Close ad

جروح الماضي ووجع الحاضر

17-12-2022 | 10:54

ثبت طبيًا أن الجروح التي لم نهتم بتنظيفها "وتحمل" ألم التنظيف الذي لا مفر منه حتى مع استخدام بعض التخدير الموضعي؛ ولكنه وجع ساعة ولا كل ساعة..
 
هذه الجروح ستتعرض للتلوث وتعود "بألم" أقسى، ويستلزم تنظيفها ومواجهتها المزيد من الكلفة النفسية والمادية والوجع النفسي والجسدي أيضًا.
 
لذا نجد الكثيرين من الجنسين يتعرضون لتكرار الحوادث المؤلمة؛ لأنهم لم يواجهوا أنفسهم بدورهم في صنع بعضها ولو بالاستسلام لمن تسبب بالوجع أو بالخوف من المواجهة.
 
يضعف الاحتفاظ بجروح الماضي النفس ويزرع الشعور بقلة الحيلة، ويرشح صاحبها لقبول الأذى من الأخرين؛ وكأنه أمر عادي "ويستحقه"، وتجعله ولو بعد حين يخاصم الرضا وهو مفتاح الصحة النفسية، وغيابه يخصم منه نفسيًا ودينيًا ويتنفس المرارة وقد يصل للسخط الذي يحرمه من العيش الناجح..
 
ويكون كمن يتخبط في الدنيا مثل من وقع مرة في حفرة "ويتوقع" الوقوع في المزيد من الحفر؛ وكأنها مصيره الذي لا يمكن تفاديه فتكون حياته بالفعل سلسلة من الجروح، وكان يمكنه إيقافها، وهذا "يفسر" تكرار الجروح؛ مثل كثرة تعرض بنت للتحرش وتكرار أزمات شاب في العمل "بنفس" تفاصيلها، ومرور البعض من الجنسين بنفس الجروح العاطفية والزواجية، وبكل مرة يتضاعف الوجع لأنه يذكره بالجرح "القديم" الذي لم يندمل ولم يتعافَ منه وكيف يتعافى وهو لم يطهره؟!
 
كما نعتقد نكون؛ فمن "يلقي" بنفسه في دوامات المبالغة، ويعتقد أن جراحه لن تلتئم فسيحدث ذلك ومن يقل لنفسه: حسنا أنا بخير وسأكون أفضل بمشيئة الرحمن "ويربت" على نفسه كما يريد من أقرب الناس إليه أن يفعل ويحتضن الرغبة في النهوض "ويكره" الانبطاح أرضًا ويتنفس حسن الظن بالرحمن "ويوقن" أنه سبحانه وتعالى لن يرده خائبًا أبدًا؛ "متى" أحسن الأخذ بالأسباب بعد الاستعانة بالقوي عز وجل ثم توكل "بصدق" على اللطيف بعباده ورفض "حبس" نفسه في سجن الرثاء للذات..
 
وقال لنفسه أنا "أذكى" من أذكر نفسي بجروح الماضي؛ وكأن الحاضر حديقة ممتلئة بالورود وبلا أشواك؛ ولن أضيف لأشواك الحاضر ومضايقاته التي لا تخلو منها أي حياة بالكون "اجترار" جراح الماضي وكأنني أعاقب نفسي أو كأنني "سيزيف" في الأسطورة المعروفة التي حكمت عليه الآلهة بحمل الحجر إلى أعلى ما أن يصل حتى يسقط منه ويعود لحمله ويتكرر ذلك طوال عمره.
 
نستطيع التخلص من الحجر الذي نضعه "بأيدينا" على صدورنا ويحرمنا من صنع أفضل حاضر يليق بنا ويرشحنا لمستقبل "جميل" يوسع حياتنا وحياة من نحب بدلًا من "دفن" أنفسنا ونحن أحياء في حفر جروح الماضي.
 
وصدق أبوالقاسم الشابي وهو القائل: “ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحــفرْ. 
لنوقن أن محاولة مواصلة الحياة دون علاج جروح الماضي؛ لن تنجح أبدًا فسنسير بخطوات متثاقلة وبقلوب حزينة وعقول منهكة والعكس صحيح عند علاجها.
 
ننسى كثيرًا أن ما حدث لن نستطيع الرجوع للماضي وتغييره ويمكننا بعد الاستعانة بالرحمن تغيير نظرتنا إليه والتوقف عن رؤيته مفجعًا مهما كان أليمًا؛ ويمكننا دومًا "السماح" للوجع بالذبول وعدم تغذيته وتجديده واحتضانه "وكأن" غيابه سيجعلنا نتعرض للأسوأ!!
 
الحاضر هو ثروتنا الحقيقية فلماذا نسمح بتسربه من بين أيدينا؟، ولماذا نلقي به وكأنه شيئًا لا يستحق الاهتمام به؟! في الوقت الذي نتمهل قبل التخلص من أشيائنا القديمة فربما نحتاج إليها لاحقًا!!
 
كيف نهدر حاضرنا ونحن نتألم من ماضٍ ولى "ولن"؟ يعود والمؤسف والأشد إيلامًا عندما "ندمن" التحدث عنه ونجد من يصغون "ويزعمون" الاهتمام والحب لنا؛ وكثيرًا يكون الفضول هو هدفهم الأول، ثم المجاملات "المسمومة"؛ بالتحسر علينا وعلى سوء حظوظنا بالحياة ولا أحد بالكون محروم من أشياء تسعده، ولكن البعض يركز على ما فقده وعلى جروح الماضي ويقول المثل الشعبي: "إللي يخاف من العفريت يطلع له".
 
لا تعالج المسكنات الجروح؛ بل "تلهي" عن علاجها، بالإضافة لأثارها الجانبية الضارة، وقد نتوهم شفاءها بينما يكبر الجرح في غفلة منا؛ وهو ما يفعله الكثيرون مع جروحهم النفسية والعاطفية بأخذ مسكنات "الطبطبة" على النفس أو الحصول عليها من الآخرين؛ فلا يعالجون جراحهم ولا ينتزعون منها خبرات "تحميهم" من تكرارها.. ويعيشون في أحزان "تحرمهم" من الفرح بالنعم؛ ولا أحد ليس لديه نعم وشكر النعم يزيدها.
 
ولنتدبر القول البديع للإمام على كرم الله وجهه: "إذا وصلتكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر".
 
يوجد ترياق رائع يخلصنا "للأبد" من جروح الماضي بعد مواجهتها والتخلص من شوائبها داخل القلب والعقل؛ وهو "الامتنان" لأنها لم تكن أكثر، وأشد قسوة وأطول إقامة، "وتنفس" الرضا والتعلم من التجربة واحتضان الخبرات "وركل" الوجع وطرده شر طردة؛ لأننا "نستحق" ذلك وكل واحد منا غالٍ جدًا "ولا" يصح أن يبدد ثانية واحدة في التألم على جرح من الماضي وعليه الاعتزاز بنفسه بلا مبالغة بالطبع، والتعلم من أخطاء الماضي لمنع تكرارها ولا يبررها أبدًا، ولا يصف نفسه بصفات تقلل من تقديره لنفسه؛ لأنه أوكسجين النهوض من الأزمات بعد الاستعانة بالرحمن دائمًا وأبدًا.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة