النرجسية تستشري كالوباء بين أبناء الجيل الحالي، البروفيسور وأستاذ علم النفس بروسيا "سام فاكنين" أرجع الأمر إلى تضخم ظاهرة الانتقاص من مشاعر الآخرين وقناعاتهم، ولذا أعرب عن خشيته على الأجيال القادمة، لأنها أكثر عرضة للإصابة بالنرجسية، ووصف فاكنين النرجسيين بعبارة لاذعة، قائلًا إنهم أقرب إلى مصاصي الدماء، ينقلون مرضهم إلى غيرهم عن طريق العض، ولذا دعا لأهمية إعطاء مناعة ضد الأفكار الغربية المتطرفة.
ولم تمر سنوات قليلة ويصدر كتاب عن تفشي النرجسية بين الجيل الحالي، وعكف على تأليفه أستاذًا علم النفس "جين تونيجي، و"كيث كامبل" بجامعة سان دييجو وجامعة جورجيا بأمريكا، ونشراه تحت عنوان "وباء النرجسية: العيش في عصر الاستحقاق"، ويعني أن النرجسيين يطالبون من حولهم بمعاملتهم معاملة خاصة، نظرًا لاعتقادهم أنهم يستحقون تلك المعاملة المتميزة، ويتطابق وصفهم مع تعريف المفكرين للنرجسية بالإفراط في حب الذات.
وأطلقا مصطلح "النرجسية الجمعية" على مجموعة أفراد متعصبة لجماعاتهم، يهاجمون بأسلوب عدائي المجموعات الأخرى، خشية من تشويه صورتهم التي نسجوها طبقًا لتصوراتهم ومعتقداتهم، كأن صورتهم لا نظير لها في الوجود.
ويتفق علماء النفس على فرضية الاعتلال النفسي للنرجسي، وقاموا بتشريحه نفسيًا، ولمسوا فيه شعوره بالهشاشة، إضافة إلى اختلاج نفسه بريبة دائمة، وسعيه بكل الوسائل للحصول على اعتراف الآخرين بعظمة قيمته.
النرجسية طاعون العصر الحديث، يعد أفضل تشبيه عبرا عنه الباحثان توينج وكاميل، وجاء بناء على إحصائية أجرياها على وسائل التواصل الاجتماعي، اكتشفا في ثناياها نموًا غير مسبوق للنرجسية من خلال التعليقات المنتشرة على صفحاتها، وخاصة بين المراهقين والشباب.
وأظهرت دراستهما انزواء وعزلة النرجسية خلال منتصف القرن العشرين، غير أنها حاليًا يغلب عليها "الشعور بالاستحقاق"، وهو ما تضمنه عنوان كتابهما، وعرضا دليلاً على حقيقة ذلك، أن هناك دولاً غربية يتزايد فيها مشاعر العداء تجاه العمالة الأجنبية من اللاجئين، برغم مساهمتهم في نهضة الاقتصاد الوطني.
ويساور نرجسيي الغرب شعور بالتهديد لوجود جماعات أخرى مختلفة عنهم، مما أدى إلى استخدامهم العنف في حق المهاجرين، وحذر الباحثان من جراء مخاطر النرجسية على المجتمعات، وصرحوا بأنها لا تقل شراسة عن وحشية وباء كورونا.
واعترض باحثون على كلام عالم النفس توينج وكاميل، ورأوا أن دراستهما تحتوى على مبالغة كبيرة في نتائجها، ويرون أنه من الصعوبة بمكان إلصاق النرجسية على نسبة مرتفعة من الجيل الحالي، وانتقدوهم في قصر بحثهما على ملاحظة لغة الخطاب عبر الأجيال السابقة وصولا إلى الجيل المعاصر، ولفت انتبهاهم عدم تناول الباحثين الخلفية الثقافية والاجتماعية للأجيال، لما لها من تأثير فاعل في تحديد الهوية الفردية وأنماط السلوك.
ولكن الدليل المقابل على صحة دراسة توينج وكاميل يفترض التغيير للأسوأ في تربية الأولاد، وتشهدها الفترة الأخيرة بالدول الغربية، وأنها ترسخ التميز والتفرد في نفس الطفل الغربي، وتبث بداخله الشعور بالاستحقاق في وجدانه على اعتبار أنه يتمتع بالكمال، وبالتبعية لما يحدث كان لابد من ولادة جيل متطرف السلوك تجاه المهاجرين.
Email: [email protected]