ما الحل؟
أو ما العمل كما قال المفكر السياسى القديم فلاديمير لينين ذات مرة؟
سؤال يتردد فى فضاء العالم من أدناه إلى أقصاه. والمقصود بما الحل، هو كيف يمكن إيقاف سيولة المجتمع الدولي، وعدم انزلاقه إلى ما لا تحمد عقباه؟ وكيف يمكن الخروج من المحنة البنيوية الضاربة فى أساس السياسة العالمية، الهشة فى الواقع؟
محنة حقيقية لا سبيل إلى إنكارها، سواء أكانت اقتصادية أم دبلوماسية أم اجتماعية، يراها المتفائل بشيرا بتغيير شامل وعميق، ويراها المتشائم نذيرا، ومجرد تحوير فى شكل العالم الذى خضع لمعيار المنظمات الدولية الناتجة عن الحرب العالمية الثانية، وأن هذه المنظمات قد تتحور، وتصبح قائد المجتمع الدولى الفعلي، وتحل محل الدول والأمم والقوى الكبرى!
كان يمكن ألا تقع المسألة الأوكرانية - الروسية، لكنها وقعت، لأن مغامرى ومصممى سياسة، كتبوا السيناريو، وصوروه بأبطال ومجاميع مؤسسات عابرة، ومع عرض الفيلم على الشاشات الفضية، سقط المتفرجون ضحايا المتعة القاتلة.
وقعت الحرب، راح ضحيتها الاقتصاد العالمي، والعلاقات الدبلوماسية بين الدول، وتكسرت الثقافة، والصناعة، وتحطمت الأفكار، وكل ذلك يستمر كخطر مقيم، لكن الأخطر هو التكيف والتعايش مع إيقاع الصواريخ والموت، والتدمير للمدن والبيوت، وتشريد الآمنين، وتحويلهم إلى مجرد أرقام لاجئين.
هنا لا نعالج من كان السبب فى إطلاق هذه المسألة، فالمسئولون عنها من مختلفى المشارب والميول، متعددو الأهداف.
ولا يوجد من بين هؤلاء أو أولئك من استطاع أن يدرك أهدافه إلى الآن، بل إن الأزمة الاقتصادية تطال الجميع دون استثناء، والمنتصر مهزوم، والمهزوم لن يختفى، بل إن استمرار التناوب بين النصر والهزيمة، سيجعل العالم كله فى خبر كان.
والعالم الحالى بالفعل كنظام عتيد على مدى 75 عاما أصبح فى خبر كان، وهناك عالم جديد يتشكل، ومن الأفضل أن يكون عادلا متساويا، ليس فيه فرض لثقافة على أخرى، ولا فرض لعرق على آخر، ولا إقحام لرموز مريبة على عقول وقلوب شعوب أخرى، ولا استخدام لمحافل ومناسبات دولية ترفيهية لإثبات نزعة التفوق على الآخرين، وفرض هذه النزعة بقوة الإعلام والصور الحية.
الجميع يتساوى الآن فى اللحظة العالمية، الغرب المتقدم مع الشرق الناهض، الجنوب الطامح مع الشمال الواصل، هناك توحيد قياسى للأزمة الإنسانية، وعلى كل هؤلاء أن يجدوا الجسر الصحيح ليعبروا عليه إلى بر الأمان، فلا مكابرة، ولا ذريعة بعد الآن، فالصورة واضحة دون حاجة إلى تحليل أو إمعان.
على سبيل المثال، فإن أوروبا الحليف المعتاد للولايات المتحدة الأمريكية، غاضبة من القوانين الحمائية للأخيرة، وتجد نفسها وحيدة أمام أزمة الطاقة وشتاء 2023، والمسألة الأوكرانية المعقدة، أما أمريكا فترى أنه من الضرورى حماية صناعاتها، واقتصادها، ومجتمعها الذى يشعر بوطأة الأزمة الاقتصادية الخانقة.
بدا هذا التململ بين ضفتى المحيط الأطلنطى ظاهرا، فى تصريحات الرئيسين: الفرنسى إيمانويل ماكرون، والأمريكى جو بايدن، وكل رئيس يدافع عن أمنه الاجتماعى من وجهة نظره، وهو دفاع يؤثر على شكل العالم الجديد بعد نهاية المسألة الأوكرانية، وهى ستنتهى فى أى لحظة فجأة، كما بدأت فجأة، وإن كانت تداعياتها ستستمر بصورة أعنف، فالمزاج العام بعد اندلاع هذه الأزمة سيكون مختلفا، وستتغير القواعد الدبلوماسية وغير الدبلوماسية.
ما الحل لنا فى الإقليم العربى؟
الحل هو أن نصبح الكتلة الحرجة فى النظام الجديد المحتمل، وكنت قد أشرت إلى هذا فى مقال سابق، وسأظل أنادى بذلك، فالفرصة مهيأة، والطريق مفتوح.