قالوا عن المتنبي كبير شعراء العرب إنه متملق يكتسب الدراهم من بيع بلاغته، مثله كأغلب شعراء عصره، وطه حسين أشهر من سجل هذه الشهادة في كتابه "مع المتنبي"، وحال المتنبي لا يختلف كثيرًا عن الذي أسر في نفسه أن الطريق إلى النجاح، هو اقتران جهده ونبوغه بشيء من النفاق لرؤسائه، وكان له ما يطمح إليه مع مرور الوقت، وتولى منصبًا مرموقًا، غير أن النفاق صار لا يبرح عقله ولسانه، وترك رغبته الداخلية تسيطر عليه، وتجعله شخصًا مدمنًا للنفاق، وتتملكه إلى درجة أنه لا يستثني شريكة حياته من داء تملقه، وصار الكذب لا يفارق لسانه.
وحاله يماثل مدمن السرقة، وأشارت الرابطة الوطنية الأمريكية لمنع سرقة المتاجر إلى أن الإدمان على سرقة المحال التجارية أشبه بإدمان المخدرات، والمثير للدهشة أن مدمن السرقة قد يكون قادرًا على شراء السلعة المسروقة، وسلوك هذا الشخص يختلف مع الفعل الإجرامي للحرامي، وهو شخص أصاب نفسه بهوس السرقة، وارتبط لديه الشعور بالسعادة أثناء السرقة.
ولا يقتصر إدمان السرقة على الأشياء المادية، وهناك لصوص تعيش على أفكار الغير، وكم من أدعياء ينسبون إلى أنفسهم حصولهم على رسائل علمية، وقد يستهوي أحدهم في بداية مشواره المهني الاستيلاء على فكرة إبداعية لشخص ما، وسرعان ما يعلن للجميع أنه مبدعها، وتنزلق قدماه إلى إدمان السرقة.
وكان أبرز القصص الواقعية لتلك السرقات الإبداعية، ما تردد عن سرقة شكسبير قصة "روميو وجوليت"، ومن ناحية أخرى تفاجئ ممثلة هوليوود "وينونا رايدر" جماهيرها حول العالم بسرقتها بضائع بقيمة 4700 دولار من متاجر في لوس أنجلوس، ويدينها القضاء الأمريكي.
وتضخم الذات والنرجسية من سمات سارق الأفكار، وهذا وفقًا لآراء علماء النفس عن شخصية سارق الأفكار، وأضافوا إليها رغبته في امتلاك كل شيء من مال وكتب وحب الناس له، ويستكثر على غيره تميزه بموهبة معينة، وليس ببعيد أن يتحول من مدمن للسرقة إلى لص مجرم عتيد الإجرام.
وحين البحث في أصل الداء يتضح لنا أن الاعتياد بداية الطريق للإدمان، والاعتياد على السلوك السلبي يولد مدمنًا يسيء إلى مجتمعه، أما اعتياد الشخص على الإتيان بفعل إيجابي، يجعله مدمنًا للأعمال الصالحة، ولذا وجب على الإنسان تهذيب نفسه واعتيادها على ما ينفعها ويفيد الآخرين.
وفي هذا الشأن يحدثنا رسولنا الحبيب: "وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب فإنه يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا"، ويأمرنا المولى عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين".
ويثمن الإسلام استحضار نية الخير، ويقول عنها صلى الله عليه وسلم مبلغًا عن الرحمن: "إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة، وقال كذلك: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"، ويصف رب العزة معتادي الخير بالصالحين في قوله تعالى: "يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ"، ومازالت الدلائل تتوالى لتؤكد وجوب استثمار الأوقات في أعمال نحصد من ورائها أطيب الثمار، لتصير وقودًا دافعًا للأجيال المقبلة، ودروسًا مستفادة محفورة في ذاكرة التاريخ الإنساني، تتضافر مع ملاحم الرواد من عمر بن الخطاب وعمر بن عبدالعزيز، وغيرهما.
Email: [email protected]