاهر الاحتفال بالعيد الوطني الـ 51 في دولة الإمارات العربية المتحدة، لا تزال مستمرة ومبهرة، في كل أنحاء العاصمة، رغم مرور أكثر من 3 أسابيع على حلول يوم الاتحاد، 2 ديسمبر.
تفسير استمرار مظاهر الاحتفالات، كل هذه المدة وحتى حلول رأس السنة الميلادية 2023، يعود إلى رغبة حميمية - لدى الدولة العربية الفتية - بربط المناسبة الوطنية بالاحتفالات، التي تجري في كل أنحاء العام بأعياد ميلاد السيد المسيح عليه السلام.
هذه الرغبة الحميمية تتماشى مع اهتمام رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بنشر ثقافة التسامح ومد جسور التواصل والسلام، وإحياء قيم الدين الإنسانية النبيلة، ونزع فتيل الأزمات، والتصدي لأفكار التطرف.
وهي تحتفل بالعيد الـ 51 على تأسيسها، لم يتوقف الحديث في دولة الإمارات العربية المتحدة عند حدود ما حققته من إنجازات تنموية هائلة في نصف قرن، مسترشدة بـ رؤية الوالد المؤسس، وباني نهضتها، المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بل بتصميم ملامح الـ 50 عامًا المقبلة للدولة، حتى 2071.
رؤية الوالد المؤسس انصبت على حتمية الارتقاء بمستوى دولة الإمارات العربية المتحدة من كل الجوانب، مما وفر لها – في خلال مدة قصيرة - إنجازات داخلية واسعة، أهمها الشعور بالرفاهية والأمن والأمان لمواطنيها، وللمقيمين على أرضها، فضلا عن اتباعها سياسة حسن الجوار في محيطها الخليجي والعربي.
أيضًا، تحققت معدلات عالية من التنمية المستدامة، وتبوأت دولة الإمارات مكانة مرموقة في خارطة أكثر الدول تقدمًا وازدهارًا واستقرارًا في العالم، وها هي ترسم – الآن - ملامح اقتصادها المرتكز على المعرفة والابتكار والاستثمار في الإنسان.
في علاقتها مع مصر، انتهجت دولة الإمارات العربية المتحدة سياسة أخوية وحميمية وثابتة، وداعمة على مختلف الأصعدة والمستويات، وتحديدًا، في تقديم المنح المالية، وتشييد البنية التحتية ومحطات الطاقة، وبناء المساكن والجسور والمستشفيات، والاستثمار في مختلف القطاعات، والإغاثة العاجلة في الأزمات.
يسجل التاريخ العربي الحديث - بأحرف من نور - المؤتمر الصحفي الشهير للمغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، خلال زيارته للعاصمة البريطانية، لندن، التي تزامنت مع اندلاع حرب يوم السادس من أكتوبر في عام 1973، وقولته التاريخية: "سنقف مع المقاتلين في مصر وسوريا بكل ما نملك، ليس المال أغلى من الدم العربي، وليس النفط أغلى من الدماء العربية التي اختلطت على أرض جبهة القتال في مصر وسوريا"، معلنًا التبرع بـ100 مليون جنيه إسترليني لصالح دعم المجهود الحربي العربي.
تشير الوثائق إلى أن قيمة التبرع – وقتذاك - لم تكن متاحة بالكامل في الخزانة الإماراتية، فقام القائد الإماراتي الراحل بتقديم ضمانات نفطية، مقابل الحصول على المال، لإرساله إلى الأشقاء في مصر وسوريا، قائلًا: "إن الثروة لا معنى لها بدون حرية أو كرامة، وأن على الأمة العربية - وهي تواجه منعطفًا خطيرًا - أن تختار بين البقاء والفناء، بين أن تكون أو لا تكون، بين أن تنكس أعلامها إلى الأبد، أو أن تعيش أبية عزيزة مرفوعة أعلامها مرددة أناشيدها منتصرة".
سعى الشيخ زايد لإعادة مصر إلى موقعها العربي بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد قائلًا: "لا يمكن أن يكون للأمة العربية وجود دون مصر ـ كما أن مصر لا يمكنها - بأي حال - أن تستغني عن الأمة العربية".
تبقى وصية زايد منهجًا يرسم ملامح العلاقة القائمة والممتدة إلى أبد الآبدين، بين الشقيقتين، الإمارات ومصر، فقد قال زايد: "نهضة مصر هي نهضة للعرب، أوصيت أبنائي بأن يكونوا دائمًا إلى جانب مصر.. وهذه وصيتي، أكررها لهم أمامكم، بان يكونوا دائمًا إلى جانب مصر، فهذا هو الطريق لتحقيق العزة للعرب، إن مصر بالنسبة للعرب هي القلب، وإذا توقف القلب فلن تكتب للعرب حياة".
على الدرب نفسه، سار المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، فقد كان خير خلف لخير سلف، وعلى مدار سنوات حكمه، واصل تقديم الدعم لمصر على كل المستويات، ويكفي أنه شارك في حرب أكتوبر 1973 المجيدة، مع المصريين.
ويستمر نهر الحب والعطاء والوفاء من أبناء زايد، فها هو صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات (حفظه الله)، يعلن في عام 2014، حينما كان وليًا للعهد في أبو ظبي، وكانت مصر تمر بظروف بالغة الصعوبة، قائلًا:"لو كانت هناك لقمة "حاف" لاقتسمتها الإمارات مع مصر".
على نهج المؤسس الشيخ زايد، في حب مصر، يقول الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي: "إن وقوفنا مع مصر - في هذه الظروف - ليس كرهًا في أحد، ولكن حبًا في شعبها، وليس منة على أحد، بل واجب في حقها، دولة الإمارات ستبقى دائمًا مع مصر".
الحديث يتفرع ويطول ما لمسته، وألمسه هنا في أبوظبي في كل زيارة - من مشاعر الأخوة والمودة، التي يكنها أبناء الشعب العربي في دولة الإمارات للمصريين، ويبادلهم المصريون المشاعر ذاتها، للإمارات، قيادة وشعبًا ووطنًا، عند منحه درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة في عام 2015، تظل كلمات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، حاكم إمارة الشارقة، فصلًا خاصًا في حب مصر، بقوله: "أنا عشت في مصر، ودرست بجامعة القاهرة، التي شاركت فيها بكل المعطيات، وأقمت في الجيزة، ودرست مع علماء التاريخ والتراث، أنا صناعة مصرية 100%، مصر لها فضل علي كفضل الشمس على الأرض".
[email protected]