لفت نظري منشور لأحد الأصدقاء يقول فيه: عندما تكتفي المرأه برعاية أولادها وأعمال البيت، يخبرونها أنها بلا عمل.. فتخرج للعمل.. وعندما تخرج يأتون بامرأةٍ أخرى ترعى أولادها وتقوم بأعمال البيت ويُسمون ذلك عملًا، الحق أقول إن منطق العبارة استوقفني وأعجبني بل وأضحكني، ربما من باب شر البلية ما يضحك.
وتذكرت على الفور من وقفت تتحدث بالأمس القريب إلى طبيبات حديثات التخرج توصيهن "بيتك ثم بيتك ثم بيتك.. لو قعدتي في البيت فيه مليون طبيب غيرك برة يعالج الناس، لكن ولادك ماحدش هيربيهم غيرك"، كان اختيارها واضحًا، وضعت الأولوية في حياتها لدورها كأم، وليأتي بعد ذلك كل شيء.
وحكت كيف رتبت عملها وطموحها بما يتناسب مع دورها في تربية أولادها، وكيف وازنت الأمرين عندما اختارت تخصصًا يناسب ظروفها كــ "أم"، قناعة أن دورها في المنزل أهم ألف مرة من دورها خارج المنزل.. هكذا كان يقينها وهكذا فعلت.. ويبدو أنها نجحت في تنفيذ خطتها، فقد وصلت في حياتها العملية إلى مركز مرموق، لم يمنعها عنه اهتمامها ببيتها وأبنائها ووضعهم على قمة أولوياتها.
ثم علا صوت سيدة أخرى تنتقد ذلك بشدة، مؤكدة قدرة المرأة على القيام بالأمرين مهما كان تخصصها، وزاد من حيرتي تلك الطبيبة التي صرخت صرخة مدوية في تعليقها على الأخيرة أنه لا توجد مراعاة لظروفها في العمل؛ حيث تسهر وتبيت ولا يتوافر لها الوقت لرعاية أولادها.
مرة أخرى مسألة عمل المرأة! آراء متعددة ومتناقضة تجعلنا ندور في حلقة مفرغة لا نجد لها نهاية، لا ندعي طرح حلول أو فرض وجهة نظر معينة، ولكن بالأحرى فتح الباب للمناقشة.
أولًا ما هو العمل؟ المفترض أنه جهد يبذله الإنسان مقابل أجر يحصل عليه لسد احتياجاته، فإذا قرر رجل وامرأة بناء أسرة، وأكرر بناء أسرة، وجب عليهما إدراك أن ذلك البناء يتطلب عملًا وجهدًا من كليهما، ولابد أن يتفقا على أن ثمرة جهودهما - الأجر - تعتبر مشتركة بينهما، ليس لأحدهما أن ينفرد بشيء ويقول هذا ملكي، أو أن يعاير الآخر في لحظة ما بأنه من عمل وتعب.. وإلا حق للرجل أن يمنع المال عن أسرته؛ لأنه من تعب وشقي للحصول عليه، وحق للزوجة أن تطلب منه مقابل صنعها للطعام الذي أحضره بماله، وغسلها للثياب التي اشتراها بماله.... إلخ.. وهو ما لا طاقة لهما به في ظني.
بعد هذا الاتفاق، وبعد معرفة كل واحد لمهمته يمكن أن تطلب المرأة العمل خارج المنزل.. وطالما اتفقنا أن دورها بداخل المنزل ينطبق عليه وصف "العمل"، إذن لا شك أن عملها خارج المنزل سوف يعتبر عملًا إضافيًا.. العمل الإضافي يقوم به المرء لتعويض أمر ما.
إما لتعويض القصور المادي وضرورة تحسين الدخل، وهنا لابد أن يقوم به الزوج أولًا، فهي مهمته الأساسية في الأسرة، فإن استحال أو بقي الدخل قاصرًا عن الوفاء باحتياجات الأسرة كانت الضرورة لخروج الزوجة للعمل، وربنا معاهم جميعًا.
أما إذا جاء العمل الإضافي للزوجة على سبيل إثبات أنها لا تقل عن الرجل في شيء...إلخ.. فمعنى ذلك أنها لم تفهم بعد أن ما تقوم به في منزلها هو "حياة عملية" من الدرجة الأولى، عمل سوف تتركه ظنًا أنها بلا عمل، لتأتي بامرأة أخرى "للعمل" في رعاية بيتها وأولادها نظير أجر، لماذا؟ حتى لا يقولوا أنك أصبحت مثل الخادمة.
سيدتي لست مثل الخادمة، أنتِ بالفعل خادمة.. خادمة لبيتك، وزوجك خادم لبيته، وإذا لم تفهما ذلك وتتفقا عليه منذ البداية، فلا تقدما على أمر قد يكون ضرره أكبر من نفعه.
وقد يكون عمل المرأة للتعويض عن إحساسها بعدم الأمان، تعمل للحصول على مال بغرض ألا يتحكم فيها الرجل؛ سواء ظلت زوجته أو إذا طلقها، هو إحساس صحيح – في رأيي - في ظل غياب ثقافة بناء الأسرة؛ سواء بالنسبة للمرأة أو الرجل، هناك رجال لا يشعرون زوجاتهم بالأمان، ويظهر دومًا باعتباره صاحب الأمر والنهي؛ لأنه من يأتي بالمال، ولو توقف فسوف تموت الزوجة جوعًا، وينسى أنه إذا كانت مهمته أن يأتي بالمال فمهمتها هي توظيف هذا المال لبناء أسرة بأكملها بما فيهم هو نفسه، لك عمل ولها عمل، أنت تشاركها في نجاح تلك الأسرة، تأكل وتشرب وتلبس مما صنعت يداها، أنت شريكها في كل ما تفعله.. وهى أيضًا شريكتك في نجاحك يا سيدي.
يجب أن تكون هناك برامج تأهيل للمقبلين على الزواج يتعلمون فيها ما أمر به الله سبحانه وتعالى من حسن المعاملة والمودة والرحمة بين الطرفين.