عبث غير مسبوق.. فوضى قاتلة.. واقع مرير نراه ونشاهده ونعايشه يوميًا فى السواد الأعظم من صيدليات مصر.. صرف أدوية بدون روشتة طبية.. طلب أدوية خطيرة لها مضاعفات وآثار جانبية قاتلة عبر "الواتساب"، دون رقيب أو حسيب أو سؤال من جانب مسئولى الصيدليات.. شراء أى نوع من الدواء مهما بلغت خطورته، حتى لو مكتوب على "ورقة لحمة".
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تطرق عمل بعض الصيدليات إلى أشياء أخرى، ليس من اختصاصها، مثل قياس الضغط والوزن والطول، وإعطاء الحقن الخطيرة بدون خبرة، ناهيك عن صرف أدوية بديلة، لا لشيء سوى لأنها أغلى سعرًا، وربما المكتوب فى الروشتة موجود على الأرفف.
الطفلتان البريئتان، إيمان وسجدة، دفعتا حياتهما ثمنًا لهذا العبث، وهذه الفوضى، على يد صيدلانية وعاملة، بعد حقنهما بمادة «السيفوتاكسيم» دون اختبار حساسيتهما لها، وبالطبع، لن تكونا إيمان وسجدة آخر ضحايا صيدليات الموت، التى لا يهمها سوى الربح السريع على حساب صحة وأرواح المواطنين الأبرياء.
إحالة الصيدلانية والعاملة الأربعاء الماضى إلى محكمة الجنايات، بعد إقامة الدليل القاطع ضدهما من شهادة (٩) شهود، وما ثبت بتقارير مصلحة الطب الشرعى، وما تبين خلال معاينة النيابة العامة للصيدلية محل الواقعة ومشاهدة آلات المراقبة بها، وما أقرت به المتهمتان فى التحقيقات، ربما يضع حدًا لهذا العبث القاتل التى تشهده بعض الصيدليات فى مصر دون غيرها.
ومما يزيد الطين بلة، أن هناك بعض الصيدليات التى لا تلتزم بوجود صيدلى بداخلها، وتترك الحبل على الغارب لحاملى دبلومات التجارة والصناعة وغيرهما، ليقوموا بصرف الأدوية، وبالطبع يعجز غالبيتهم عن قراءة الروشتة الطبية، وفى كثير من الأحيان يقومون بصرف أدوية خاطئة أو متشابهة، ويدفع المريض من حياته وصحته فاتورة هذا الإهمال.
كما تحولت بعض الصيدليات البعيدة عن أعين الرقابة فى القرى والكفور والنجوع، إلى أوكار لبيع الأدوية المدرجة فى جداول المخدرات، والمنشطات الجنسية وغيرها الكثير، ناهيك عن أن بعض الصيدليات تقوم بعمل مخازن سرية أو قريبة منها لوضع الأدوية المخالفة والمنشطات والمكملات الغذائية المستوردة، والتى تبيعها بأسعار فلكية لأنها ليست "مسعرة" وكل صيدلية تبيعها حسب المزاج.
وعلى الرغم من أن القانون المنظم لعمل الصيادلة رقم 127 لسنة 1955 يمنع الصيدلى من وصف الأدوية أو صرفها دون روشتة طبية، فإن العقوبة التى ينص عليها وقدرها 200 جنيه أو سنتين حبسًا، عقوبة غير رادعة، وغير كافية لمواجهة هذا الجرم، والعجيب أن هذا القانون لا يزال يتم العمل به منذ أكثر من 67 عامًا.
ولوقف هذه الفوضى، يجب على الفور، إقرار وتنفيذ التعديلات التى وافق عليها مجلس الوزراء على القانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة، وتحويلها إلى واقع ملموس، حتى يتم وضع حل جذرى لهذا العبث.
وتنص هذه التعديلات على تغليظ العقوبات المقررة لإحكام الرقابة على هذا القطاع، ليعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن مائتي ألف جنيه، ولا تجاوز مليون جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من زاول مهنة الصيدلة بدون ترخيص، أو حصل على ترخيص بفتح مؤسسة صيدلية بطريق التحايل، أو باستعارة اسم صيدلي، وكل صيدلي أعار اسمه، تحقيقاً لأحد الأغراض المتقدمة.
كما تنص على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين، وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه، ولا تجاوز مليوني جنيه، كل من فتح أو أنشأ أو أدار مؤسسة صيدلية بدون ترخيص، كما يعاقب بذات العقوبة كل من أقام صناعة أخرى، أو مارس نشاطاً آخر في مؤسسة صيدلية غير المرخص له بإدارتها، وذلك على النحو الذي يحدده قرار من رئيس مجلس إدارة هيئة الدواء المصرية.
ومما يزيد المشكلة تعقيدًا وتشابكًا، ضعف الرقابة على الصيدليات، ففى مصر أكثر من 70 ألف صيدلية فى 27 محافظة، ولا يزيد عدد المفتشين عليها على 1500 مفتش، فكيف يستطيع هذا العدد الضئيل مراقبة وتفتيش هذا الكم الهائل من الصيدليات، الذى يزداد يوما بعد آخر، ويتطرق إلى أنشطة أخرى ليست من اختصاصه.
[email protected]