منذ 25 عامًا تقريبًا، بادر زمرة من الكتاب والصحفيين في مصر بإنشاء أول كيان متخصص يهتم بالشأن البيئي والتنموي، منتميًا إلى المجتمع المدني، ليشكل أول نواة للإعلام البيئي الجاد على المستوى الوطني والإقليمي، في وقت كان فيه الاهتمام بالبيئة حديثًا نسبيًا؛ سواء في الداخل أو الخارج، فلم تكن البيئة محور النشاط أو عنوانًا مهمًا، فقد كانت تتوارى خلف الصفحات والموضوعات العلمية أو الطبية، أو الزراعية، حتى فرضت قضاياها على الرأي العام، بعد أن كان الحديث عنها لا يتجاوز العلماء والخبراء.
في عام 1995، سعى المحرر العلمي للأهرام الكاتب الصحفي وجدي رياض، مع جمع من زملائه في المؤسسات والإصدارات الصحفية والإعلامية، إلى تأسيس هذا الكيان؛ حيث ليحمل اسم "جمعية كتاب البيئة والتنمية - SWED"، ووقع على لائحة النظام الأساسي للجمعية يوم 18/3/2003، المغفور لهما بإذن الله، الأستاذ سلامة أحمد سلامة رئيسًا لمجلس إدارة الجمعية، والزميل محمد عبدالمقصود أمينًا عامًا.
ومنذ بداية هذه المبادرة، تغيرت خلالها مفاهيم المجتمع وسلوكياته، وتضاعفت التحديات نتيجة النشاط والنمو الاقتصادي والإنساني بإيقاع يصعب مواكبته، فضلًا عن التغيرات المناخية، وزيادة حجم الانبعاثات وتلوث البيئة، والإخلال بالتوازن البيئي والطبيعي.
من بداية نشأتها، واكبت الجمعية مختلف الأحداث والفعاليات والتطورات لتمثل وتقوم بدور المجتمع المدني، والإعلام البيئي معًا، وهما من أهم أسس الإنجاز في العمل البيئي والتنموي، بالإضافة إلى النهوض بمختلف مجالات رفع الوعي المجتمعي والمؤسسي، ونشر قيم الاستدامة والترشيد، الجمعية في مقرها شديد التواضع بعمارات معروف بوسط القاهرة، شهدت الإثنين الماضي، انتخابات هادئة نزيهة بين أعضائها، ليتولى طاقم جديد إدارتها برئاسة الدكتور محمود بكر، دأبت على نشر الوعي البيئي، والتطوير المستمر لمهارات الصحفيين العلمية والمهنية في مجال البيئة والتنمية المستدامة، وكذلك العلاقة التكاملية بين الإنسان وبين الطبيعة، والتنبيه المستمر بمخاطر الاستخدام غير الرشيد للموارد، وتدريب شباب الإعلاميين لرفع قدراتهم في تغطية قضايا البيئة، فضلا عن التعاون والمشاركة في المؤسسات والهيئات الدولية، هذه المحاور والأهداف تصدرت أجندة عملها منذ نشأتها، حيث تداول على إدارتها بعد الرائد الأول سلامة أحمد سلامة، كل من: ليلى مرموش، ومحمد عبدالمقصود، وفوزي عبدالحليم، وسوزان زكي، وخالد مبارك.
طموحات الجمعية وأعضائها، لا تتوقف، بل تنمو، خاصة مع أعضاء مجلس الإدارة الجديد بشبابه، وطموحات المرأة المصرية، بعد فوز الزميلات بـ8 مقاعد في المجلس، بواقع 73% من أعضاء المجلس الحادي عشر، مقابل 3 فقط للزملاء، وهو ما يؤكد أن سمات نشاط المرأة تتوافق مع قيم الحفاظ على البيئة.
ومقارنة بأداء المجتمع المدني والمنظمات الأهلية العالمية، كما شاهدنا خلال "COP27"، في شرم الشيخ الشهر الماضي، وتركزت غالبية مشاركاته في الاحتجاجات عبر تنظيم المظاهرات ضد أداء الحكومات أو وقوع مخالفات بيئية هنا أو تلوث هناك، فإن هذه المقارنة بينه وبين المجتمع المدني المصري، تظهر أن الأخير فاعل جيد عبر مشاركات إيجابية وواقعية، كما لديه رؤى ومبادرات مبتكرة، فقد شارك في 75 فعالية خلال المؤتمر، شملت قضايا التمويل والعلوم والشباب والمرأة والنوع الاجتماعي والمياه والزراعة والتكيف والطاقة والتنوع البيولوجي، وكان شريكًا في مشروعات قابلة للتنفيذ.
ومن بين صفوف المجتمع المدني نجحت المصرية الدكتورة غادة أحمدين في الفوز برئاسة الشبكة الإقليمية لدول حوض النيل ممثلة عن مصر، حيث حصلت على أعلى الأصوات من بين الدول المشاركة فى اللقاء الذى شهدته العاصمة الكينية نيروبي، حدث هذا الأسبوع الحالي، أما في الماضي، فلم يكن الشأن البيئي في مصر غائبًا عن حركة الحياة يومًا، حيث كانت البيئة المستدامة حاضرة بكثافة في الحضارة المصرية القديمة، بمفهوم أن البيئة السليمة هي أفضل ميراث للوصول إلى تنمية مستدامة، كما أن مصر كان لديها، في الماضي القريب، علمائها مثل د.عبدالفتاح القصاص، ود.مصطفى كمال طلبه، فقد حظيا بمكانة محلية وعالمية مرموقة، لجهودهم العلمية الاهتمام بالقضايا الكونية المعنية بالبيئة والمناخ، وتمكنا من توجيه السياسات الدولية خلال عمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ومنذ بداية أول مؤتمر عالمي للبيئة عام 1972 في استوكهولم بالسويد، والقائمة تكتظ بعلماء مصر الأجلاء في العلوم البيئية والمناخ والحفاظ على الطبيعة، بالجامعات المصرية والمؤسسات العلمية والبحثية، إضافة إلى خبراء ورؤساء جهاز شئون البيئة.
تدرك الجمعية، أن مصر لا تمتلك فقط الموارد الجديدة والمتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح فقط، بل لديها أيضًا طاقة جديدة تضاف إلى طاقاتها الطبيعية.. هي الطاقة الإنسانية والروحية والموارد البشرية، فهي طاقة مبادرة متفاعلة أسسها المصريون القدماء، عندما عرفوا وأدركوا أهمية التعامل مع الركائز الأساسية للحياة، "الأرض والماء والهواء" في بيئة صحية نظيفة، وتفوقت حضارتهم على حضارات العالم القديم والحديث معًا، وكانت البيئة بمثابة العقيدة الروحية والمؤشر لجودة الحياة.. "يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَار" "سورة النور 44".
وإذا كانت مصر أول دولة عربية وإقليمية تصدر قانونًا للبيئة، قانون 4 لعام 1994، فإن جريدة الأهرام تعد أول جريدة وطنية تنشئ قسمًا للبيئة، وتفرد لها صفحة متخصصة كل أسبوع، كما أن جمعية كتاب البيئة والتنمية، تعد أول كيان مصري علمي إعلامي مهني متخصص يعنى بالبيئة وقضاياها.. وليس مدهشًا أن يتقدم كتاب البيئة ومحرروها صفوف وسائل الإعلام التقليدية والحديثة أيضًا المستدامة.
[email protected]