الصداقة بين الجنسين؛ يهاجمها البعض بحدة ويدافع عنها آخرون "بشراسة" ويرون أنها "ضرورية" جدًا لتبادل الخبرات الحياتية وللمزيد من التفاهم بين الجنسين وأنها لا تضر بل تفيد فقط..
الصداقة علاقة بين شخصين يتبادلان المودة والأمنيات الطيبة والدعم عند الأزمات ويتشاركان الفرح عند الأحداث الطيبة والاهتمام بمصالح بعضهما البعض والنصح "بصدق"، ويتمتعان "بحقوق" اللجوء المتبادل عند المشاكل وينصت كل منهما للآخر بصبر وبلا أحكام مسبقة، ويهون عليه ما يؤلمه ويحفظ أسراره "وينبهه" عندما يخطئ ولا يبرر أخطاءه ولا يخدعه بمجاملة كاذبة؛ حتى لا يغضب منه، ويقضيان معًا أوقتًا لطيفة ويتشاركان بعض الهوايات والاهتمامات وعند الشعور بالوحدة يتكلمان لتبديدها مع تبادل الخبرات الحياتية بأنواعها..
هذه أهم مواصفات الصداقة؛ ونتساءل بود واحترام للمشاعر الإنسانية للجنسين؛ هل يمكن أن يتبادل إثنان هذه المشاعر ويقضيان أوقاتا طويلة معا "ويخصان" بعضهما البعض بأدق الأسرار دون أن يحدث "ميل" عاطفي ولو من أحد الطرفين؟ ألا يتناقض ذلك "بشدة" مع طبيعة النفس البشرية؟
نادرًا ما يحدث الميل من الطرفين وتكون الظروف مناسبة للزواج؛ وعند قراءة الواقع نجد كثيرًا من المشاكل العاطفية سببها الاقتراب "الزائد" من الجنس الآخر والشعور بصدمة "مؤلمة" عند ارتباط أحد طرفي الصداقة بين الجنسين عاطفيًا بغير شريكه بالصداقة؟
المؤلم ليس وجع الصدمة فقط؛ "فالأسوأ" فقدان الثقة بالنفس وأحيانًا بالجنس الآخر والأشد إيلامًا "وقسوة" ما سمعته من الجنسين بأنه لماذا لم يجده الطرف الآخر "كافيًا" ليرتبط به عاطفيًا"، ولماذا قرر اختيار "غيره" ليقاسمه حياته؟ ولماذا فضله عليه بعد أن رأى منه كل الدعم والتعاطف وقضيا معًا أوقاتًا جميلة وأحيانًا سنوات طويلة؟ قام فيها الطرف المتضرر من ارتباط شريكه بالصداقة بغيره بتأجيل حياته برفض أي تفكير بالزواج "انتظارًا" للزواج من الصديق أو الصديقة وإذا به يُفاجأ باختياره لغيره.
نعرف جميعًا أن الواقع يؤكد "استحالة" الإبقاء على الصداقة بين الجنسين بعد خطبة أحدهما أو زواجه؛ فهذا ضد فكرة الخطبة والزواج حيث يتم منح الشريك بهما المكانة "المميزة" بحياة صاحبها من الجنسين وصنع صداقة لطيفة بينهما وتقاسم الحلو والمر بينهما؛ وتتراجع "بحدة" وتتفاوت مكانة الصديق المقرب من الجنس الآخر والذي يشعر "بالخيانة"، وبأنه تعرض للغدر وكان بمثابة محطة "مؤقتة" في حياة الطرف الآخر؛ وتم "استغلاله" نفسيًا وعاطفيًا لقتل شعور الآخر بالفراغ وأحيانًا "لتسليته" حتى يقابل شريكه في الحياة الذي سيفوز "وحده" بحاضر الآخر ومستقبله، بينما يتم "إنهاء" وجوده رغمًا عنه..
نتوقف عند معاناة الحب من طرف واحد وتكثر عند الصداقة بين الجنسين، وقد يلاحظها الطرف الآخر ويتجاهل التلميحات رغبة منه لاستمرار العلاقة "ويبقي" عليها بأنانية، ويفسر شريكه بالصداقة من الجنسين أي كلمة لطيفة أو تصرف جميل بأنه مؤشر على تحول الصداقة لحب ثم يفاجأ بخطبته لغيره ويتألم وحده..
كما يحدث أحيانًا الاستغلال باسم الصداقة وطلب خدمات ومساعدات من الجنس الآخر والاستفادة المادية وأحيانًا العاطفية بالشعور أن الآخر "يحتاج" لوجوده في حياته لاعتياده عليه والتعامل معه بأنانية وغالبًا ما يتم الرضوخ لها..
تكمن الخسارة الأكبر في تعطيل الحياة والاعتماد النفسي على الصديق؛ ولن يقبل زوج ولن تقبل زوجة بوجود صديق من الجنس الآخر لشريك الحياة؛ فلماذا نضيع أوقاتًا غالية من العمر ومشاعر في استثمار "لن" نجني ثماره؟
يحدث الضرر العاطفي الأكبر مستقبلًا في مقارنة الصديق السابق من الجنسين بشريك الحياة وتكون النتيجة في صالح الصديق؛ وتناسي أنه لم تكن هناك حياة كاملة بينهما وما يجمعهما لم تكن المسئولية والتفاصيل اليومية الحياتية بل الرغبة المتبادلة في قضاء أوقات لطيفة، وأن الزواج به مسئوليات مادية ونفسية وعاطفية وبعض الأعباء المشتركة بعكس الصداقة.
من يختزل صداقاته مع الجنس الآخر ولا يصادق من جنسه يتأثر نفسيًا ويؤذي نفسه؛ فيبتعد تدريجيًا عن التعامل والتفكير كما يفعل جنسه ويقلل من التواجد مع أبناء جنسه والكلام للجنسين وتسوء علاقاته بهم ولو بعد حين والعكس صحيح، وتؤكد الدراسات العلمية الغربية الحديثة عدم وجود صداقة بين رجل وامرأة.
نرحب "بالزمالة" بين الجنسين مع وضع حدود وتحفظات سواء في الدراسة أو العمل؛ فلا مجال لكلام لا يليق أو لمزاح لا يتناسب مع الجنس الآخر ولا مجاملات زائدة "وتعمد" إغراق الطرف الآخر بمعاملة لطيفة وخاصة، ولا حكي عن المشاكل الأسرية أو الزوجية أو الكلام في أي شيء "بعيدًا" عن مجال الدراسة أو العمل، وهذا ليس تزمتًا بأي حال من الأحوال؛ بل حماية للقلوب وللصحة النفسية من خسائر مؤلمة نرصدها يوميًا لمن "ألقوا" بأنفسهم في علاقات بلا ضوابط مع الجنس الآخر؛ وغالبيتهم فعلوا ذلك "ببراءة"؛ كمحاولة لفهم كيف يفكر الجنس الآخر وأحيانًا رغبة في صحبة لطيفة بلا توابع أو مسئوليات ثم تألموا كثيرًا..
تبحث بعض بنات حواء عن الصداقة بالرجال عن الحماية والخبرات، وبعض أبناء آدم يبحثون عن بعض من الإشباع العاطفي ولو لم يعترفوا بذلك لأنفسهم "والاستمتاع" بدور الناصح ذي الخبرات التي تحتاجها بنات حواء؛ لذا "يجيدون" الإنصات لمشاكلهن.
دومًا يوجد البديل الصحي بلا أية خسائر للجنسين؛ وهو الحديث مع الأقارب من الجنس الآخر كالخالة والعمة والعم والخال؛ فسيعرف كل جنس كيف يفكر الجنس الآخر ويحصل على خبرات ويقضي وقتًا جيدًا بلا أية أضرار.