عقب 10 سنوات.. كيف نواجه الجماعة الإرهابية؟

4-12-2022 | 17:09

المعركة ضد جماعة الإخوان الإرهابية لا نهاية محددة لها بطبيعة كونها بالأساس معركة أفكار. ولأن الجماعة لم تتردد عبر حوالي مائة عام عن رفع السلاح في وجه الدولة المصرية كلما دعتها الحاجة، لذا فالحرب بجوانبها الأمنية والذهنية مستمرة. ولأن للأمن في الوطن مؤسسات قوية تحميه، فأنا هنا معني بمعركة الإدراك والوعي. وإذا اعتبرنا أننا باللحظة الراهنة يجب ألا نكون مكترثين كثيرًا بتغيير وجهة مَن شاهدوا جرائم الجماعة حية على الهواء، وإلى الآن ما زالوا يحترمونها أو يتعاطفون معها، فهؤلاء لا أمل فيهم حتى وإن بُعث الإرهابي "حسن البنا" من مرقده ومشى في الأسواق ساردًا تفاصيل كل ما اقترف، لذا فإن المستهدفين الحقيقيين اليوم يتحتم أن يكونوا هؤلاء (القادمين الجدد) ممَن لم يكونوا في كامل تمييزهم الإدراكي بالأعوام من 2011 وحتى 2013. عقول هؤلاء هي ساحة المعركة الحالية. ليبقى السؤال عقب مرور حوالي 10 سنوات من ذروة نهار الثلاثين من يونيو/ حزيران: كيف يمكن أن نسابق الجماعة الإرهابية وروافدها للاستحواذ على عقول هذا الجمهور المقصود وألا نترك مساحات إدراكه الغضة نهبًا للظلاميين؟

عبر الفصول المدرسية.. هكذا مبكرًا منذ البدء يجب أن نكون في موقع الهجوم لا الدفاع، ويخصنا في هذا الصدد "المنهج والمدرس". بالنسبة للمنهج، رُبما لا أهم من إقرار "التربية الوطنية" بأعوام المرحلة الابتدائية مادة بالمقرر الدراسي على الطلاب، على أن تُحتسب درجاتها ضمن المجموع الكلي للدرجات، وعبر صفحات المادة يتحتم غرس عقل ومخيلة المتلقين بجرائم الجماعة الإرهابية عبر حقب مصر المختلفة وبصياغة ملائمة لتلك الأعمار. أما المدرس، فلا أخطر على الإطلاق من مُعلم يقف أمام طلابه بطاقة إخوانية أو سلفية حاقنًا الصغار مبكرًا بكل ما يقوض الدولة ويشوه الهوية، لذا يجب على وزارة التعليم دومًا تطوير آليات رقابة هؤلاء وإبعادهم. إن أخطر ما يقترفه المنتمون فكريًا أو حركيًا للجماعات المتأسلمة هو كسر فكرة القومية في الوجدان وتهوين قيمة الوطن لدى الإنسان، الذي يتحول بمرور الوقت إلى خائن بيننا، يحمل ذات بطاقات هوياتنا، لكنه يشمت بأحزاننا ولا يبتهج بأفراحنا، ويتمنى لنا سرًا جميعًا الفناء.

عبر منصات المؤسسة الدينية.. من المهم لمنصات المؤسسات الدينية الوسطية خاصة الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف الاستمرار في محاولات شغل حصة أكبر من الفضاء الإلكتروني على facebook وTwitter وInstagram وعدم الاكتفاء بالتواجد بين جدران البيئات التقليدية. هذه المحاولات وإن لم تصل حد الكفاية حتى الآن، لكن هجمات الخراف الإلكترونية التابعة للجماعة ولجانها على منشوراتها ومقتطفاتها يُظهر لأي مدى توجعهم منهم وخشيتهم من قوة تأثيرها لدى قطاعات جماهيرية عريضة ما زالت تحتفظ لتلك المؤسستين بكثير من الهيبة في النفوس. إن الجهود المضنية التي بُذلت على مدار العقد الأخير، والتي اتسمتْ بالجدية والحسم حيال ما كان يدور بالمساجد والزوايا تنقية لتلك البقاع الطيبة من دنس الظلاميين طوال الأعوام الماضية، لا بدَّ أن تتكامل بأداء إلكتروني توعوي محصن على ذات المستوى. سيَّما وأن ما سبق من دعوة للتثوير في نوفمبر الماضي وما قبله، يجسد مدى نشاط خصومنا في هذا الفضاء وقدرتهم على الوصول لصغار السن، حتى وإن لم يتردد لدعواتهم صدى على الأرض.

عبر الرسوم المتحركة.. إن أحدًا لا يخاطب الجدد من المصريين المتروكين لهواتفهم المحمولة سيَّما بالمرحلتين الابتدائية والإعدادية، هؤلاء فرائس سهلة لدعايا الأغيار من أهل الشر، فتترسخ الحكايا الزائفة حقائق في وجدانهم بفعل فرط الترديد الببغائي، تلك الروايات تستهدف بالأغلب: تجميل جماعة الإخوان الإرهابية وتوقير شخوصها الأشهر وتوكيد أسطورة المظلومية، تحسين صورة الحقبة الملكية وتقبيح ثورة يوليو/ تموز والرئيس الأسبق جمال عبدالناصر، الاستهزاء بأي منجز للدولة المصرية عبر أشكال الكوميديا السوداء وتشويه صورة الرئيس عبدالفتاح السيسي. لذا من المهم إشراك منتجات الرسوم المتحركة وبقوة في تلك المعركة الخاصة بصناعة الوعي، عبر إنتاج مسلسلات كارتونية مكتوبة بحرفية ومصنوعة بتقنية عالية ملبية لطموحات هذا الجيل الجديد في المشاهدة، مع بثها كلية ومقطعة على شكل مقاطع ملائمة لباقات إنترنت الصغار، وبين طيات الحكايا الشيقة المتنوعة المرسخة للهوية المصرية، نغرس في وجدانهم أيضًا وعلى نحو (غير مباشر) قيمة الدولة ومؤسساتها التي تدافع عن وجودها ومنجزاتها التي تتحقق، وأن الجماعة إرهابية، وأن أعضاءها قتلة حقيقيون أو محتملون.

هكذا عبر التربية الوطنية ومنصات المؤسسات الدينية والرسوم المتحركة إلى جانب طرق أخرى، يمكننا الوصول سريعًا إلى عقول هؤلاء القادمين الجدد، حيث أرض المعركة الحقيقية للوعي والاستحواذ على كعكة الإدراك الجمعي لهم. رُبما يسخر أحد مني ومن هذا الكلام، لكن قراءة التاريخ تعلمنا أن الجماعة الإرهابية تنهض من جديد في ذات اللحظة التي نظن فيها أننا انتصرنا، ما لم نكن يقظين.

للتواصل مع الكاتب عبر تويتر: twitter.com/Sherief_Said

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة