ليس عيبًا أن نعترف بأننا كمواطنين وحكومة لم نوفق بشكل كافٍ فى وقف زيادة عدد السكان في مصر، وليس عيبًا أن نعترف أيضًا أن خطط وبرامج تنظيم الأسرة خلال الفترة الماضية بالذات لم تحرز أيًا من الأهداف التي وضعت من أجلها رغم التحذيرات والنداءات التي تنطلق من مختلف الجهات؛ سواء كانت شعبية أو حكومية، مما يهدد خطط التنمية الاقتصادية والمجتمعية، وهو أمر فى منتهى الخطورة، مما يستلزم إعادة النظر في قضية المشكلة السكانية ككل لإيجاد الحلول العملية والمناسبة لها، وثمة عدة ملاحظات جديرة بالبحث والمناقشة الجدية في هذا الصدد منها ما يلي:
أولًا: إن الزيادة السكانية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المختلفة، كما أنها تؤثر بصورة مباشرة على جهود المجتمع في مختلف مجالات التنمية، ومصر واحدة من الدول التي تعاني بشدة من آثار تلك المشكلة، فارتفاع معدلات وفيات الأطفال الرضع يدفع الأسرة إلى إنجاب عدد كبير منهم تحت تأثير الشعور بعدم الاطمئنان إلى بقاء عدد مناسب منهم على قيد الحياة عندما يتقدم بهم العمر، والزواج المبكر بين الإناث يؤدي إلى طول فترة الحياة الإنجابية للمرأة، حيث يؤدي ارتفاع مستوى الأمية بين الإناث، وانخفاض المستوى التعليمي لهن إلى عدم تأهيلهن بصورة مناسبة للنزول إلى سوق العمل، وتصبح الحياة المنزلية وإنجاب وتربية الأطفال محل الاهتمام الأساسي للغالبية العظمى من النساء.
ثانيا: لو استمرت الزيادة السكانية على ما هي عليه الآن - حيث كان تعدادنا عام 1900 نحو 9 ملايين، وأصبحنا الآن 104 ملايين – فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نشعر بأي تحسن على الرغم من الجهود المضنية التي تبذلها الدولة للإصلاح، ولن نجد تغييرًا فى أحوال المصريين المعيشية، إذ ستأكل الزيادة السكانية الأخضر واليابس.
ثالثا: هناك عدة أسباب تؤدي إلى ارتفاع الزيادة السكانية في مصر منها العادات والتقاليد التي تؤيد الزواج المبكر، وختان الإناث، وتفضيل إنجاب الذكور، وعدم استخدام وسائل تنظيم النسل، والاكتفاء بطفلين، وثقافة الإنجاب التى تكونت عبر أزمنة طويلة فى المجتمع المصرى،وهى مرتبطة بالعزوة والسند.
رابعًا: لابد أن تكون هناك مواجهة حقيقية وجادة بقوانين ملزمة للناس بتنظيم الأسرة وبحوافز تشجيعية، وأصبح ذلك ضرورة حتمية خاصة أنه لا يمكن أبدًا أن يكون هناك أى تنمية مستدامة، فالمخاطر الناجمة جراء هذا الانفجار السكاني الوشيك عديدة، وقد يكون أقلها حدة على عكس توقعات المختصين زيادة معدلات البطالة، فهناك أيضًا حدوث ارتفاع خط الفقر، وزيادة عدد الفقراء، وعدم توازن النمو الاقتصادى مع النمو السكاني، وبالتالي حدوث انخفاض عام لمستوى المعيشة، مما سيترتب عليه تفاقم ظواهر عدة أهمها ظاهرة أطفال الشوارع، وارتفاع معدلات الفساد والجريمة، وانتشار الجهل والأمية والتكدس المروري، وارتفاع نسب الوفيات بين الأمهات بسبب تكرار الحمل، ومن ثم انخفاض عام لقدرة الدولة على الدعم الصحي، ولن يكون هناك جدوى للتأمين الصحي الشامل، وزيادة جديدة لحجم الإنفاق الحكومي، وكذلك تدني مستويات الأجور، ومن ثم عدم استيعاب ملايين الشباب فى مجال العمل، وهروب الاستثمار والمستثمرين عندما تكون الزيادة العددية من البشر فقط، ولا يواكبها أي زيادة أو تقدم فى المهارات والقدرات المطلوبة، وهو ما يستدعي الحد من الزيادة السكانية، والعمل على وقف الآثار السلبية المترتبة عليها، والتي تؤثر على تحقيق التنمية المستدامة بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.