راديو الاهرام

رؤية الإمارات المناخية

20-11-2022 | 16:58

جاءت كلمة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، في قمة المناخ COP27 التي عقدت بمدينة شرم الشيخ المصرية، صريحة ومباشرة للغاية، تجمع ولا تفرق وتضع الجميع أمام مسئولياتهم، وجاء كل ذلك في إطار نهج الإمارات وروحها الإيجابية ووعيها بحساسية اللحظة التاريخية الراهنة، التي تتطلب قدرًا كبيرًا من الحكمة والحنكة معًا، ولذلك فقد دقت الكلمة جرس الإنذار لتنبيه الجميع بأن "مستقبل الأجيال القادمة يعتمد على القرارات والإجراءات والخطوات التي نتخذها اليوم". 

والأمر الذي يبعث على الفخر أن كلمة سموه قد انطلقت من إرث إماراتي كبير في مجال البيئة؛ سواء على مستوى الممارسات الفعلية على أرض الواقع، أو على مستوى التخطيط المستقبلي، فالإمارات التي انتبهت مبكرًا لقضايا البيئة، بوعي فطري واهتمام ذاتي من لدن القائد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي كان يضع البيئة في مقدمة أولوياته بحكم فطرته النقية ووعيه بأهمية الحفاظ على البيئة من التلوث وحمايتها من كافة مصادر التهديد الآنية والمحتملة، كي يتمكن الإنسان في العيش فيها، قد شاركت في العمل البيئي بعد 6 أشهر فقط من تأسيس دولة الاتحاد في الثاني من ديسمبر عام 1971 من خلال مشاركة وفد رفيع المستوى في المؤتمر الأول للأمم المتحدة المعني بحماية البيئة والعمل من أجل استدامة الموارد الطبيعية، ثم صدور أول قانون وطني في المنطقة يستهدف حماية البيئة في العام 1975. 
وتلا ذلك سلسلة من المواقف التي تثبت قناعة راسخة بأهمية البيئة، حيث كانت الإمارات أول دولة إقليمية تعلن مبادرة إستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، وأول دولة شرق أوسطية توقع على اتفاق باريس للمناخ عام 2015، كما أطلقت أول مشروع صناعي للهيدروجين الأخضر في المنطقة في مايو 2021، كما عملت على زيادة إنتاج الهيدروجين الأزرق بهدف تنويع مزيج الطاقة، كما اتجهت إلى الاستفادة من الطاقة النووية السلمية عبر مشروع محطة "براكة"، واعتمدت كذلك في التنويع على الطاقة الشمسية وأنشأت محطة "الظفرة" للطاقة الشمسية الكهروضوئية، أكبر محطة لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم بقدرة تصل إلى 2 جيجاواط من الكهرباء. 

ولم تقف جهودها عند حد الداخل بل امتدت لتشمل التعاون مع الدول الصديقة والشقيقة؛ حيث وقّعت شراكة إستراتيجية مع الولايات المتحدة لاستثمار 100 مليار دولار في إنتاج 100 جيجاواط من الطاقة النظيفة بحلول عام 2035، تأكيدًا لدورها في تعزيز أمن الطاقة ودفع التقدم في العمل المناخي. 

كما وقعت الإمارات مع مصر يوم الثامن من نوفمبر الماضي اتفاقية لإنشاء أحد أكبر مشاريع طاقة الرياح في مصر بقدرة 10 جيجا وات، حيث شهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ــ والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، توقيع اتفاقية بين كل من شركة "إنفينتي باور" وشركة "حسن علام للمرافق" والحكومة المصرية، بهدف تطوير مشروع لطاقة الرياح البرية بقدرة 10 جيجا وات في مصر، والذي يعد أحد أضخم مشاريع طاقة الرياح في العالم. وذلك على هامش أعمال الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP27) التي استضافتها مدينة شرم الشيخ. 
ويسهم هذا المشروع في ترسيخ مكانة "مصر" العالمية الرائدة في مجال الطاقة المتجددة، ويؤكد أن دولة الإمارات ومصر ماضيتان في ترسيخ دورهما الريادي في تفعيل العمل المناخي على مستوى المنطقة والعالم. وستوفر محطة طاقة الرياح البرية الجديدة لمصر ما يقدر بنحو 5 مليارات دولار أمريكي من تكاليف الغاز الطبيعي السنوية، إضافة إلى توفير ما يصل إلى 100 ألف فرصة عمل، وتقدر العمالة المباشرة في مرحلة البناء بنحو 30 ألف شخص، كما سيوظف نحو 70 ألف شخص بشكل غير مباشر.. بجانب إضافة نحو 3200 وظيفة للتشغيل والصيانة بعد انتهاء عمليات بناء المحطة.

لاشك أن استضافة الإمارات مؤتمر الأطراف (COP 28) عام 2023، يمثل فرصة ثمينة لمنح الجهود الدولية في مجال التغير المناخي قوة دفع كبيرة انطلاقًا من موقع الإمارات في قطاع الطاقة العالمي، وهو موقع تتضاعف أهميته في ضوء توجه دول المنطقة نحو الطاقة الخضراء حفاظًا على ثقلها ومكانتها كمركز عالمي للطاقة، ومزود رئيسي بها، ومن ثم ستنطلق منها الكثير من الحلول باعتبارها نقطة ارتكاز للتحول الطاقي الذي يراعي مصالح الجميع، بمن فيهم الدول المتقدمة والنامية.
وكل ذلك سيرسخ حضور الإمارات عالميًا في ملف البيئة، ويتعزز ذلك كله بمبادرة الإمارات الخاصة بتقييم تطبيق اتفاق باريس، الذي يؤهلها لقيادة عمل دولي لإنشاء منظومة تسهم باتخاذ خطوات جادة في ملف المناخ.

* كاتب وإعلامي إماراتي

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة