"التربة حيث يبدأ الغذاء"، الشعارالذى رفعته منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) هذا العام، فى إطارالاحتفال باليوم العالمى للتربة- الذى يعقد فى الخامس من ديسمبر من كل عام- كوسيلة لتركيز الاهتمام على أهمية التربة الصحية، وعلاقتها بالغذاء الآمن، والدعوة إلى الإدارة المستدامة لموارد التربة.
موضوعات مقترحة
يشير الدكتور جميل وهيب عجيب رئيس قسم الأراضى والمياه بالمركز القومى للبحوث، إلى أن 95 % من الغذاء فى العالم مصدره الأرض الزراعية، لذلك يجب الحفاظ على التربة فى صورة صحية، حتى يكون غذاء الإنسان والحيوان آمناً وتتحقق الاستدامة.
ويضيف: يتبقى 7سنوات حتى عام الاستدامة 2030، ونحن مطالبون بتضافرالجهود، ووضع الحلول العلمية التطبيقية للمحافظة على هذا المصدر الطبيعى الهام الذى لا يمكن تعويضه، ويتعرض لمسببات تؤدى لتدهوره مثل التلوث بمصادره المختلفة، سواء متبقيات المبيدات، أو العناصر الثقيلة غير المعلنة الموجودة بالأسمدة، وكذلك التملح بسبب قلة مياه الرى، أو تغير نوعيتها، أو الإسراف فى استخدامها، كل هذه العوامل مجتمعة تؤدى لفقدان خصوبة وإنتاجية التربة الزراعية.
تدهور التربة
وتقول الدكتورة نسرين أبو بكر أستاذة تغذية النبات وخصوبة الأراضى بالمركز القومى للبحوث: أن الأرض بما عليها من غطاء نباتى تلعب دوراً مهماً فى التخفيف من حدة التغيرات المناخية، حيث إنها تمتص غاز ثانى أكسيد الكربون وتنتج غاز الأكسجين، وتعتبر زيادة المساحات الخضراء على الأرض من أهم طرق العلاج للآثار السلبية للاحتباس الحرارى.
وتشير إلى أن تدهور بعض صفات التربة هو نتيجة الإدارة السيئة لهذا المورد الطبيعى غير المتجدد بسبب حرق الغابات، وقطع الأشجار، والزحف العمرانى على المسطحات الخضراء، والرعى الجائر، والرى بالمياه الملوثة، والتكثيف الزراعى، وإضافة الأسمدة المعدنية والمبيدات بكميات كبيرة، وأخيراً استخدام المواد النانوية كأسمدة ومبيدات، وكذلك بناء السدود التى حرمت الأراضى الزراعية من الطمى المتجدد سنوياً، والحامل لجميع العناصر الغذائية التى استنزفت من الأرض، بالإضافة لاستخدام المعدات الزراعية الثقيلة، التى هدمت أنفاق الكائنات الحية المفيدة، مما أدى إلى انهيار شبكة المسامية فى التربة، وسوء تغذية النبات وفقد المادة العضوية، ونقص خصوبة التربة وضعف إنتاجيتها، والإسراع من عمليات النحر، والتأثير السلبى على التنوع البيولوجى فى التربة مما يهدد الأمن الغذائى العالمى.
لذلك يجب إعادة النظر فى إدارة التربة، والتوقف عن كل ما يسبب تدهورها، واستغلال المخلفات الزراعية )وهى ثروة زراعية كامنة، أبسط استخدام لها تغطية الأرض الزراعية بين النباتات، للحفاظ على رطوبة القطاع الأرضى)، أو استخدامها فى إنتاج السماد العضوى الصناعى (الكمبوست).
ويجب مساعدة المزارعين على استخدام نظم الرى الحديثة، وتوفير الآلات الزراعية الخفيفة، وجدولة استخدامها حتى لاتضر بخواص التربة، والابتعاد عن الزراعة الأحادية (زراعة محصول معين فى مكان باستمرار) لعدم انتشار الأمراض والحشرات، واستنزاف عناصر غذائية محددة، كما يجب اتباع دورات زراعية متنوعة، وتطبيق نظام الأجروفورست (Agroforestry) حيث تزرع الأشجارعلى مسافات واسعة تسمح بزراعة محاصيل أو خضر أسفلها لحماية النباتات من أضرار الرياح وتوفير بيئة مثالية لها، بالإضافة إلى ترشيد استخدام الأسمدة والمبيدات والاتجاه للتسميد العضوى- حيوى.
صحة التربة
ويشير الدكتور رأفت رمضان على أستاذ الأراضى والمياه – المركز القومى للبحوث، إلى ظاهرة احترار كوكب الأرض التى أصبحت واقعاً ملموساً نتيجة زيادة تركيزغاز ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى، كنتيجة للأنشطة البشرية مثل استخدام الوقود الأحفورى، والتعدى على الأراضى الزراعية، وتدهور التربة وإزالة الغابات، وكذلك التعدى على البيئة الساحلية وتغييرالنظام البيئى لها، بإقامة القرى والمنتجعات السياحية على مستوى العالم.
وفيما يتعلق بأثر التغيرات المناخية على مصر، توضح الخرائط الرقمية أنه بحلول عام 2030 سوف يزداد المتوسط السنوى لدرجة الحرارة بمقدار 3 إلى 4 درجات مئوية، مع تناقص فى كمية الأمطار فى فصل الشتاء بنسبة 22 %، وتناقص أمطار الربيع بمقدار 6 %، خاصة فى المناطق الشمالية فى مصر، أما المناطق الجنوبية فيتوقع أن تزداد كمية الأمطار بنسبة 123 % فى فصل الصيف وبنسبة 12% فى فصل الخريف، وهذا يعنى أن موسم الأمطار سوف يشمل فصلى الصيف والخريف، وفيما يتعلق بسرعة الرياح فمن المتوقع أن يقع المتوسط السنوى بين 5 إلى 7 أمتار/ثانية، وهذا يعنى أن هناك تأثيراً مباشراً على الإنتاج الزراعى فى مصر.
ويضيف د. رأفت: تعمل التربة كمخزن عملاق لثانى أكسيد الكربون فى الطبيعة، حيث إنها تحتوى على 2400 جيجا طن من الكربون فى صورة مواد عضوية، وهذه الكمية تعادل ضعف الغطاء النباتى للكوكب بأكمله، ومن هنا فإن تدهورالتربة سوف يؤدى إلى تحرر الكربون العضوى، لينطلق فى صورة ثانى أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوى، ويزيد من ظاهرة الاحتباس الحرارى، ولذا فإن مفهوم صحة التربة يعنى بالحفاظ على التربة لإنتاج الغذاء بشكل مستدام وآمن.
وتقوم برامج صحة التربة على أساس صيانة الخصائص الطبيعية والكيميائية والبيولوجية للتربة، وتحديد عوامل الخطر للتعامل معها ومعالجتها بشكل آمن، ويمكن من خلال صحة التربة العمل على زيادة المخزون الأرضى من ثانى أكسيد الكربون بمقدار 10 جيجا طن، وهذا يعادل الكميات المنطلقة بفعل الإنسان واستخدام الوقود الأحفورى كمصدر لطاقة.
والتربة هى نظام بيئى يعج بالحياة، تلعب فيه الكائنات الدقيقة دوراً هاماً فى توفير الاحتياجات الغذائية للنبات، وتثبيت الكربون، وغيرها من الخدمات التى لا يمكن حصرها، والتى يمتد تأثيرها إلى الغلاف الجوى للأرض.
معالجة التربة
يقول الدكتورعلاء زغلول أستاذ كيمياء الأراضى بالمركز القومى للبحوث: أنه فى إطار تقليل الفجوة بين النظام الزراعى المصرى، والتنمية المستدامة، وتوفيرالغذاء الكافى والآمن، والمياه النظيفة، نفذ المركزالقومى للبحوث برئاسة الدكتور محمد صابر أستاذ الميكروبيولوجى بالمركز3 مشاريع بحثية ممولة من صندوق العلوم والتكنولوجيا بأكاديمية البحث العلمى على مدار 14 عاماً، لمعالجة مشاكل التربة والمياه، خاصة فى أماكن الزراعة الرئيسية فى الوادى والدلتا، التى تعانى من ارتفاع نسبة الملوحة والتلوث الناتج عن استخدام مياه منخفضة الجودة فى الرى.
ومن أهم المناطق التى تمت دراستها، كفر الشيخ، وأبو رواش، وشمال سيناء، وبلبيس، والرهاوى، كأراضى متأثرة بارتفاع نسبة التلوث نتيجة استخدام مياه منخفضة الجودة، وبالتالى إنتاج محاصيل غير صالحة للاستهلاك الآدمى- تترتب عليها مشاكل صحية مثل الالتهابات الموضعية، والتهابات المفاصل، والتسمم دموى، والإجهاض وقد تحدث وفيات- بالإضافة لمشاكل الملوحة، والطبقات الصماء الموجودة على بعد 50 إلى 60 سم من سطح الأرض، والتى تؤدى لموت الجذور نتيجة لارتفاع مستوى الماء الأرضى.
وقد وضع الفريق البحثى خطة لتحديد أفضل الوسائل للعلاج، باستخدام بعض تقنيات كالمعالجة الكميائية البيولوجية، وباستخدام نباتات لها قدرة عالية على امتصاص الملوثات، وفى نفس الوقت لها قيمة اقتصادية حتى تحقق عائداً مادياً للمزارع، مثل الكانولا، وقد تم مراعاة الدقة الشديدة فى أخذ عينات ممثلة للمشاكل السابق ذكرها، وإجراء التحاليل الكاملة لتحديد حجم المشكلة ونسبة التلوث ونوعه فى كل منطقة.
وقد تم تقييم أكثرمن 19 مركباً للوصول لأنسب مركب يمكن باستخدامه تقليل التلوث البيولوجى والكيماوى والوصول لأفضل معاملة باستخدام معامل الزنك كمؤشر لتحديد مدى التلوث، مع العلم أن الحد الحرج لهذا المعامل هو 200 ، فى حين وصلت قيمته فى الأرض غير المعاملة بالمواد المختبرة لـ 870، وانخفضت فى الأرض المعاملة بالمركبات المختبرة لـ 45، مما يدل على نجاح عملية معالجة الأرض.
وبالنسبة للملوثات العضوية تم التقييم باستخدام تحليل أنزيم الديهيدروجينيز، الذى أظهر فروقاً معنوية بين الأراضى المعاملة وغير المعاملة، وتم استخدام منتجات مثل البيوجين الذى طبق فى المناطق التى بها طبقات صماء، مثل كفر الشيخ لتقليل تجمع الملوثات، والمياه فى منطقة الجذور، ومنع حدوث اختناق لها، وتسهيل صرف المياه لأعماق بعيدة، وبالتالى أصبحت الأراضى صالحة للاستخدام، وقد أوصينا المزارعين باستخدام هذه المواد لمدة 5 سنوات، ثم إجراء اختبارات جديدة لحساب المعامل السابق ذكره وإعادة المعالجة إذا تطلب الأمر.
وقد تناولت الدراسات أيضاً المعالجة الاحيائية لمصادر المياه الملوثة، وتم اختيار مصرفىْ بلبيس والرهاوى، اللذين يستخدمان فى رى الأراض المتاخمة لهما، ويتميزان بارتفاع نسبة التلوث بهما، ومن خلال مشروع بدأ عام 2019 وينتهى العام القادم، تم أخذ عينات من المصرفين، وإجراء تحاليل كاملة للمياه، وقد أثبتت معامل تقييم المياه أنهما غير صالحين للاستخدام الزراعى، بالإضافة لوجود العناصر الثقيلة والميكروبات الممرضة، وتم اختبار 4 تكنولوجيات لاختيار أفضلها لتنقية المياه من الملوثات العضوية، وغير العضوية، والميكروبات الممرضة، والحصول على محاصيل قابلة للتصدير، تلك التكنولوجيات تتمثل فى تكنولوجيا DHS التى تم تعديلها وتطويعها للظروف المصرية لتكون أكثر كفاءة، وتكنولوجيا IMCMT والتى تعتمد على التكامل بين معادن الطين المعدلة وبعض الكيماويات والكائنات الحية، وتكنولوجيا MAT باستخدام الطحالب، وأيضاً تكنولوجيا النباتات المائية المعدلة التى تمتص الملوثات من المياه ولا تستخدم لأغراض التغذية.
وأوضحت الدراسات أن تكنولوجيا (DHS) كانت من أفضل التكنولوجيات التى يمكن تطبيقها فى الأرض والمياه تحت الظروف المصرية .
عينة الكنترول
ومن خلال الدراسات التى تمت والخاصة بتقييم 19 مركباً لها القدرة على امتصاص الملوثات من المياه، أوضحت النتائج أن كل الملوثات انخفضت مقارنة بعينة الكنترول (غير المعاملة) وتم الحصول على مياه صالحة تماماً لرى المحاصيل الزراعية، أيضاً استخدمت هذه المياه فى رى بعض المحاصيل التى تمت زراعتها فى الأراضى المعالجة مثل الطماطم فى منطقة الرهاوى والفاصوليا فى منطقة بلبيس، وعند إجراء التقييم الصحى لهذه المحاصيل كانت خالية تماماً من الملوثات بل وصالحة للتصدير.
أيضاً فقد أوضحت الدراسات الاقتصادية المتكاملة حول الجدوى من استخدام تلك المواد المصلحة، وهى مواد طبيعية تم تعديلها لزيادة فاعليتها، أنها لها جدوى اقتصادية عالية وغيرمكلفة للمزارع.
ويرى الدكتورعلاء أن الوصول للتنمية المستدامة يحتاج لتضافر كل الجهود بدءاً من الفلاح وتوعيته بأهمية إنتاج منتج نظيف غير ضار للإنسان أو الحيوان، أيضاً فإن البحث العلمى يجب أن تتوافر له الإمكانيات للقيام بدوره وزيادة فاعليته فى حل مشاكل المجتمع بطريقة علمية واقتصادية فى إطار التنمية المستدامة، ويؤكد على ضرورة وجود جهة رقابية لتقييم الغذاء المنتج صحياً خاصة فى الأراضى القديمة فى الوادى والدلتا.