فور انتهاء أي مباراة في الدوري المصري، أو حتى في أثناءها، ينبري أنصار الفريقين للهجوم على حكم المباراة، واتهامه بمجاملة المنافس، ومنحه ما ليس حقه، وتتحول صفحات السوشيال ميديا إلى ساحة للتنديد بأخطاء وفضائح التحكيم.
ومما لا شك فيه أن تلك الانتقادات غالبًا ما تجافي الموضوعية والعقلانية، وتتدخل فيها الانتماءات والأهواء، حتى تصل إلى اتهامات تتعلق بالذمة، وتفتش في الضمائر.
وبالطبع تزداد الاتهامات شدة، وترتفع نبرة التعصب حدة، عندما يتعلق الأمر بالقطبين الكبيرين، الأهلي والزمالك.
فالمشجع الأهلاوي يرى الحكام دائمًا في صف منافسه، وأن هناك جهات عليا - لا نعلم ما هي تحديدًا - تحاول توجيه البطولات المحلية نحو الآخرين.
والزملكاوي يعتقد بالطبع العكس، ويؤمن دومًا بوجود مؤامرة ما من منظومة إدارة اللعبة - سواء اتحاد أو حكام أو إعلام - ضد فريقه.
والسؤال هنا، هل هناك بالفعل تربص بهذا الفريق أو ذاك، ومحاولات لتوجيه البطولات لنادٍ بعينه؛ سواء الأهلي أو الزمالك؟
وللإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نضع أخطاء الحكام في نصابها الحقيقي، ونحدد أسبابها وملابساتها.
بداية، يجب أن نتفق على أن أخطاء الحكام مزعجة ومؤلمة بالفعل لمن يتعرض لها، ولم تكن يومًا جزءًا من متعة كرة القدم، كما كان يردد البعض قبل ظهور تقنية حكم الفيديو المساعد «VAR».
كما يجب أن نقر أن الحكم مثل سائر عناصر اللعبة يصيب أحيانًا، ويخطيء في أخرى، كـ«اللاعب» الذي يهدر انفرادًا سهلًا بالمرمى، أو الحارس الذي يتسبب - بسوء تقديره للكرة - في تلقي شباك فريق لهدف، أو المدير الفني الذي يفشل في إدارة اللقاء، لكن الحكم - كما يقول الإنجليز - هو الشخص الوحيد في لعبة كرة القدم الذي لا يحبه الجميع.
وفي ظني، وليس كل الظن إثمًا، أن أخطاء الحكام تحدث في المقام الأول بسبب كفاءة الحكم نفسه، أو لخوفه وتردده أمام الفرق الجماهيرية، وتحديدًا الأهلي والزمالك، وهنا يجب أن نعترف - دون مكابرة أو شعارات رنانة - بأن منظومة الكرة في مصر هشة ومهترئة، والحكام أضعف حلقاتها.
فالحكام في مصر لا يحظون بالحماية الكافية من سطوة الجماهير، ولا يحصلون على المقابل المادي المناسب، الذي يشجعهم على القيام بمهامهم دون خوف من هجوم أنصار هذا الفريق أو ذاك.
وعلى الجانب الآخر فإن اختيارات الحكام وترقيهم من درجة إلى أخرى، لا تعتمد - كما هو مفترض - على الكفاءة فقط، بل ترتبط للأسف في أحيان كثيرة بالمجاملات والعلاقات، والنتيجة الحتمية تكون ما نشاهده من أخطاء مؤثرة، كنا نظن أنها ستختفي أو تقل إلى حد كبير مع استخدام تقنية الـ «VAR»، ثم استقدام خبير أجنبي للتحكيم.
وحتى لا يكون الكلام نظريًا، يكفي مراجعة كم القرارات التي يغيرها الـ «VAR» لحكم الساحة، ومقارنتها بما يحدث في الملاعب الأوروبية، لمعرفة أين نحن تحديدًا فيما يتعلق بمستوى التحكيم.
وبالعودة إلى السؤال حول توجيه البطولات في مصر، فإن هذا الطرح يفتقد أساسًا إلى المنطق والعقلانية، فمن هي الجهة التي تحمل على عاتقها مهمة توجيه البطولة لهذا الفريق أو ذاك، ومن هو المسئول أو الحكم الذي يخاطر بسمعته واسمه ليفعل ذلك؟
والأهم كيف يتم ذلك، هل يجتمع المسئول بلجنة الحكام لإبلاغهم بالفريق الذي يجب أن يفوز بالبطولة، ثم تقوم اللجنة بدورها بتوجيه الحكام لتحقيق ذلك، سيناريو لا منطقي بالطبع، وفي غاية السذاجة، يدحضه وجود حكم واحد شريف - وهم بالطبع كثيرون - يفضح تلك المؤامرة الوهمية.
كما أن من يفتح الباب أمام فكرة توجيه البطولات عندما يخسر فريقه البطولة، فإنه وبنفس المنطق يشكك في البطولات التي حصل عليها فريقه، طالما المبدأ موجود.
إنه للأسف التعصب الأعمى، الذي يحجب الرؤية، ويشوه الحقائق، ويبتعد بأصحابه عن الموضوعية.
من حقك أن تغضب لخسارة فريقك، وأن تنتقد أخطاء الحكام بموضوعية، ولكن ليس من حقك أبدًا أن تشكك في أخلاقيات الآخرين، وتكيل لهم الاتهامات القاسية من أجل خطأ - في الأغلب - غير مقصود.