Close ad

العنف ضد المرأة.. لماذا؟!

30-11-2022 | 13:35

لماذا نحن مشغولون في مجتمعنا المصري والعربي؛ بقضية العنف ضد المرأة؟ وطيلة الوقت تتولى النخبة والصفوة المستنيرة من  أستاذة الجامعات؛ ومن طلائع القوى الناعمة المصرية والعربية؛ بالتذكير المتكرر بأننا نعيد تصدير صرخاتنا ـ من حينٍ لآخر ـ  إلى العالم القاصي والداني؛ والإشارة إلى ما أقرته هيئة الأمم المتحدة بالقيام بحملات لهذا الغرض؛ ويقود حملات تلك الدعوة الأمين العام للأمم المتحدة للمرأة منذ العام 2008؛ وتهدف تلك الحملات إلى منع العنف ضد النساء والقضاء عليه في جميع أنحاء العالم؛ وتدعو إلى اتخاذ إجراءات عملية عالمية لإذكاء الوعي ولتعزيز ذلك الهدف؛ ولإتاحة الفرص الجادة داخل الحيز المجتمعي لمناقشة التحديات والحلول الناجزة!
 
وبدوري أتساءل: لماذا كل هذا؟ والقرآن الكريم منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان؛ قال الله في كتابه العزيز: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" سورة النساء (1).
 
وأتمنى ألا تُزعج كلماتي ـ من زاويتي ورؤيتي ـ بعض المتشنجين الذين وضعوا فوق ظهورنا أحمالاً ثقيلة مما ينسبونه ـ زورًا وبهتانًا ـ إلى تراث الدين والعقيدة؛ وينفثونه ليل نهار في عقول النشء المتطلع إلى اعتناق فلسفة الحياة.. لا فلسفة الموت والعذاب! وذهبوا بـ "المرأة" إلى حيث قوقعتها داخل ما يشبه "الخيمة البدوية" في الصحراء المجدبة.
 
 وقد نلتمس بعض الأعذار لمن يتخذون من  كتب "التراث" ـ التي ننادي بتنقيتها من كل الشوائب بتحديث الخطاب الديني ــ منهاجًا لتعاليمهم ودعوتهم؛ فقد  ساد في العصر الجاهلي قبل الإسلام؛ الكثير من سلوكيات الظلم والهمجية؛ و.. وصل بهم الأمر إلى التحريم على المرأة حقها في الحياة؛ فقتلوها بطريقة بشعة تدل على غياب الرحمة والإنسانية؛ وذلك بوأدِها وهي لا تزال طفلة، فكانت تُدفن حيّةً تحت التراب حتى الموت؛ وقد شنّع الإسلام هذه الجريمة حيث قال الله تعالى: "وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ" (سورة التكوير 8)؟ وكانت هذه الآية بمثابة التحذير من اتباع العقيدة اليهودية التي تنظر إلى المرأة باعتبارها مصدرًا للإثم؛ وحمَّلتها التوراة جريرة "غواية آدم" وإخراجه من نعيم الجنة!
 
وكانت نظرة العقيدة المسيحية للمرأة نظرة مُنصفة عادلة؛ وكانت علاقة "المسيح" بالنساء علاقة ممتازة.. آمنوا به واتخذهن صحابيات وتلميذات وتابعات؛ بل كان ميَّالاً إلى إنصاف المرأة وانتشالها من إلصاق الاتهام بها بالفسق والفجور؛ فقد جاء في الإنجيل على لسان السيد المسيح : "من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر" (يوحنا 8:7).
 
وقد تعارفت كل المجتمعات البشرية على أن "المرأة نصف المجتمع"؛ ولكن معظم تلك المجتمعات ـ وبخاصة العربية ــ لم تعترف بهذه المناصفة في الحقوق والواجبات؛ واختل الميزان في الكثير منها؛ ورأينا الكثير من الممارسات العنيفة ضد "نصف المجتمع" بما قامت بتصنيفه منظمات المجتمع المدني؛ وأشارت إليه بالعنف الجسدي، والإساءة النفسية/التنمر، وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث /الطهارة، والاغتصاب.. حتى تحت مظلة الحياة الزوجية، والقتل، ولم ينج من هذا العنف عالم الأطفال بتزويجهن في سنٍ مبكرة، أو بالتحرش باستعمال الأساليب غير الإنسانية؛ وخلق العوائق بشتى الطرق لمنع تعليم الفتيات؛ مما يعمل على تقليص فرصة خروجهن إلى سوق العمل؛ وما خفي .. كان أعظم!

ولمزيد من الإيضاح في تلك المعضلة التي تواجهها مجتمعاتنا؛ فإنني أورد منطوق إعلان القضاء على العنف ضد المرأة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993؛ وهو الذي يعرِّف العنف ضد المرأة كالتالي: "أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عنه أو يرجح أن يترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة."
 
إنني أهيب بالمجالس التشريعية ومنظمات المجتمع المدني؛ والوزارات السيادية؛ وكتائب المثقفين والصفوة من أبناء المجتمع؛ وأساتذة الجامعات؛ العمل على المسارعة بإقرار القوانين التي تُعيد لـ "المراة" حقوقها المسلوبة في ظل طغيان من يروجون ضدها في مجالات الحياة كافة؛ وإقرار حقها في الأمومة والتعليم والعمل؛ وحقوقها في استقلالها بالذمة المالية؛ فقد أقرت لها العقائد السماوية حق التملك والبيع والشراء بالرضا والتراضي مع شريك الحياة؛ لأنه يوجد ضمن عادات وتقاليد أهل الجنوب في صعيد مصر وبعض المناطق في البلاد العربية؛ تحرم "الأنثى" من حقها في الميراث الشرعي؛ بحجة الحفاظ على الممتلكات من التفتُّت؛ واستيلاء "الزوج" على الممتلكات! أى التكريس للمجتمع الذكوري بكل ما يملكون من أسلحة ضد المراة، وهذه المطالبات لا تعني أبدًا أن ننكر ما تم تحقيقه على أرض الواقع من الهيئات والجمعيات والمؤسسات التي تعنى بالمرأة وحقوقها لكن مازال المشوار طويلًا ويحتاج إلى تكريس المزيد من الجهود من كل صوب وحدب بغية استنهاض المجتمع مستقرًا سويًا بإنصاف مستحق لنصف المجتمع متمثلًا في نسائه.

واخيرًا .. أرجو أن أكون قد حالفني التوفيق في الإشارة إلى هذه المشكلة التي تنغص حياة المجتمعات البشرية ـ وبخاصة في عالمنا العربي؛ واهتديت إلى إجابة شافية لسؤالي في مطلع حديثي عن : لماذا نحن مشغولون في مجتمعنا المصري والعربي؛ بقضية العنف ضد المرأة ؟
 
اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد!!
 
* رئيس قسم الإنتاج الإبداعي الأسبق بأكاديمية الفنون
وأستاذ التأليف والكتابة الإبداعية وعضو اتحاد كتاب مصر

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة