لا يخفى على متابع للشأن السياسي الدولي هذا التنافس المحموم والمستمر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وهذه النظرة الأمريكية تجاه بكين، التي لا تتوقف عن الصعود اقتصاديًا وعسكريًا وتكنولوجيًا، مترقبة تأثير هذا الصعود على مستقبل وشكل النظام العالمي أحادي القطبية الذي تخسره واشنطن شيئًا فشيئًا، لينتقل التنافس إلى محاولات التغلغل في إفريقيا بعد أشواط تجاه تغير موازين القوى في العالم الذي يتجه بثبات نحو تعدد الأقطاب.
في ظل الصراعات الدولية العلنية والمضمرة، وفي ظل تنامي النفوذ الصيني والروسي في القارة الإفريقية، استضافت الولايات المتحدة زعماء القارة في قمة سعت من خلالها إلى إنعاش العلاقات الأمريكية - الإفريقية، وسط أجواء بالنسبة إلى واشنطن هي الصفيح الساخن من حيث تداعيات الوباء والحرب الأوكرانية - الروسية، والتخوف من عودة إدارة ترمب للحكم، ومؤخرًا القمة الصينية - العربية، الأولى من نوعها والتي استضافتها الرياض في التاسع والعاشر من ديسمبر الجاري، وحضرها الرئيس الصيني وعدد من قادة وممثلي الدول العربية، وهي القمة التي رآها البعض تحديًا للنفوذ الأمريكي القوي في الشرق الأوسط والخليج، إذ إنه على مدى عقود طويلة ظلت أمريكا والغرب عمومًا يستأثرون بحصة الأسد من العقود التجارية والاقتصادية في الشرق الأوسط والخليج، فأدى هذا الاتساع في رقعة النفوذ التجاري والاقتصادي المتزايد للصين في الشرق الأوسط إلى دفع إدارة بايدن لإحياء سبل التقارب والتعاون مع الدول الإفريقية، في وقتٍ نجد فيه الوجود الاقتصادي الصيني ماضيًا في توسعه بإفريقيا.
فهل يؤدي هذا التنافس إلى استفادة ملموسة ونتائج تجنيها دول القارة الإفريقية؟ وكيف يمكن قراءة المشهد المصري وسط هذه الأجواء، وما المكاسب المصرية المحتملة من القمة الأمريكية - الإفريقية التي اختتمت أعمالها الخميس الماضي بمشاركة الرئيس السيسي، الذي كان له نشاط بارز ولقاءات مهمة في ثاني قمة منذ 2014 تجمع رئيسًا أمريكيًا برؤساء تسع وأربعين دولة إفريقية.
لا شك أن هذه القمة تأتي في توقيت مهم لدرجة بعيدة، إذ تواكب النجاحات المصرية في القارة السمراء على مستوى المنتديات والمؤتمرات الدولية والإقليمية، وفي الوقت الذي يعاني فيه العالم من تبعات الحرب وما نتج عنها من أزمات اقتصادية طاحنة ونقص إمدادات الغذاء وانعكاساتها السلبية على إفريقيا التي تتعرض دول كثيرة فيها للمجاعات وأزمات في الأمن الغذائي لتكون القمة أولا فرصة كبرى لطرح هذه القضايا ومناقشتها مع دولةٍ تعد لاعبًا اقتصاديًا رئيسيًا وواحدة من أكبر الاقتصادات حول العالم وأحد أكبر منتجي الغذاء، لذا جاءت رؤية مصر مشتملة على محاور أساسية لتعزيز الأمن الغذائي فى إفريقيا، والذي يرتبط بجهود التكيّف المناخي، خصوصًا وقد نجحت مصر في تنظيم مؤتمر المناخ العالمي والتوصل إلى مخرجاته، وإطلاق عدد من المبادرات في مجال تمويل التكيف.
وتؤكد المؤشرات أن هناك اهتمامًا كبيرًا من الإدارة الأمريكية لتعزيز العمل الأمريكى - الإفريقى المشترك، وقد طالب الرئيس بتكثيف الاستثمارات الزراعية الموجّهة إلى إفريقيا والحفاظ على انفتاح حركة التجارة العالمية، حيث إن اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية توفر إطارًا لتعزيز التكامل بين دول القارة، وهذه فرصة لدعم الدول الكبرى للدول الإفريقية لتعظيم الاستفادة منها بالاستثمار في البنية التحتية والمشروعات الزراعية، مع الإشارة إلى هذا الارتباط الوثيق بين الأمنين الغذائي والمائي أمر لا شك فيه، وتنظر مصر لهذا الرابط باعتباره أمنًا قوميًا، بما يحتم توافر الإرادة السياسية لصياغة أطر قانونية لضبط مسار التعاون بين الدول التي تتشارك الموارد المائية وبما يسهم في تحقيق التنمية دون إلحاق ضرر ذي شأن.
كما كانت هناك مؤشرات مهمة وإيجابية حول دعم مسيرة التنمية المصرية، وهذا بدا في لقاء الرئيس بديفيد مالباس، رئيس البنك الدولي، وتأكيد الشراكة المثمرة معه في ضوء الأزمات الدولية المتعاقبة وتبعاتها، وسعي البنك نحو تطوير أطر التشاور والتنسيق مع مصر لمواصلة دعم الإصلاحات الاقتصادية التي تطبقها، والتي انعكست على الصلابة والمرونة التي أبداها الاقتصاد المصري في مواجهة جميع الأزمات العالمية المتلاحقة، مما ساعد على تحقيقه لمعدلات نمو إيجابية خلال الفترة الماضية، إلى جانب جهود تحسين مناخ الأعمال والاستثمار وإقامة المشروعات التنموية العملاقة، على نحو جعل من مصر نموذجًا يحتذى في تنفيذ خطط الإصلاح الاقتصادي، فكان هناك تباحث جاد حول تعميق الشراكة بين الجانبين في مجالات البنية التحتية، والطاقة الجديدة والمتجددة، وتعظيم دور القطاع الخاص في عملية التنمية، فضلا عن الحوار المفتوح مع ممثلي قطاع الأعمال الأمريكي الذين أبدوا اهتمامًا بالعمل فى مصر أو التوسع فى مشروعاتهم القائمة، فضلا عن التركيز على سبل تطوير التعاون الاقتصادي وتعظيم حجم التبادل التجاري وزيادة الأنشطة الاستثمارية للشركات الأمريكية في مصر، خاصةً في ضوء التقدم المحرز على مستوى الإصلاح الاقتصادي الهيكلي وتهيئة البنية التشريعية والمؤسسية لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى مصر في ظل المشروعات القومية الكبرى الجاري تنفيذها، والتي أسهمت في أن تكون مصر نموذجًا وقصة نجاح يحتذى بها على الصعيد الدولي.