قبل أيام، تداول يوسف راضي وهو أحد مؤسسي مجموعة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، ما اعتبره خبرا مفرحا لأعضاء مجموعته التى تأسست منذ يوليو ٢٠١٢، بموافقة وزارة الصحة على نموذج للتبرع سيتم توزيعه بكل أنحاء الجمهورية ليحل محل إجراءات التوثيق العقاري التي كان يقوم بها المتبرع كوصية يعمل بها بعد وفاته.
موضوعات مقترحة
الأمر الذي فتح من الجديد التساؤل حول شرعية تلك الخطوة وموقف الأزهر الشريف ودار الإفتاء من التبرع بالأعضاء، ذلك على الرغم من الموقف المعلن سابقا.
التبرع بالأعضاء بعد الوفاة
ففي ٢٠٠٩ حسم الراحل الشيخ محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق، الأمر بإقرار التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، مؤكدا بحسب الموقع الرسمي لدار الإفتاء المصرية، مؤكدا أن نقل الأعضاء الآدمية من إنسان توفى حديثا إلى آخر حي محلل شرعا، ولكن لم يتم تنفيذ الوصية لأنه توفى في المملكة العربية السعودية ودفن بعدها في البقيع بجوار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعقب ذلك، أصدر مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف، في نفس العام، بيانا رسميا أجاز فيه التبرع بالأعضاء للمتوفى، وهو البيان الذي فتح الباب أمام إصدار القانون رقم 5 لسنة 2010، الخاص بالتبرع ونقل الأعضاء.
موقف الدين من التبرع بالأعضاء
"بوابة الأهرام" أعادت طرح السؤال على الدكتور عباس شومان عضو مجمع البحوث الإسلامية ووكيل الأزهر السابق، لبيان الموقف الديني، والذي أكد بداية على الإقرار بحقيقة أن أعضاء الإنسان ليست ملكا له، لكنها هبة الخالق للمخلوق ينتفع بها حتى تنتهي حياته، ولذا لا يجوز له التصرف فيها بالبيع لا في حياته ولا على أن يتسلمها المشتري بعد وفاته.
شروط التبرع بالأعضاء أثناء الحياة
لكن، في الوقت نفسه يؤكد "شومان" على أن التبرع بالأعضاء لينتفع بها غيره لا مانع فيه. لافتا إلى أن هناك عددا من الضوابط الواجب مراعاتها فإن كان التبرع أثناء الحياة فيشترط عدم تضرر المتبرع بنقل العضو أو بعضه، وذلك بعد إجراء الفحوصات اللازمة عن طريق أطباء متخصصين.
والشرط الثاني بحسب عضو مجمع البحوث الإسلامية: أن يغلب على ظن الأطباء انتفاع المريض من العضو المنقول. والشرط الثالث هو عدم وجود علاج دوائي يغني عن هذا النقل.
وهنا، يشير الدكتور عباس شومان، إلى أن الغسيل الكلوي لا يدخل ضمن هذه العلاجات حيث إنه ليس علاجا وإنما هو يساعد المريض على البقاء على قيد الحياة مع بقاء المرض، وكذا إذا وجد البديل الطبي لكنه يفوق قدرة المريض لأنه في حكم المعدوم بالنسبة له.
التبرع بالأعضاء من التعاون بين البشر
ويؤكد عضو مجمع البحوث الإسلامية ل "بوابة الأهرام" أن نقل الأعضاء عن طريق التبرع طالما لا يضر بالمتبرع فهو نوع من التعاون البشري الذي طالبنا به رب العزة -سبحانه-:{... وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ..} مقاصد شرعنا الذي جاء ليحفظ النفس البشرية، ولذا يؤجر فاعله أجرا عظيما حيث يتسبب في إنقاذ حياة أخيه الإنسان:{... وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا...}.
أما بالنسبة للتبرع بعد الوفاة فيقول الدكتور عباس شومان وهو أيضا المشرف على الفتوي بالأزهر الشريف، بجواز التبرع أثناء الحياة على ما فيه من تحمل مشاق العمليات الجراحية وما تحتمله من نسب أخطاء مهما كانت مهارة الأطباء، فيكون التبرع بالأعضاء بعد الوفاة جائزا أكثر من التبرع في الحياة، وبطبيعة الحال فإن التبرع يتم أثناء حياة صاحب الأعضاء لينفذ بعد وفاته فيكون بمثابة الوصية التي يلزم قرابته الالتزام بها.
رأي المفتي في التبرع بالأعضاء
لدار الإفتاء موقف معلن بخصوص التبرع بالأعضاء، وفي فتوى منشورة من خلال الموقع الرسمي لدار الإفتاء بتاريخ ١٩ مايو ٢٠١٩، يقول الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية: إن العلاج بنقل وزرع عضو بشري من متوفى إلى شخص حي مصاب جائز شرعًا.
التبرع بالأعضاء جائز شرعا
يربط مفتي الجمهورية هذا الترخيص والجواز في نقل الأعضاء من الميت إلى الحي بشرط أن يكون بعيدًا عن البيع والشراء والتجارة بأي حال، وأن يتم بدون مقابل مادي مطلقًا للمعطي صاحب العضو إن كان حيا أو لورثته إن كان ميتًا.
الضوابط الشرعية للتبرع بالأعضاء
اشترط مفتي الجمهورية، في جميع أحوال التبرع بالأعضاء ونقلها مراعاة الضوابط الشرعية والتي نوردها نصا كما أوضحها عبر الموقع الرسمي لدار الإفتاء فيما يلي:-
1- أن يكون المنقول منه قد تحقق موته موتًا شرعيًّا وذلك بالمفارقة التامة للحياة، أي موتًا كليًّا، وهو الذي تتوقف جميع أجهزة الجسم فيه عن العمل توقفًا تامًّا تستحيل معه العودة للحياة مرةً أخرى؛ بحيث يُسمَح بدفنه، ولا عبرة بالموت الإكلينيكي أو ما يُعرَف بموت جذع المخ أو الدماغ؛ لأنه لا يعد موتًا شرعًا؛ لبقاء بعض أجهزة الجسم حيةً، إلَّا إذا تحقق موته بتوقف قلبه وتنفسه وجميع وظائف مخه ودماغه توقفًا لا رجعة فيه، وكان عمل بعض أعضائه إنما هو آليٌّ بفعل الأجهزة؛ بحيث تكون روحه قد فارقت جسده مفارقةً تامةً تستحيل بعدها عودته للحياة؛ لأنه حينئذٍ لم يعد نَفْسًا حَيَّة، والتحقق مِن الموت بِناءً على ما سبق يكون بشهادة لجنةٍ مكونةٍ مِن ثلاثة أطباء -على الأقل- متخصصين مِن أهل الخبرة العدول الذين يُخَوَّل إليهم التعرف على حدوث الموت، وتكون مكتوبةً وموقعةً منهم، ولا يكون مِن بينهم الطبيب المنفذ لعملية زرع العضو المراد نقله، وهذه اللجنة يصدر بها قرارٌ من الوزير المختص، فإذا لم يمكن -مِن قبيل الصناعة الطبية- نقل العضو المراد نقله من الشخص بعد تحقق موته بالشروط المذكورة فإنه يحرم حينئذ النقل، ويكون ذلك بمثابة قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق.
2- الضرورة القصوى للنقل؛ بحيث تكون حالة المنقول إليه المرضية في تدهور مستمر ولا ينقذه من وجهة النظر الطبية إلا نقل عضو سليم من إنسان آخر حي أو ميت، ويكون محققا للمنقول إليه مصلحة ضرورية لا بديل عنها.
3- أن يكون الميت المنقول منه العضو قد أوصى بهذا النقل في حياته وهو بكامل قواه العقلية وبدون إكراه مادي أو معنوي وعالما بأنه يوصي بعضو معين من جسده إلى إنسان آخر بعد مماته، وبحيث لا يؤدي النقل إلى امتهان لكرامة الآدمي، بمعنى أنه لا تتضمن الوصية نقل كثير من الأعضاء بحيث يصير جسد الآدمي خاويا؛ لأن هذا ينافي التكريم الوارد في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70].
4- ألا يكون العضو المنقول من الميت إلى الحي مؤديا إلى اختلاط الأنساب بأي حال من الأحوال، كالأعضاء التناسلية وغيرها، وذلك كما هو الحال في نقل العضو من حي إلى حي تمامًا.
5- أن يكون النقل بمركز طبي متخصص معتمد من الدولة ومرخص له بذلك مباشرة بدون أي مقابل مادي بين أطراف النقل، ويستوي في ذلك الغني والفقير، وبحيث توضع الضوابط التي تساوي بينهم في أداء الخدمة الطبية ولا يتقدم أحدهما على الآخر إلا بمقتضى الضرورة الطبية فقط التي يترتب عليها الإنقاذ من الضرر المحقق أو الموت والهلاك الحالِّ.
ومن هنا يتبين أن الشرط الأساس المعول عليه في جواز نقل الأعضاء من المتوفى للحي هو: تحقق موته؛ بتوقف قلبه وتنفسه وجميع وظائف مخه ودماغه توقفًا لا رجعة فيه؛ بحيث تكون روحه قد فارقت جسده مفارقةً تامةً تستحيل بعدها عودته للحياة؛ لأنه حينئذٍ لم يعد نَفْسًا حَيَّة، ولا يقدح في صحة الموت الحركةُ الآليَّةُ لبعض الأعضاء بفعل أجهزة التنفس الصناعي ونحوها، وأن هذا التحقق إنما يكون بشهادة الأطباء العدول أهل المعرفة في فنهم الذي يُخَوَّل إليهم التعرف على حدوث الموت، ومعرفة أعراض الموت مبنية على الاستقراء التام لأهل الطب وتجربتهم الطويلة في المظاهر والأعراض التي لا يمكن للإنسان أن يعيش بعدها بحال من الأحوال، وما ذكره الفقهاء من علامات الموت؛ كاسترخاء الرجلين، وانفصال الكفين، وميل الأنف، وامتداد جلدة الوجه، وانخساف الصدغين: فهو مبني على الرصد والتتبع والاستقراء الطبي في أزمنتهم، وقد أثبت الطب الحديث أن هذه أعراضٌ للتوقف النهائي لجميع وظائف المخ والدماغ، فإذا استطاع الأطباء قياس هذا التوقف التام لوظائف المخ، وصار هذا القياس يقينيًّا عندهم بلا خلاف بينهم فيه: فإنه يُعَدُّ موتًا حقيقيًّا يجوز بعده نقل الأعضاء من الميت إلى الحي بالشروط المذكورة.