كشفت القمة الأمريكية – الإفريقية التي عقدت الأسبوع الماضي في واشنطن - والتي شاركت فيها مصر بوفد رفيع المستوى برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي - عن "النوايا" الجديدة للإدارة الامريكية تجاه القارة السمراء فبعد سنوات طويلة من الإهمال وعدم التواجد في القارة بدأت واشنطن تدرك خطأ الإدارات السابقة والتي تعمدت إهمال القارة علي كافة المستويات سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا؛ حتى باتت الشعوب الإفريقية تنظر إلي الدور الأمريكي على أنه غير موجود ولا يمكن التعويل عليه في مواجهة الأزمات الطاحنة التي تمر بها دول القارة السمراء خاصة خلال السنوات الأخيرة وبالتحديد في ظل أزمة انتشار وباء كورونا ثم تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية؛ حيث لم يكن هناك أي تواجد فعال للدور الأمريكي بل إن التواجد الحقيقي كان للصين فقط.
ولذا فإن رئيس بوتسوانا موكجويتسي ماسيسي كان محقًا تمامًا عندما قال خلال فاعليات القمة "إن العديد من الدول الإفريقية تتوخى الحذر حيال نوايا القوى العظمى في العالم وأن العالم لم يكن لطيفا للغاية تجاه إفريقيا.. يبدو الأمر كما لو أن استثناء واستعمار إفريقيا قد اتخذ شكلًا جديدًا دون المسمى الاستعماري، ولكن نحن نحاول الابتعاد عن ذلك والانخراط حتى يعملوا معنا وليس علينا ومن خلالنا أيضًا" .
ورغم سعي واشنطن لطمأنة القادة الأفارقة وإرسال رسائل إيجابية للشعوب الإفريقية من خلال ما قاله الرئيس الأمريكي جو بايدن وتعهده بالعمل في القارة ومعها من خلال شراكات ليس لإرساء التزام سياسي وتعزيز التبعية، بل لتحفيز النجاح المشترك والفرص، معتبرًا القارة مفتاح "النجاح" للعالم، حيث قال "عندما تنجح إفريقيا، تنجح الولايات المتحدة.. العالم كله ينجح" إلا أن تحذير وزير الدفاع الأمريكي لويد اوستن – خلال لقائه عدد من القادة الأفارقة – لهم من أن الصين وروسيا وقوله أنهما تلعبان دورًا "مزعزعًا للاستقرار" في القارة مع تنامي نفوذهما تسبب في إحداث توتر وقلق، بل وتنامي الشكوك حول طبيعة الدور الأمريكي في القارة خلال الفترة المقبلة، خاصة أن تلك التصريحات وغيرها تؤكد وجود صراع قوي بين أمريكا والصين وروسيا داخل القارة السمراء.
وعلى الرغم من أن الصين أكدت بشدة – على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية وانج ون بين – معارضتها لتحويل القارة الإفريقية إلي بؤرة للتنافس بين الصين والولايات المتحدة إلا أن الواقع الفعلي الموجود بالقارة وما تسعى إلى تحقيقه الإدارة الأمريكية من خلال ضخ عشرات المليارات الجديدة للاستثمار – ٥٥ مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة - في مشاريع متنوعة في دول القارة وتعيينها ممثل أمريكي خاص لتنسيق جهود تنفيذ التزامات اتفاقيات القمة يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن واشنطن تسعى للحاق بالقطار الصيني المنطلق بالقارة منذ سنوات والذي استطاع تحقيق علاقات تعاون وشراكة مع دول القارة في كافة المجالات.
والمؤكد أن سعي الدول العظمي للتعاون – أو استغلال - القارة السمراء لن يتوقف، بل سوف تتزايد وتيرته خلال الفترة المقبلة نتيجة الصراع الدولي القائم بين عدد من الدول الكبرى في ملفات متعددة وسعي بعض الدول إلى تحويل القارة إلى ساحة خلفية للصراع وتصفية الحسابات دون النظر او الاهتمام بمصالح الشعوب الافريقية أو جهود قادتها لمواجهة التحديات الاقتصادية الطاحنة التي تواجهها دولهم، وبالتالي فإن التعاون الإفريقي مع الدول العظمى لابد أن يقوم على الشراكة والندية والمنفعة المتبادلة للطرفين معًا دون سيطرة سياسية او فرض نفوذ عسكري أو السعي للسيطرة على "قلب" القارة وانتزاع ثرواتها بصورة تعيد إلينا وجه الاستعمار القبيح ولكن في صورة جديدة.
[email protected]