فيما صار واقعًا معيشًا، يشهد العالم في السنوات الأخيرة تحولات إستراتيجية كبيرة تقوض فكرة الهيمنة الغربية على العالم، بعد انطلاق مسار تصاعدي لدول آسيوية كبرى وإنشاء تحالفات جديدة وأقطاب متعددة، في مقدمتها كانت الصين، وكانت أبرز أطرافها، وقد تطورت العلاقات بين الصين والدول العربية، بما أدى إلى نمو حجم التبادل التجاري بين الجانبين، وكذلك شهدت العلاقات الدبلوماسية بين مصر والصين تطورًا كبيرًا، لتتجاوز نصف قرن معها ومع الدول العربية الأخرى من سوريا واليمن والعراق والمغرب والجزائر، وكذلك المملكة العربية السعودية، والتي شهدت فعاليات أعمال القمة العربية الصينية، والتي شارك فيها الرئيس السيسي تأكيدًا لهذا الحرص على تدعيم وتطوير أواصر العلاقات التاريخية المتميزة بين الدول العربية والصين، وكذا المساهمة بفعالية في جهود تعزيز آليات العمل المشترك، خصوصًا بعد أن استطاعت مصر في السنوات الأخيرة أن تغير علاقاتها الخارجية بشكل جذرى في اتجاه العودة لدورها الريادي واستعادة مكانتها فى العالم، مما كان له بصمة واضحة على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، وقد كان للسياسة الخارجية الجديدة لمصر أثر كبير في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، ومن ذلك العلاقات المشتركة بين القاهرة والرياض، وارتفاع الاستثمارات السعودية فى مصر إلى ما يزيد على 6 مليارات دولار، وكذا الاتفاق على تشكيل صندوق سيادى بقيمة 16 مليار دولار، وإنشاء جامعة الملك سلمان، والاتفاق على إنشاء جسر الملك سلمان البري، وغيرها من الشراكات المهمة على المستوى الاقتصادي والسياسي والثقافي وشتى المجالات.
وفيما كان العالم منشغلًا بالتجاذبات والصراعات، بدت الصين كأنها ليست في المشهد الأساسي أو هي واجهة خلفية للغرب، والحقيقة أنها كانت تعمل بهدوء وفي الظل، وتؤسس لتنمية مختلفة ومكونات لطموحاتها الاقتصادية، فاستيقظ العالم على حضور الصين بقوة، في الوقت الذي نشهد فيه فتورًا غربيًا يقابله تحرك نوعي عربيًا في التنمية، لتأتي القمة العربية الصينية رسالة ودعمًا للشراكات التنموية والاقتصادية مع الصين واتضاح الرؤية بشكل أكبر في الاستثمار وتعزيز الشراكات، إذ حدث تحول اقتصادي وسياسي، وأصبحنا كمنطقة عربية نتملك الأدوات الفاعلة والمحركة لصناعة تكتل وفق مصالحنا ووجود شراكات قوية مؤثرة، والعرب مستعدون للقيام بهذه الخطوة دون النظر للمواءمات والمصالح الغربية، ولكن فقط النظر إلى ما يحقق مصالح بلادنا وهذا الوطن الممتد من المحيط للخليج، واستمرارًا لمسيرة دفع تعددية الأقطاب والعمل على إقامة نظام جديد أكثر عدلًا وديمقراطية، تأتي القمتين السعودية والعربية الصينية لتؤكدا فكرة التقليل من الاستقطابات، فالصين اليوم أكبر شريك اقتصادي لدول الخليج العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، كما يصل حجم التجارة البينية بين مصر والصين إلى 15 مليار دولار، والصين تدرك تمامًا أهمية مصر كبوابة للعرب وإفريقيا، وأهمية دورها المحوري خاصة في تعزيز التعاون العربي مع العالم، ورأينا كيف أنه رغم التحديات العالمية كأزمة الحرب الروسية الأوكرانية وجائحة كورونا التي اجتاحت العالم كله وتدهور اقتصاديات الدول الكبرى والاستقطاب الدولي الحاد، نجحت مصر في أثناء رئاستها للقمة العالمية للمناخ في إقناع المجتمع الدولي بالتوصل إلى توافق حول عدد كبير من الأمور الحيوية، وهو ما أكده الرئيس السيسي بوضوح وجلاء للواقع المصري والعربي والعلاقات الاقتصادية والسياسية مع الخارج والصين كقوة اقتصادية كبرى في كلمته الملهمة أمام قمة الرياض العربية الصينية، وأن الإرادة العربية تجسدت في تعزيز التعاون المشترك مع تدشين "منتدى التعاون العربي الصيني"، ليأتي اجتماع القمة العربية الصينية الأولى، مؤكدًا لهذه الإرادة القوية لتعزيز ودعم الشراكات في إطار مبادرات "الحزام والطريق"، و"التنمية الدولية"، وما تحمله من فرص لتعميق التعاون العربي الصيني، وزيادة فرص الاستثمار في مختلف المجالات.